نامي قريرة العين يا زينب..! عند الله لا تضيع الحقوق
من ذا الذي لا يعرفُ قطرة الندى زينب التي رحلت عنا بِسر خفي؟
حلم طويل في طياته زينب ترتدي ثوب الزفاف الأبيض، وأخواتها وأحباؤها في فرح عظيم، تمشي بخطواتٍ هادئة وسط الضجيج والتباريك، زينب حبيبتي عروس من جديد..
هكذا كان حلمي الذي عجزتُ عن تفسيره، لقد كانَ البكاء كابوساً مزعُجاً وددتُ لو كنت مُغمِضة عيني في سباتٍ عميق فأصحو منه ويختفي.
رِحتُ أتساءل ما الذي يجري؟
هل هذا واقعِ أم كابوس؟
أم عقلي الباطن بات يصور لي أحداثاً غير واقعية؟!!
صرخاتُ أهلي، قلق وترقب عقارب الساعة، دُعاء وتوسل بِرب العالمين، وهمسات متتالية خوف و قلق مِن التالي، يا ترى ما التالي؟
ومن الأول؟
نَعم إنهُ الفقد الذي لا نُريد تصديق حقيقته، ألم الغصّة المحبوسة في البلعوم، كيف بدأ الأمر وأينَ بدأ؟.
في الثامن من يناير الماضي كانت كلِمات زينب الأخيرة (إن شاء الله نلتقي مرة أخرى)، وكان ردي (خسارة ما شفتك)، لم أكُن أعلم بأن الخسارة التي كتبتها أصابعي ستكون خسارة حقيقية، ولم كتبتها؟، يا ترى ما السبب؟ هل كان قلبي على يقين بأن هذه الليلة الأخيرة التي سأحظى بها بحروف كتبتها أصابع زينب؟.
أول الصدمتين كان؛ عبدالله في ذمة الله.
والصدمةُ الأخرى؛ هي أن عزيزتي زينب تحت رعاية الله تعالى، كان ألماً مُوجعاً لا يُحتمل. لم يكُن في بالي سوى متى تعود إلى أحبائها؟ سوف تتخطى هذا الوجع بفضل الله.
رنين الهاتف، امتلاء الحزن والأسى في جميع الوجوه، اضطراب كبير، زينب في الإنعاش..! لقد توقف قلب زينب الذي غمرنا بِحُبٍ وحنان، ذلك القلبُ الذي لم يقسُ يوماً على أحد.
قلب نقي أبيض يشعُ حناناً وكرماً وعطفاً لكل من حولها.
من ذا الذي أخذ ابتِسامة زينب من مبسمها العذب؟؟
قطرةُ الندى زينب رحلت عنا لِتترُكَ في قلوبنا غصة، أو لن أرى حبات اللؤلؤ النابِتة في شفتي زينب؟
أولن أستنشق عبير عطر زينب ؟ أولن أرى شعرها الأسود الفاحم المسدول على كتفيها تارة تتمايل بهِ يميناً وتارة شِمالاً وتارة ترفعه للأعلى؟.
أولن أرى لِباسك الفاخر في كل أسبوع وطولك الجذاب؟ ثُم أثني على ما ترتدين، ويتورد خداكِ خجلاً فتردين (أستحي)؟ أولن أطلب منك أن تأكلي معنا في سفرةٍ واحدة فترفضين وتجلسين في كرسيك الذي باتَ خالياً وتنظرين في الجميع وكأنك تنظرين إليهم بنظرة وداع أبدي لتشبعي شوفاً؟
هل كُنتِ على دِراية بذلك؟ أو لِهذا السبب تطلبين منا أن نُمعن النظر في وجه سيرحل و لن يعودَ أبداً، وجه لا يُنسى سيترُكنا في غصة أبدية لو مرت دهور، أو لن تخبرينا بأن نجلس مقابلين لوجهكِ وتطلبين مِنا النظر فيه عندما نتحدث؟
أولن تُقبلينا جميعاً، يا قطعةً فارقت القلب فتركت سهماً لا يبرأ أثره؟
من ذا الذي سيُسابقنا في طبق الحُلو في كُل يوم جُمعة يا حلوتي؟
مرت جمعتان ثقيلتان علينا كأنها عامان يا زهرتي ذات الثلاثة والثلاثين عاماً، لقد احتفلنا بميلادكِ ولم نعلم بأنه الأخير وطلبتي منا بأن (لا نعيدها مرة أخرى)، فهذه الكلمة ما زالت عالقة في ذاكرتي مؤلم طلبكِ يا زينب..! فكيف للكلمات أن تكون واقعاً؟
فلن نعيد الاحتفال في يوم ميلادك مرة أخرى، ولن نهديك الهدايا التي ما زالت مغلفة لم تفتح، فليت الأعوام تُهدى فنهديك من أعوامنا سنيناً.
رحتُ أقلب في رسائلكِ القديمة في كل دعواتكِ (لا تفجعنا يا الله بأحبائنا)، (لا تنسوا موتانا في يوم الجمعة)، زينب فجعتِنا ودعواتكِ لرب العالمين وصلت إلى عنان السماء، لم تذوقي فاجعة أحبابك.. نحنُ من ذقناها يا زينب، وددتُ أن نشيخ سوياً فأرى الشيب يغطي شعرك، وليس أن نشيب حسرةً عليكِ، ممِن نطلبُ المساعدة في عثرة ما؟
ليس هناك من يحتاجُ شيئاً في وجودِك، طفلٌ بكى، كهلة بكت، غريب بكى.
فَلِمَ الحزنُ شديد عليك يا زينب؟ و من ذا الذي لا يعرِفُك يا زينب؟
يا ذات الصوت الخافت، فلا يكادُ يُسمع كأنه همس عصفور.
ذبلَ وجهك في ساعاتٍ معدودة وسُرقت منا بسمتكِ العذبة، من ذا الذي سرق منكِ أغلى ما تملكين فانتشل منكِ عافيتك وأعوامك المعدودة؟
مِم تشكين حتى ذهبتِ على عجلٍ دون انتِظار ودون احتمال؟
مَن أحرق بداخلك كُل الأشياء فسرقك منا بغمضة عين؟
زينب كل قريبٍ وبعيد ينعاكِ ألماً.
وجهُكِ البريء دائم التبسم، علمتُ الآن بأنهُ طهور في الجنة، كنتِ أماً مليئة بالعطايا، أخُتاً تعرفُ حقَ الأخوة، ابنةُ خالة تعرف واجباتها على الجميع، وابنة ممتلئة بالحنان فلم يكُن لديك شيء لا يتشارك مع الآخرين، فلكل شيء تملكينه حق المشاركة (إلا الحزن) فلم أره في عينيكِ يوماً فوجهك لم يعرف يوماً العبوس،
كُنتِ لا تفارقينَ فلذة كبدكِ في ساعاتكِ كُلها.
أيُ قدرٍ هذا الذي أخذَ قطعتين من قلوبنا في يوم واحد؟ أأبكيكِ أم أبكي طفلكِ ذو الوجه القمري، ذلك الطفل الممتلىء احتراماً وخجلاً وأدب.
أواه يا حسرة القلب الذي بات مكسوراً دون وجودك، وأواه على دار غُربة خالية دون من يزينها.
كلما هبّت الرياح لتفتح الباب وراءها؛ انتظرت دخولكِ منه وخلفكِ ابنكِ تتبسمين قبل أن تكشفين عن وجهك، تلمع عيناك فرحاً فتتقوس كالهلال، لم يُقفل الباب من حينها يا زينب انتظاراً لعودتك، مخافة ضياع المفتاح منكِ ومخافة انتظاركِ لنا، لا نطيقُ صبراً للقياكِ.
١٠ أيام خاب ظني فيها، بكل وجه أراه قادما وكل عباءة وفي كل صوت يتردد على مسمعي، لكنهم قادمون يعظمون أجرنا فيكِ عزيزتي.. واقع لا يصدق..!
في كل الوجوه أراك في كل مكانٍ خال، في كل طبق صنعتهُ يداك، في كُل طبقٍ تحبينه، رحتُ أتصل بهاتفك ولا تجيبيني، وأعاتب عدم سؤالك وتأخرك وليس هناك مجُيب.
ليست هذه عادتكِ يا زينب، زينة الدارِ يا زينب.. انطفأ نور الدار عندما ظهر رنين جهاز القلب وأغمضت عينيك، وانطفأت ابتسامتك.
نائِمة عزيزتي في قلبي ليس في مكان آخر.
هذا تفسير حُلمي بزينب
لقد تحقق الحُلم بطريقة أخرى
ففستانها كفنها، والفرح العظيم ألم، والأحباب قد اجتمعوا ناعين مصاب زينب، زفافُ زينب في الجنةِ أفضل، فوداعاً لآخر أحاديثنا
ووداعاً لآخر سفرة طعام جمعتنا، ووداعاً لأيامٍ عشناها في سرور.
عزائي لقلبي في زينب علمتُ حينها سبب غصتي منذُ ذلك الحلم
رحم الله وجهك الذي لو فنت الدنيا ما أتت بمثله.
عزيزتي أودعكِ راضيةً غير ساخطة بحكمته وقد خالط الدمع دعائي، وما زال عزائي أن يجمعنا الله في دار خلدٍ ونعيم، سأسقي ترابكِ بدمع روحي ورياحين قلبي، نامي قريرة العين فعند الله لا تضيعُ الحقوق..
ابنة خالتك
وصال المطر