على باب رباب بت سعيد

من الحرج الذي أحسب له الحسابات في كل موقف مشابه؛ سألتُها: هل تأذنين لي بتقبيل رأسك..؟

ـ “ولد امْن اوْلادي”.. بهذا مُنحتُ الإذن. وعلى هذا انفتح حديثٌ قديمٌ، على “فريق كربلاْ”، و “نسوان” الحيّ، وبيت “محسن” الذي كان “غير” بيوت “العرَبيْ”، المتحلّقة حول “ساحة كربلاْ”..!

شقيقها “علي بن سعيد” كان “أستادْ بَنيْ عربي” معروفاً في العوامية. ومع ذلك؛ شيّد زوجها بيته على الطراز المسلّح، امتثالاً لمتطلبات “الشَّرَكهْ ـ أرامكو”. وليس لهذا السبب؛ كان البيت “غير”. السبب الأوضح هو نمط حياة هذه العائلة المنظّم جداً، وثياب أولادها وبناتها الرتيبة الأنيقة، وشعر الأولاد الذي “يِزغي” لامعاً بين صبية الحيّ “المعكرشين”..!

كانت “رباب بتْ سعيد” تُحمّم “نبيه” وتؤنّقه و “تسحّج راسه” دلالاً للولد الذي جاء “على نَشْفهْ” بعد 3 بنات. وظنُّها أنه صار “كنَّشّمْعَه” [كأنه الشمعة] جمالاً وأناقة. وفيما هي غافلة بين أواني المطبخ وأثاث البيت؛ يدخل عليها عائداً من الشارع “مُدَحّنا” بـ “الخَمَق ـ الطين”..!

إنه طفلٌ، وطبيعيٌّ أن يُجاري صبية الحي.. إنه يوم مطر.. الطرق موحلة، ومُغرية بالركض والزحف واللعب وتلطيخ الثياب والوجوه والأيادي بمرح القلب.. وشراكة الأقران..!

هنا ينفص عرق “الرَّباحة” غضباً؛ فتهمّ “رباب بت سعيد” بعقاب الصغير الذي يهرب مستجيراً ببيت الجيران. وهناك تتصدّى “أم ضيف” لإجارة الصغير، حائلة دون وصول “سطاراتْ” الأم إلى وجه “نبيه” الذي انجرّ إلى عبث الصغار في “الخَمَق”..

الصغير الذي كبُر وصار مهندساً.. وصار عضواً في مجلس الشورى، وما زال يكرّر قصة “البيت العشيش” الذي يهرب إليه حين تغضب “رباب بت سعيد”..!

بيت منظم، و “غير” البيوت المجاورة..!

ذات مساءٍ؛ طرقنا الباب سؤالاً عن محمد.. كنا نريده رفيق لعب. فتح الحاج عبدالمحسن ـ رحمه الله ـ الباب؛ وردّ علينا بصرامة: محمد يذاكر..!

مساء البارحة؛ علّقتُ على شكل محمد الذي لم يتغيّر. ولولا التهذيب الذي عقد لساني؛ لاستثنيتُ “الصّلعة” في التعليق.

أما “رباب بتْ سعيد” نفسها؛ فلم ألفَ شيئاً تغيّر في نبرة صوتها، وهدأةِ لغتها المشحونة بأمومة فائضة. بين أريكة ومتكأ قدمين؛ كانت جِلستُها، متلفّعة بـ “مشمر” جلّل سترها، ومن وراء ذلك الحجاب الساتر؛ كانت “رباب بت سعيد” تمثّلُ في الذاكرة القديمة.. القديمة جداً.

ما الذي تغير يا أم نبيه من منتصف سبعينيات القرن الماضي حتى الآن..؟

تلك السيدة “البهية” في حسابات نساء الحي، ومواقيت “عزاياهم”، ومحيط الناس الناشطة في حياة تسير على رتابة أمورهم.

تلك الأنيقة المتفرّغة لبناء حياة 7 بنات و 3 أولاد..!

تلك الطيبة التي سألتني: هل صرتَ جداً.. فصُدمت حين قلت: عمري 57، ولديّ 4 أحفاد.. أنا مو “انْوَينُوْ”..!

كلنا كبرنا يا “أم نبيه”..

رحم الله أبا نبيه.. وأطال في عمر أم نبيه.

حبيب محمود

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×