قم للمعلم] حبيب المرهون.. بناء المعرفة من صداقة المكتبات.. والـ “تابلِت” بدأ فلاحاً.. "ألفْ لا شيْ لهْ".. وقضى حياته مع الطباشير بين الخبر والقطيف والعوامية
أم الحمام: ليلى العوامي
ولد بعد نهاية الحرب الثانية بعام، وانخرط في سلك التدريس في أول دفعة من معلمي أم الحمام عام 1972م، وتقاعد في 2004م، وودّع الحياة في 2023.
مراحل حياة وأرقام لمسيرة معلم الأجيال حبيب عبدالكريم المرهون، العصامي في تعليميه وثقافته، المعتمد على نفسه في التحصيل و الاطلاع، الرجل حديث الثقافة المتواصل مع بعض كبار المشايخ.. الجامع بين التراث والحداثة.. الراكض بحثاً عن مصادر المعرفة، من الكتاب إلى الـ “تابليت”.
نشأة
بالعودة إلى حياة الراحل حبيب المرهون، فقد ولد في بلدة أم الحمام الواقعة غرب محافظة القطيف، وتحديداً عام 1946م، كانت تلك الحقبة بدايات نهضة المملكة، حيث كانت الزراعة في واحة القطيف هي معيشة السكان، إضافة إلى بدايات دخول العمال في شركة أرامكو، وقد عمل مع أسرته كأقرانه في مزارع النخيل.
دراسة
حين شب “المرهون” كان متابعاً للأحداث التي مرت بها المنطقة العربية، وفي تلك الحقبة من خمسينيات وستينيات القرن الميلادي الماضي، في مرحلته الأولى من الصبا، تتلمذ قبل دخول مدارس المنطقة على يد ابن خالته الشيخ عبدالعظيم بن الشيخ منصور المرهون، الذي توفي في 2003م.
تعلم “المرهون” القراءة و الكتابة، و القرآن الكريم لدى الشيخ عبدالعظيم رفقة أقرانه، و بقى معجباً به ومقدراً له حتى آخر عمره، و كان حينها يساعد والده في المزرعة، ومع فتح أول مدرسة بين أم الحمام وجارتها الجش، في عهد الملك سعود درس المرحلة الابتدائية، ثم درس المتوسطة في متوسطة معن بن زائدة في مدينة القطيف، حيث لم تكن توجد في البلدة مدارس متوسطة.
وعشق الكتاب مبكراً، حيث عثر على أقدم كتاب اشتراه في منتصف الستينيات الميلادية. ومن هنا استكمل دراسته في معهد المعلمين، و بالكاد كان مصروفه يومها يكفي المواصلات و المعيشة، و معه الكتب.
وظيفة
مع استلامه وظيفته بداية السبعينيات الميلادية، تحسنت ظروفه، و بدأ “المرهون” جنباً إلى جنب يجهز لبناء بيته، و يربي ولديه حينها، و أيضاً يشتري و يبحث عن الكتاب، حيث تعرف على أحد باعة الكتب المعروفين بالقلعة في القطيف و هو الحاج أبو عبدالكريم عبداللطيف الزاير، الذي كان يجد لديه ما يسعده من كتب و مجلدات.
عمل الراحل في عدة مدارس منذ بداية توظيفه عام 1972م تقريباً، أشهرها المدرسة التي عين فيها بالخبر، ثم مدرسة زين العابدين التي ظل فيها زمناً طويلاً، و أخيراً مدرسة الواحة بالعوامية التي ظل فيها حتى تقاعده عام 2004م.
شخصية عصامية
بنى “المرهون” -رحمه الله- منزلاً على الطراز الشعبي في نهاية السبعينيات الميلادية على قطعة أرض حصل عليها من والده. لم يدخر جهداً في جعل إحدى غرفها مكتبة له، وفي منتصف الثمانينيات أعاد بناء المنزل من جديد في المكان نفسه، و حول إحدى أكبر الغرف فيها إلى مكتبة كبيرة.
لكن مع مرور السنوات و شرائه الموسوعات و الكتب باستمرار، تراكمت الكتب بعضها فوق بعض، فاحتاج إلى غرفة ثانية وثالثة، ومع مرحلته الأخيرة من القراءة، لدرجة أن مكتبته اليوم عند رحيله تحوي آلاف العناوين من كل أصناف العلوم الدينية، و الفلسفية، و الأدبية، و التاريخية، و السياسية، و الفكرية، كما كان لديه بعض قصائد المناسبات و الكتابات الهامشية على بعض الكتب.
اقتناء الكتب
في مطلع الثمانينيات الميلادية وتوسع المكتبات في المنطقة أصبح من رواد مكتبة المتنبي في الدمام إلى ما قبل مرضه، حيث وجد مع أصحابها وإدارتها صداقة واسعة مكنته من الحصول على العديد من الكتب المهمة في كافة المجالات.
الألم
قاعده المرض القسري في جسده وبصره منذ سنوات عن القراءة التي كانت كل حياته بعد أسرته، فسبب له هذا الأمر ألماً، لكن ذاكرته ظلت حتى آخر يوم في حياته متقدة بالمنطق و الحجة، و الاستدلال اللغوي، و الاستدراك مما في الفقه و الأصول.
مجلس الخميس
كان المرهون -رحمه الله- عازفاً عن الشهرة والظهور في المناسبات الثقافية، رغم عمقه وقدراته التي يعرفها كثيرون، مكتفياً بجلسة مسائية كل يوم خميس في منزله، كانت فرصة يلتقي فيها بأصدقائه وتلامذته، حيث كان التنوع المعرفي والحواري هو الحاضر الأول فيها، حتى توقفت هذه الجلسة قبل نحو عشر سنوات بسبب تفاقم مرضه واهتمامه بزوجته، وهي ابنة الشيخ الراحل الملا سعيد بن الشيخ منصور المرهون.
عزلة المرض
ظل في حقبته الأخيرة منعزلاً بسبب المرض، مكتفياً بالمعيشة مع أسرته الصغيرة، يتواصل هاتفياً مع أصدقائه أحياناً رغم ضعف سمعه وصحته، و رغم كل هذا لم يتوقف عن البحث والاطلاع، كان يبحث في المواقع الإلكترونية ويستمع إلى المحاضرين عن طريق جهازه الخاص (تابلت).
الوقف الخيري “مكتبته”
مكتبته هي من يتحدث عنه اليوم وعن تاريخه و ذكرياته، وفي مخطط أسرته أن تتحول إلى وقف خيري للأجيال القادمة كي تترحم عليه، و تستفيد من هذا الكنز الثقافي و العلمي الكبير.
يقول عنه صديقه صاحب مكتبة “جدل” علي معتوق الحرز “لم يكن رحيل قامة ثقافية كبيرة كرحيل الصديق حبيب عبدالكريم المرهون، عن دنيانا إلا بالأمر الجلل، خاصةً للمقربين إليه أو الذين اقتربوا منه، لقد ربطتني بالراحل صداقة متينة لأكثر من أربعين عاماً، بحكم الجيرة، وبحكم التقارب الثقافي بيني وبينه”.
يضيف الحرز “تعودنا منذ ما يزيد على الأربعين عاماً أن نذهب سوياً إلى شغفنا المشترك أسبوعياً، زيارة المكتبات التجارية في المنطقة الشرقية، أو معارض الكتب التي تقام في المنطقة، كان كل لقاء أو رحلة هو بمثابة نقاش ثقافي، وفي آخر الرحلة يرجع كل منا محملاً بالكثير من عناوين الكتب، وكذلك من نشاطنا الأسبوعي هو حضور الديوانيات ذات الصبغة الثقافية يكون فيها الركيزة الثقافية أثناء النقاش، لما يمتلكه من مخزون ثقافي، سواء كان في التراث أو في الحداثة، فهو خبيرٌ في اللغة نحواً وصرفاً، حِفّيظٌ للأدب العربي قديمه وحديثه، له باع طويل في المنطق والفلسفة، وإن تحدث فهو في حديثه أقرب إلى الفصحى منه إلى العامية، ينساب في حديثه الاستشهاد بالشعر وسائر الأمثال أو مقولات الفلاسفة.”
رحمة الله عليه
عرفته منذ أكثر من 30 عاما
كان متيما وحريصا على الاطلاع على كل ما هو جديد في عالم الكثب.. كان يتردد على مكتبتنا بشكل دوري يكاد أن يكون أسبوعيا
كان موسوعي المعرفة محترما في طرح أفكاره واسع الصدر بشوشا.. طيب القلب
رحمه الله وحشره مع محمد وآله