عبدالغني السنان.. خبير العمل الدّوْلي.. والعقل المشارك في تشريع التأمينات فقد أمه وليداً وأعدّه والده للتجارة.. فشقّ طريقه بنفسه من الظهران
القطيف: ليلى العوامي
أحد رجالات القطيف الذين مرّوا وتركوا آثاراً في حياة أجيال متعاقبة، بدأت سيرته بيُتمٍ بفقد والدته وهو رضيع، واختُتمتْ بوصوله إلى موقع أحد خبراء العمل الدوليين، والمؤثرين في التشريعات العُمّالية السعودية، وكان يمكن لحياته أن تسير بشكل نمطي كتاجر أو موظف مغمور. إلا أن الأقدار شاءت أن يتعين في شركة الزيت العربية التي كانت عصب تطور الحياة ونمائها في وطننا، وأثناء رحلته الطويلة فيها تقلد مناصب عليا؛ ليصبح من جيل الرّواد السعوديين الذين اسهمو في تأسيس النهضة التنموية.
وبعيداً عن الألقاب والصفات؛ فإن “عبدالغني السنان؛ اسمٌ استقرَّ في وجدان سكان القطيف والمملكة، وما زال مجتمعه يذكره بسيرةٍ لها طابع خاص.
يتيم الأيام الأولى
اسمه الرباعي هو عبدالغني بن أحمد حسين السنان، ووالدته هي بيبي بنت حسن علي أبو السعود. وُلد في قلعة القطيف. قضى أوَّل أعوام حياته في كنف خاله علي بن حسن أبو السعود، وهو أحد رجالات القطيف المؤثرين، وقد كان له أثر كبير في نشأته.
بدأ تعليمه في الكتاتيب حتى انتقل إلى البحرين مع جده الحاج حسين بن محمد السنان – وهو من أثرياء القطيف – حيث التحق بالتعليم النظامي، وأتمَّ المرحلة الابتدائية. وقد مكَّنه ذلك من اكتساب اللغة الإنجليزية، وبقي في البحرين إلى أن توفّي جده هناك عام 1941.
والد مُثقف
كان والده أحمد حسين السنان من طليعة الشباب المثقّف. ومن أوائل المشتركين في الصحف والمجلَّات التي لم تكن دارجة وقتها في المنطقة. فقد كان مشتركًا في مجلتي “المقتطف” و “الهلال” المصريَّتين اللتين كانتا من أفضل المجلات الفكرية والثقافية في الفترة ما بين الحربين العالميتين في جميع أرجاء العالم العربي. وكذلك كان مشتركًا في مجلة “العرفان” التي كان يصدرها الشيخ أحمد عارف الزين من لبنان.
وأثناء وجوده في البحرين شارك مع الشباب المثقَّف هناك في تأسيس نادي العروبة عام 1939، المعروف بأنه أول مؤسسة اجتماعية ثقافية في البحرين.
بعد استقرار العائلة في القطيف، أصبح منزل الحاج أحمد السنان أشبه بنادٍ أدبي ارتاده كثيرٌ من مثقفي الأربعينيات الميلادية. وعندما استفحلت الحرب العالمية الثانية عام 1942م، وأخذ الناس يهتمون بأخبارها؛ لم يكن حينها في القطيف أي وسيلة إعلامية. فاستورد أول جهاز راديو (ماركة فيلبس) لمتابعة الأخبار من خلال إذاعة برلين القسم العربي.
وقد كان الحاج أحمد السنان يمتاز بثقافة التدوين، ضمن اهتمامه بالحسابات المتعلقة بأوقاف ونخيل الأسرة. ومن هنا يتّضح أن صاحب السيرة ـ أبا عادل ـ نشأ في كنف والد مُثقف ومُطلع وكذلك كان خاله صاحب الصيت البارز علي حسن أبو السعود.
بداية الحياة العملية
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية افتتح الحاج أحمد السنان محلًّا لبيع مستلزمات التموين والأغذية، وأوكل إلى ابنه الشاب “عبدالغني” العمل فيه وإدارته، إلا أنه لم يستمر فيه سوى سنتين.
شركة الزيت العربية الأمريكية
حصل على فرصة للالتحاق في شركة الزيت العربية الأمريكية عام 1948م، وحينها لم يرق لوالده أن يعمل ابنه لدى الأجنبي -وذلك لغناهم عن العمل الوظيفي- ولكنّه وافق بعدها.
ولكون الشاب النابه “عبدالغني” متعّلمًا ومُلمًّا باللغة الإنجليزية؛ فقد عُيّن في إدارة خدمة الأحياء.
وفي عام 1950 ألحقته الشركة بدورة دراسية في الجامعة الأمريكية في بيروت. وبعد عودته عُيِّن رئيساً للمخازن في منتصف الخمسينات. كما عمل مُعلمًّا للغة العربية للأجانب في الفترة المسائية. وهذا ما مكّنه من بناء علاقات قوية مع الإدارة الأمريكية العليا في الشركة حينها.
في المرحلة نفسها، تزوج من ابنة خاله الحاجة لؤلؤ بنت علي حسن أبو السعود عام 1954م. وعاشا في منزل العائلة في قلعة القطيف حتى عام 1960م، حيث انتقل مع أسرته إلى “كامب الظهران” التابع لشركة أرامكو، وقد تمت ترقيته في العام نفسه إلى منصب ضمن كبار الموظفين، وعُين محلّلًا للوظائف في دائرة العلاقات الصناعية.
في باب الساب
ثم عاد مع عائلته إلى القطيف، وسكن في منزله الجديد في حي باب الساب عام 1963م. وقد بلغ مبلغاً اجتماعياً جعله من وجهاء القطيف البارزين، وقد استقبل في منزله شخصيات اجتماعية من داخل القطيف وخارجها من ضمنهم وزير العمل السابق عبدالرحمن أبا الخيل.
وقد كان منزله مقصدًا أسبوعيًّا لذوي الحاجات المختلفة، وقد تميز الراحل بأن كل من قصده طالبا حاجة أو عنده مشكلة ـ مهما كانت ـ فإنه يجد الحل عند “أبي عادل”، إلا أن يشاء الله. ولذلك كان له أثر إيجابي في حياة المئات من طالبي التزكيات في الحصول على العمل في شركة أرامكو أو أي مساعدة.
بعثة جديدة
في عام 1967، ابتُعث من قبل أرامكو إلى نيويورك لحضور دورة تدريبية في كلية التأمين. وعند عودته عُيِّن رئيسًا عامًّا للتعويضات الصناعية. وتمَّ ترشيحه بعدها من قبل وزير العمل ليكون عضوًا في المجلس التأسيسي لنظام التأمينات الاجتماعية، وبذلك يُعدّ من المؤسسين لنظام التأمينات الاجتماعية في المملكة. وقد استضافه تلفزيون الدمام في ذلك الوقت لشرح النظام الذي لم يكن مألوفًا لدى الكثير حينها.
وفي عام 1973 حضر دورة المدراء التنفيذيين في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية.
عودة إلى الظهران
في منتصف السبعينيات عاد مع عائلته إلى سكن كامب الظهران؛ بعد تزايد مسؤولياته العملية، وكثرة الأعباء الإدارية التي تطلّبت قربه من العمل. وقد مثَّل المملكة حينها لأكثر من خمس عشرة سنة في مؤتمر العمل السنوي في جنيف بسويسرا لدى منظمة العمل الدولية، فضلاً عن المؤتمرات التابعة لجامعة الدول العربية، الى جانب كونه عضوًا مؤسسًا لنظام التأمينات الاجتماعية، وقد استمر بهذا حتى تقاعده عام 1990م، وهو في منصب مدير إدارة التأمينات الاجتماعية وعلاقات العمل.
إلى التقاعد
بعد تقاعده؛ عاد إلى مسقط رأسه مجدداً، وفتح مجلسه للزوَّار وطالبي الحاجات المختلفة في كلّ مساء.
واصل حياته رجل مجتمعٍ مرموقاً، محترماً في وطنه وأهله، وزملائه حتى بعد تقاعده. كانت شخصية الأستاذ عبدالغني تمتاز بقبول وكاريزما غير عادية. وقد كان كذلك يحمل هموم مجتمعه، وتبيَّن ذلك من خلال رسائله الموجهة إلى الجمعيات الخيرية وهي تقترح إنشاء دار للعجزة وبنك الدم في وقت كانت فيه مثل هذه المرافق غير منتشرة في بلادنا، وهذا ما يؤكد انفتاحه على التجارب الإيجابية في الخارج وحبه لوطنه.
رحيل الكبار
انتقل إلى جوار ربّه بعد مرض عضال في مستشفى أرامكو مساء الثلاثاء بتاريخ 9 جمادى الآخر 1430 الموافق 2 يونيو 2009م.
كان موته حدثاً كبيراً، حيث ضاقت المقبرة بحشود مُشيعيْ جنازته، وحضر مجلس عزائه جمع غفير من الناس ومن الشخصيات الاجتماعية من داخل وخارج المنطقة.
كما أقيم له حفل تأبين في أربعين رحيله، وشارك فيه شخصيات وطنية ومحلية، من ضمنهم كلمة بالنيابة عن المهندس عبدالعزيز الحقيل الرئيس العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية حينها، وكلمة بالنيابة عن سليمان الحميد محافظ التأمينات الاجتماعية، فضلاً عن أدباء ومثقفين وشخصيات اجتماعية من القطيف.
أولاد
أنجب الراحل عبدالغني السنان خمسة أولاد:
- الدكتورة نوال: أوّل مُبتعثة وأول طبيبة (عامة) من القطيف.
- الدكتورة أحلام: طبيبة عيون.
- الأستاذ عادل.
- الأستاذة هناء.
- الدكتور مازن.
رحمك الله يا ابا عادل
سيضل عطائك ممتداً حتى بعد وفاتك
فرحمك الله و تغمد الله روحك الجنة و حشرك الله مع المصطفى محمد و اله الطيبين الطاهرين
رحم الله الفقيد ابا عادل رحمة الأبرار واسكنه الله الفسيح من جنانك بحق محمد وال محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بما اني كنت مقربه شخصيا من المرحوم عبد الغني السنان وكنا أنا واخوتي بمثابة اولاده فهو بمنزلة والدي
هو ليس فقط شخصيه عقلانيه وليس فقط ترك اثر في وطنه كواحد من اكثر الرجال الوطنيين وترك اثر في النهضه التنموية بل هو شخصية حنونه ورحيمه بالناس ولم يتواني في مساعده اي فرد من المجتمع طرق بابه
رحمة الله عليك ياعمي رحمة الأبرار واسكنك وسيع جناته مع المصطفى محمد واله الأطهار