الثانوية الثامنة.. الهلع.. وما أدراك ما الهلع..!

حبيب محمود

على مدى ربع قرن؛ تعاملت مع عشرات الأخبار المعنية بحوادث المدارس الطارئة، على مستوى المملكة. وبعد كلّ هذه التجربة؛ أستطيع أن أزعم بأنني عارفٌ بهذه النوعية من الحوادث. وخلاصة معرفتي تُشير إلى أن “الهلع” هو الجامعُ بينها جميعها. وأستطيع أن أزعم ـ أيضاً ـ بأن حوادث المدارس، حتى البسيط منها، ما زال مادة ثمينة إعلامياً. وأن الإعلام المحلّي نجح كثيراً في التأثير ليس في الرأي العام فحسب، بل حتى في صناعة القرار.

ولو عدنا خمسة عشر عاماً إلى الوراء؛ لوجدنا أن من أبعد الممكنات إخلاء مدرسة بنات، أو السماح لأيّ كائن ذكوري بدخول مدرسة بنات، حتى لإنقاذ أحدٍ من الطالبات أو المعلمات. هذا الوضع تغيّر تماماً، وصارت مضامين السلامة مقدّمة على المؤاخذات المتشدّدة. ولا أتذكّر حادثة مدرسة خلّفت ضحايا أو إصابات، باستثناء الحريق الهائل الذي وقع في المدرسة الثانية والثلاثين في مكة المكرمة قبل أكثر من عشرين سنة.

معايير السلامة ارتقت كثيراً، إعداد الطالبات وكوادر التعليم لخطط الإخلاء تطوّر، أنظمة الإنذار تعمل بشكل آمن جداً. لا يعني ذلك أن كل مدارسنا نموذجية؛ إلا أنها ـ والله الحمد ـ ليست مصادر خطر جدّية، على الأقلّ في ضوء ما حدث.

مع ذلك؛ مازالت حتى الحوادث البسيطة تُثير الهلع، ثم يتدحرج هذا الهلعُ ليستحيل تماسٌّ كهربائي، أو شرارة، أو جرس إنذار، حدثاً كبيراً يستوعب المعلومات الصحيحة والمشوّهة والمهوَّلة معاً.

الحادث صغير بحجم شرارة؛ في حين إن الهلع هائل بحجم مدينة كاملة، أو مجتمع بأكمله. فأين تكمن المشكلة..؟!

في تصوّري المتواضع؛ للمشكلة قوسان:

القوس الأيمن؛ داخل المنشأة. وهو يخص ما يُمكن تسميته بـ “إدارة الهلَع” وقت وقوع الحادث. كلُّ إدارة مدرسة لديها حسٌّ مسؤولٌ بالتأكيد. لن يُرضيها ـ مطلَقاً ـ أن يحدث سوءٌ لأي أحد ضمن حرم المدرسة ولا خارجها. وقد تطمئنّ الإدارة إلى نهاية المشكلة، أو محدوديتها. إلا أنها قد لا تنجح في إيصال هذه الطمأنينة إلى الطالبات في الوقت المناسب. هنا؛ تخرج الأمور عن السيطرة، تنتقل عدوى الهلع من طالبة إلى أخرى سريعاً.

الهلع ـ في مثل هذه الحالة ـ مردُّه اختفاء المعلومة الدقيقة، وانتشار المعلومة المشوّهة، في وسط الطالبات.

في حالة الثانوية الثامنة أمس؛ انطلق جرس الإنذار، وانقطعت الكهرباء. هاتان المعلومتان كانتا كافيتين لنشر معلومة سلبية تخص السلامة، على الرغم من أن المشكلة محدودة جداً. لا خطرَ جدّياً، ولا أحدَ تحت تهديد. لكنّ “إدارة الهلع” لم تكن بموازاة الارتباك الذي حدث في وسط الطالبات.

أما القوس الأيسر الآخر؛ فهو متصل بخارج المدرسة. فالارتباك الذي يحدث داخل المبنى يتسرّب إلى خارجها في المحيط الاجتماعي، على نحو أكثر تشوُّهاً. ارتباك 600 طالبة ينتقل إلى 6000 فرد في المجتمع. وتتدحرج المعلومات الدقيقة مخلوطة بمعلومات مشوّهة، جرّاء التناقل العفوي والاعتباطي والانفعاليّ، فيجد المجتمع نفسه متعاملاً مع حدث كبيرٍ، وتتسلّل اتهامات بالتقصير وتنتشر إشاراتٌ وإيماءات وإيحاءات ملفوفةً بذعرٍ مُتوقَّع.

“إدارة الهلع” هي القادرة على تطويق أي حدث من هذا النوع. من حق الطالبات أن ينلن الطمأنينة داخل المدرسة. ومن حق المجتمع أن يعرف ما حدث على نحو سريعٍ، حتى لا تحتلّ الشائعة مكان المعلومة المشوّهة.

وبما أننا في عصر التواصل الاجتماعي؛ فما الذي يمنع أن تؤسس كل مدرسة “برودكاست” خاصٍّ بها. بل ما الذي يمنع إدارة مكتب التعليم ذاتها عن استعمال “برودكاست” لأخبارها وبياناتها في مثل هذه الحالات…؟

كلّما تأخرت المعلومة الدقيقة من مصدرها؛ أفسحت الشائعة والمعلومة المشوّهة لنفسها طريقاً أسرع إلى الناس.

تعليق واحد

  1. ربما هناك تقصير من ادارات المدارس بعدم تنفيد تدريب عملي لعملية الاخلاء Dry run كل ٣ اشهر على الاقل وبذلك يتعودن الطالبات على الاخلاء بهدوء عند سماع صافرة الانذار ويعرفن مسبقا طرق وبوابات الخروج

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×