شاهد] أبو سيبويه.. ولد أثناء الحرب العالمية.. وعاش 83 سنة 6 في 1 من النجف جاءت الكُنية.. وانتهت في أحوال القطيف.. والمتحف بدأ بطابع بريد
شاهد الفيديو
إعداد: زينب العرفات، فاطمة آل محمود
تحرير: أمل سعيد
أبو سيبويه.. أبو أحمد.. أبو زهراء، كلها كنايات للخطيب الملّا محمد علي بن الملا حسن آل ناصر.. الوجه المعروف في القديح، المألوف في القطيف، الذي يميّزه جامعو التحف في المنطقة الشرقية السعودية. ثمانيني وُلد والحرب العالمية قائمة، سنة 1362هـ، 1941م.. وعاش 83 سنة؛ بانياً سيرته الذاتية من 6 اهتمامات متداخلة..
خطيب.. معلّم قرآن.. شاعر.. مؤلف.. وموظف.. وجامع تحف. وما جمع كلّ هذا الشتات هو ذلك الشغف الملتزم الدقيق الحريص الحاذق الصًّبور المتأنّيْ في انتقاء أشيائه واختيار ما يسعى إليه ببراعة المستقصي.. لذلك؛ وحين زارته “صُبرة” في بيته؛ تناثرت أمامها التفاصيل الكثيرة الكثيرة، من تجميع أشياء ترتّبت في بيته الواقع على زاويةٍ من أحد شوارع القديح..!
و..
بين أن تنصت لصوته وهو يحكي سيرة الأشياء وبين استراق النظر لقطع يكاد بعضها أن يقول “هيت لك” مساحة من التشتيت والرغبة. فلا هو يعرف أنك أسير النظرة السابقة، فيصمت حتى يرتد إليك طرفك، ولا هي تكف عن تحريك فضولك.
وفي ملحمة مكونة من مئات التحف القديمة، إن لم يكن آلافها، عليك أن تكون صارماً أمام الدهشات المتلاحقة، فالوقت ينساب والتفاصيل التي ترغب باكتنازها في الذاكرة تستحق أكثر من مجرد زيارة.
متحف في بيت
أو متحف يسكن بيتاً، فقد حول “أبو سيبويه” بيته المكون من دورين وملحق إلى متحف تتجاور فيه آلاف القطع. يعود تأريخ بعضها إلى قرون بعيدة عنا، وكأنها انتزعت من ذاكرة الأجداد أو من أحلام آباءهم..
استقبلنا المضيف في مجلس لا تتجاوز مساحته 9 أمتار مربعة، وهنا كانت أولى رسائل الدهشة، فرغم صغر المساحة إلا أن ترتيب الأشياء جعل المجلس يتسع للكثير من التفاصيل والحكايات. هناك الساعات التي تجاوز عددها الـ 30، ومعظمها ينتمي إلى “الفلل” الكبيرة والقصور الفخمة، اصطفت بجوار بعضها بعضاً وكأنها عارضات أنيقات يقفن على ممر الجمال في استعراض لافت للطبقة الأرستقراطية في بدايات القرن العشرين.
وقريباً منها تتوزع أشكال من الرحى التي طالما استعملتها الكادحات حتى تقرحت أيديهن، وأنت بين ذي وذي تتنقل من طبقة لأخرى ومن عالم إلى عالم آخر لا يشبهه، وكل ما يلزمك لتعيش التفاصيل.. وقتٌ فضفاض يتسع لحيوات أخرى، وأن تُسكت صوت الزمن الذي أنت فيه.
بداية الشغف
كمعظم الطلاب في ذلك الوقت، أي قبل ما يزيد على 60 سنة، كان الناصر مولعاً بجمع الطوابع، وتشارك هذه الهواية مع زملائه في المدرسة وعن ذلك يقول “في عمر 17 سنة ابتدأت بجمع الطوابع أنا وبعض من زملاء الدراسة، ثم أضفنا لها هواية أخرى تشبهها وهي جمع النقود”.
ويكمل “بعد مدة افترق الطلاب كل إلى سبيله، واختلفت توجهاتنا واهتماماتنا، فبعضهم ترك الهواية، وبعضهم اعتنى بها ونمّاها، وأنا كنت مِن بين مَن عمل على تطويرها. فاتجهت إلى جمع التراث بكل أنواعه، ومع الوقت تحولت الهواية إلى شغف”. يضيف الناصر “كانت البداية مع المصحف الشريف، فكنت نهماً في جمع المخطوط منه والمطبوع، حتى تكونت عندي مجموعة لا بأس بها، 40 مصحفاً مخطوطاً، و25 مطبوعاً”، يضيف بزهو “عمر بعض المخطوط منها 400 سنة، وعندي مخطوط بعمر 350 سنة، كما أني أملك مخطوطاً حديثاً بعمر السنتين، وواقع الأمر أني لم أقم بإعداد فهرس لها، لذا لا أستطيع ضبط تواريخها بدقة”.
الساعات والأحجار الكريمة
يتكون متحف “أبو سيبويه” من غرفة في الدور الأرضي وكامل الدور الأول المكوّن من 5 غرف، إضافة إلى ملحق في الدول الثاني. وفي تجوالك وسط كل هذه الغرف ستجد أن الساعات بمختلف أنواعها تنتشر في كل مكان فيها، وكأنها المكون الرئيس للمتحف، فهناك (الواقفة، والجدراية، وساعة الجيب واليد والسرير وحتى الساعة الرملية)، كما لن تخطئ عيناك تناثر الأحجار الكريمة وشبه الكريمة في العقود والأساور والخواتم.
وعن ذلك يقول الناصر “بعد مخطوطات القرآن الكريم استحوذت الأحجار الكريمة على اهتمامي، فصرت أبحث عنها وأستقصي أخبارها، ولدي اليوم مجموعة كبيرة من النوع الثمين والنادر، بالإضافة إلى أنواع أخرى من التراث مثل الأواني المعدنية والفخار والمرشات والقوارير الزجاجية والأباريق المعدنية والقناديل المعلقة، والمرايا، وأدوات الزينة، والكتب القديمة والمخطوطات والأبواب القديمة المصنوعة في القطيف، ويعود بعضها إلى أكثر من قرنين”.
جامع التحف
فرق كبير بين أن تكون مشتغلاً بالتراث للتكسب وأن تشتغل به لتقتني تحفه وتتبنى العناية بها، وهذا هو حال الناصر مع تحفه، ويؤكد أن “قسماً كبيراً من جامعي التراث متكسبون هدفهم الربح من كل قطعة يتحصلون عليها، وقليل منهم من يبحث عن القطع كي يقتنيها، ومن الصنف الأول يحصل الآخر على مقتنياته الثمينة”.
يكمل “أما بالنسبة لمقتنياتي الأثرية فقد جمعتها من أماكن متعددة، وقبل أكثر من 35 سنة كانت هناك متاحف عديدة، سواء في مدينة الدمام أو الخبر، كما أن أكثر المتاحف الشخصية المنتشرة يشترون التحف لبيعها، ومن هؤلاء حصلت على الكثير من التحف الأثرية، وبذلت مقابل ذلك الكثير من الجهد والوقت، والكثير الكثير من المال”.
يضحك الناصر ويضيف “لذا فقد كنت أكرر دائما أن صاحب التراث قد يكون في النهار مليء الجيب فإذا جاء عليه الليل وجد جيبه خالياً، وذلك لأنه إن تعلق بشيء خشي أن يذهب إلى غيره، لذلك يبذل الغالي والنفيس كي يحصل عليه”.
القديح في عيون الناصر
لجامع التحف وجوه أخرى يقترب بعضها من بعض حد التداخل، فهو الشاعر والأديب والمؤلف والخطيب.. وعن تلك الوجوه يقول “أُحبّني شاعراً وأديباً ومؤلفاً وخطيباً، كما أحب جمع التحف، وفي كلها أمارس ما أحب، وجميعها الأقرب إلى قلبي، فأنا إن كرهت شيئاً استبعدته”.
وكان للمؤلف المولود في بلدة القديح أثره، ومن نتاجه عدة مؤلفات مخطوطة تتحدث عن البلدة، أرضها وإنسانها وتاريخها، ومن تلك المؤلفات:
* تاريخ القديح
* أعلام القديح
* الأمثال العامية والكنايات في القديح
* الأدب الشعبي في القديح
بالإضافة إلى ما سبق يقول الناصر ” كتبت أرجوزة قمت بشرحها تتحدث عن تاريخ القديح، وهي تختلف عن الأرجوزة التي أسميتها بالأرجوزة القديحية”.
أبو سيبويه
للملا محمد آل ناصر كنية اشتهر وتفرد بها إلى حد أنها أخفت اسمه وكنيته الحقيقية، فمتى ما ذُكرتْ ذهب الذهن إليه تلقاءً، وعن شهرته بها يقول “درست في العراق مدة من الزمن، وهناك كنت أتردد على بعض المشايخ الذين ربطتني بهم علاقة طيبة، وكان اسم سيبويه شائعاً بينهم، وعندما سمعت الاسم أعجبني فقررت أن أتخذه اسما لابني الأول، وهكذا كان، فأثبته رسميا، وكبر ولدي وهو سيبويه، لكنه أصبح يتضايق من الاسم لأن العوام من الناس لا يلفظون الاسم جيداً، فينطقونه سيباويه، وبعضهم ينطقه شيئاً آخر ،فأخبرني بأنه يريد تغييره، وتم ذلك واستبداله باسم هو أفضل من كل الأسماء “أحمد”.
يضيف الناصر “كما أني كنت أُعرَف سابقًا بأبي زهراء، واليوم كثير من الناس يعرفني بأبي سيبويه، وبعضهم يناديني بأبي زهراء وأبي أحمد وأنا أجيبهم، ولا ضير في ذلك”.
معلموه
تلقى الناصر تعليمه الأولي على يد والده الملا حسن الناصر، فحفظ عنده القرآن الكريم ومقدمة في المنبر الحسيني، ثم درس فن الخطابة علي أيدي كل من السيد جعفر الخضراوي والشيخ محمد حسن المرهون، وأخذ علوم النحو من الخطيب الملا علي الطويل، كما درس الفقه في القطيف على يد الشيخ عبدالحميد الخطي رحمه الله، والشيخ عبدالله الخنيزي.
أما بالنسبة لدراسته في النجف الأشرف فقد استغرقت 3 سنوات، تعلم فيها الفقه عند كل من: السيد حسن والسيد هاشم أبناء السيد جمال الهاشم، والشيخ سلمان المدني، والأخير درسه علم البلاغة. كما درس علم الأصول على يد الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي، رحمه الله.