بالرقص والغناء.. مسوخ وسائل التواصل يحررون القدس
متابعة: صُبرة
فتح “الانفجار الرقمي”، والارتفاع المتزايد لمستعملي الإنترنت، والبحث الدؤوب لتحقيق أعلى نسب للمشاهدة والنقر، من خلال السعي وراء الإثارة “الحصرية” والفرجة الجماعية، وبالتالي تحصيل أكبر ربح مادي، الباب أمام المواقع الإلكترونية لتقديم بضاعتها التي تحقق لها هذا المراد دون أدنى تقييم فني أو بحث عن الأثر الإيجابي الناتج، ضاربة عرض الحائط بضوابط ووظائف الرسالة الإعلامية وأهدافها.
وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ـ على سبيل المثال برامج (التيك توك، واليوتيوب، وكييك، وسناب شات، وإنستغرام)، وغيرها الكثير ـ عوالم جاذبة لأغلب المتصفحين ـ على مستوى جميع الأعمارـ، وباتت أماكنهم الأكثر أريحية واستقطابا، يتهافت عليها الجميع لكسر جمود الحياة اليومية وصراع لقمة العيش المضني، ولذلك فقد تم الترويج لهذه المواقع بسهولة وبساطة مستغلين بذلك أسلوب الحياة العصرية السريعة.
ومن يتابع هذه المواقع سيرى بعينة وبكل وضوح كمية الترهلات والأعمال السخيفة والفارغة والتافهة المنافية للاداب والاتقاليد والاعرأف الإجتماعية لبعض الشباب من الشواذ وهم يستهزئون من القضية الفلسطينية، بالرقص والخلاعة ويؤكدون من خلال أغانيهم وحركاتهم إنهم ذاهبون لتحرير القدس الشريف عبر رقصات ماجنة وماسخة، والعجيب والغريب انه يتم نشر آلاف بل ملايين من تلك الفيديوهات والعروض الترفيهية المنوعة والتي تستهدف في أغلبها الجيل الجديد، جيل الرقميات والحداثة التكنولوجية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية.
بل أصبحت هذه المواقع “تبدع” في كل مرة وتتفوق على نفسها في إنتاج مواد “إعلامية أو ترفيهية” صادمة، بالنظر إلى حجم التفاهة والعبث الذي تذهب إليه وفي أحايين أخرى الحضيض الذي تنزل إليه، دونما أي انشغال بالقضايا الحقيقية التي تهم حياة المواطنين في العالم.
واستغلالا لرغبات المتابعين لهذه المواقع في البحث عن الجديد والغريب، ونتيجة لهذا التهافت الملفت لمتابعة كل ما هو غير مألوف واعتيادي، أصبح تسخيف المحتوى الإعلامي على تلك المنصات أشبه بضرورة ملحة وكلمة السر لنجاحها يراها القائم على صناعتها لتلقي الاهتمام المناسب والكافي، خاصة بعد تسلل الشواذ إلى المشهد.
ومن أكبر مساوئ متابعة هذه الحسابات أن أغلب من يتابعها أو يشاهد تلك الفيديوهات المنشورة فيها، والتي تسفر عن سطحية مفرطة، يشعر بالامتلاء والتشبع من الأخبار الهامشية والفقيرة، ويصبح نتيجة ذلك غير مستعد لمتابعة أخبار مصيرية مهمة وأحداث حيوية تناقش حياته وأحوال بلاده، بمعنى أنها تحول متابعها إلى إنسان مهمش يعيش خارج واقعه، وينشغل عن مهمات حياته.
إن تسطيح الفكر وتهميش العلم والجد والعمل، من آثار هذا الاستغراق، فالمشكلة أكبر من مجرد اختراق إعلامي أو مخالفة لأخلاقيات المهنة، إنها أكبر من ذلك في الواقع، فالعلماء والمفكرون والأطباء وأصحاب المواقع الجادة، سواء على تويتر أو الانستجرام أو سناب شات مثلا، تجد من يتابعهم ـ ليستفيد من أفكارهم وآرائهم وعلمهم ـ قلة قليلة، في الوقت الذي تجد متابعي “مروجي التفاهات” بعشرات الآلاف وربما مئات الآلاف، وهو مؤشر غير إيجابي على الإطلاق.
وواحدة أخرى خطيرة من عواقب متابعة هذه المواقع المفتوحة بلا قيود، أنها أصبحت وسيلة للإغراء والإفساد، ومحلا لاستعراض الأجساد، ومرتعا للدعوة للفواحش ونشر الفجور، وهذا ما نشاهده حقيقة، عري فج، وممارسات لا أخلاقية تمارس وتشجع عليها بحجة “الحرية الشخصية”، ولكنها تضرب في الصميم في أخلاقيات المجتمعات المسلمة وتهدم كل المبادئ والقيم للمجتمعات المحافظة.