شخصية حميد بن مسلم الأزدي الكوفي [4]

ما مدى وثاقة حميد بن مسلم؟

ما يذكره علماء الرجال الإماميون حول شخصية حميد بن مسلم أنه «راوٍ مجهول»، ويعدّونه من أصحاب الإمام السجّاد (ع)، وذلك اعتمادًا على ما ذكره الشيخ الطوسي في رجاله، ص 112، عندما أورده ضمن قائمة أصحاب الإمام علي بن الحسين (ع). يقول الشيخ المامقاني في تنقيح المقال، ج1/ 380: «حميد بن مسلم الكوفي: لم أقف فيه إلَّا على عدّ الشيخ [الطوسي] (ره) إيَّاه في رجاله من أصحاب السجّاد (ع)، وظاهره كونه إماميًّا، إلَّا أن حاله مجهول». ويؤيّده الشيخ علي النمازي في مستدركات علم رجال الحديث، ج3/ 289، إذ يقول: «حميد بن مسلم الكوفي: عُدَّ من مجاهيل أصحاب السجّاد (ع)، وهو ناقل جملةٍ من قضايا كربلاء على نحو يظهر منه أنه كان في وقعة الطفّ».

وَعَدُّ الشيخ الطوسي حميدًا بن مسلم من أصحاب الإمام زين العابدين (ع)، وعدم ذكره ضمن أصحاب الإمامين الحسنين (ع) مع معاصرته لهما، كما عاصر الإمام السجّاد (ع)، له احتمالان:

الأول أن حميدًا بن مسلم الكوفي لم يكن على وفاق مع أهل البيت (ع) إلى أن وقعت معركة كربلاء، وإنما كان مصنّفًا ضمن أعدائهم، فلا يصحّ حينها عدّه من أصحاب الإمامين الحسنين (ع). ولكنه، وبعد أن شَهِدَ واقعة كربلاء المؤلمة، لعلّه تأثر بما شاهده، فتقرّب من أهل البيت (ع) وأصبح من أصحاب إمامهم في حينها، وهو الإمام زين العابدين (ع).

وربما حدث ذلك بعد مدّة من الواقعة؛ ولعلّ ذلك بعد مشاركته في حمله رأس الإمام الحسين (ع) إلى عبيد الله بن زياد. ومن يرجّح هذا الاحتمال مجموعة من الرجاليين، منهم الشيخ النمازي الذي يستشهد بانتقالة حميد بن مسلم انطلاقًا من كونه مشاركًا في ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صُرَد، يقول الشيخ النمازي في مستدركات علم رجال الحديث، ج3/ 289: «وكان مع جند سليمان بن صرد من طرف المختار في مقتل عين الوردة في حرب أهل الشام لطلب ثأر الحسين (ع)».

الثاني أن حميدًا بن مسلم اسم لشخصين، أحدهما كان معدودًا من أتباع الأمويين، وهو مَنْ شارك في جيش عمر بن سعد في معركة كربلاء، وروى أحداثها، ونقلتها المصادر التاريخية، وهو من تتبّعه المختار الثقفي ليقتله لكونه من محاربي الإمام الحسين (ع) المشاركين في جيش عمر بن سعد، ولمشاركته في حمل الرأس الشريف. وهذه الشخصية لم يترجمها الشيخ الطوسي في رجاله.

والشخص الثاني: كان معدودًا من أتباع أهل البيت (ع) الإماميين، وهو مَنْ شارك في ثورة التوابين، وعدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام السجّاد (ع)، وهو شخصية لم تعاصر الإمامين الحسنين (ع) أو أنه عاصرهما ولم يصحبهما كما صاحب الإمام السجّاد (ع). ويعدّ شخصيةً مجهولة.

والأقرب أن حميدًا بن مسلم الكوفي شخصان، وممّن يرى هذا الرأي: الشيخ عبد الحسين شرف الدين (ره) في كتابه المجالس الفاخرة، إذ يحتمل، في هامش الصفحة 164: «أن يكون أكثر من شخص بهذا الاسم، فأحدهما: كان في وقعة الطف ونقل بعض الوقائع وأرسل عمر بن سعد رأس الحسين معه ومع جماعة إلى عبيد الله بن زياد، مما يدل على أنه كان من أعوان عمر بن سعد. والثاني: إمامي من أصحاب الإمام السجاد ومن جند سليمان بن صرد».

وقد رجّح هذا الرأي أيضًا، الشيخ فارس الحسّون، إذ يقول في هامش كتاب الملهوف لابن طاووس ١٨٩: «أحتمل تعدّد حميد بن مسلم: أحدهما: كان في واقعة الطف، ونقل بعض الوقائع وأرسل عمر بن سعد رأس الحسين معه ومع جماعة إلى عبيد الله بن زياد، مما يدلّ على أنه كان من أعوان عمر بن سعد. والثاني: إمامي من أصحاب الإمام السجّاد ومن جند سليمان بن صرد»(14).

وبناءً على هذا الاحتمال فيعد حميد بن مسلم الذي ذكره الشيخ الطوسي من أنه من أصحاب الإمام زين العابدين (ع) مغاير لشخصية حميد بن مسلم الحاضرة في كربلاء.

وانطلاقًا مما ذكرناه يترجّح اختلاف الشخصيتين، ما يجعل تقييم مرويات حميد بن مسلم ووثاقته تنطلق من منطلقات أخرى، إذ يترجّح انطلاقًا مما يحفّها من مؤيّدات ومعضّدات تدعو إلى قبولها.

معضّدات قبول روايات حميد بن مسلم

(1) تحرّي الدقة فيما يروي:

إن تتبّع مرويات حميد بن مسلم الكربلائية تُظهر تحرّيه الدقة بدرجة عالية في نقل الأحداث، ومن أمثلة ذلك:

– روايته عن مشاركة القاسم بن الحسن (ع)، إذ يقول: «خرج إلينا غلام [القاسم]، كأن وجهه فلقة قمر، في يده السيف، وعليه قميص وإزار، ونعلان قد انقطع شسع أحدهما، ما أنسى أنها اليسرى …». إن إشارته هذه وتحديده أيَّ نعل انقطع شسعها دليل على ما كان يتمتّع به من دقّة في نقل الأحداث، وغالبًا ما يكون هذا النوع من الدقّة مؤشرًا على احتمال صدق الراوي.

– ما رواه من كلمات الإمام الحسين (ع) وأدعيته المؤلمة والمؤثّرة، ومن ذلك ما قاله الإمام الحسين (ع) حين نظر لابن أخيه القاسم وهو يفحص برجليه: «عَزَّ والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، صوتٌ والله كَثُرَ واتره وقلّ ناصره». إن روايته ونقله الحديث كما قيل، مؤشّر إضافي على صدقه في نقل الأحداث الكربلائية، وبخاصّة أن كلماته تلتقي في أسلوبها ونفَسها مع ما يُروى من أدعية أهل البيت (ع).

(2) اعتماد روايته من قبل الثقات عند الرجاليين:

ومما يعضّد وثاقته: الاعتماد على مروياته من قبل ثقات الرواة والاهتمام بكلماته:

– فممّن يروي عنه: أبو مخنف، وهو من كبار الثقات، يقول عنه الشيخ النجاشي في رجاله، ص 321: «شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم، وكان يُسْكَنُ إلى ما يرويه». وقال عنه السيد الخوئي في معجم رجال الحديث، ج15/ 142: «ثقة مسكون إلى روايته». وقال عنه الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب، ج1/ 199: «من أعاظم مؤرّخي الشيعة، ومع اشتهار تشيّعه، اعتمد عليه علماء السُنّة في النقل عنه، كالطبري وابن الأثير وغيرهما».

[يُتبع في الـ 9 من صباح الغد]

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×