البحاري تنعى.. والقديح ترثي.. دمعتان على المعلم العطوف حسين المدن زوجته أبّنته بكلمات وفاء واختصرت سيرة يتيم الأبوين العائل
القطيف: زينب العرفات
بين بلدتين جارتين توزّع الحزن. بلدة البحاري حيث مسقط رأسه، وبلدة القديح حيث أمضى أكثر سنوات عمله. وما تركه المعلم الراحل حسين بن علي بن علي المدن، من سيرة خيرٍ، ضاعف إحساس الفقد، خاصةً أن وطنه كان ينتظره عائداً عبر الإخلاء الطبي، لكنّ أمر الله سبق، وانتقل إلى رحمة الله، عن عمر 53 عاماً فقط.
مساحة المكان والمكانة للرجل امتلأت بموجة من المنشورات والتغريدات في تأبينه، ونعته إدارة مدرسة سلمان الفارسي بالقديح، وكذلك عدد كبير من أهلة وأصدقائه وتلاميذه ومحبيه على صفحات التواصل الاجتماعي التي توشحت بالحزن على فراقه، سائلين الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته.
رحل تاركًا سيرة عطرة وسمعة نيرة ستظل محفورة في الأذهان والوجدان.. مُحدثًا -غيابه- فراغًا كبيرًا في حياة الكثير ممن أحبوه وعرفوه عن كثب.. بعد أن خدم التعليم وكان نموذجاً وطنيًا محبًا صادقًا في تفانيه وإخلاصه وأمانته تجاه رسالته السامية.. هكذا هم الرجال الصادقون (يرحلون) ويبقى أثرهم وذكراهم العطرة حاضرة في الوجدان وراسخة في الأذهان، وهكذا وصفه محبيه واصدقاؤه وزملاؤه على منصات التواصل.
شخصية فريدة
“كنت أتمنى وصوله اليوم لكن زوجي مات”.. بهذه الكلمات الحزينة كتبت فايزة الحماد زوجه المُعلِّم حسين المدن، في صفحتها الشخصية في منصة “إكس” حيث وافته المنية أمس الأحد إحدى مستشفيات الهند، بعد صراع مع المرض. وأضافت: “عندما تزوجته كان يتيم الأب والأم، فكان هو الأم والأب لعائلته، بارًا بعائلته واخوته”.
وأشارت، “زوجي ورفيق حياتي كان شخصية استثنائية وفريدة، كان يهتم بكل شيء، دقيق جدًا في أمور بيته ومن يعيلهم، كان خلال فترة مرضة يوصينى بالصبر، وبأولادنا على وعُلا، فاللهم أجزه عنا خير الجزاء واغفر له وارحمه واجعل ما أصابه من مرض وتعب تكفيراً عنه وتطهيرًا له، وارفع منزلته في الفردوس الأعلى من الجنة، والحمد الله على قضائه وقدره.
حضن ناصح
وكتب رفيق دربه، صادق آل شيف “علاقتي به دامت قرابة ثلاثة عقود بدأت منذ أن كنا نحضر دروساً حوزوية عند الشيخ هاني العبدالله في أم الحمام، وبعد التحاقه بسلك التعليم جمعتنا مدرسة سلمان الفارسي الابتدائية بالقديح، وقويت علاقتنا وقربت، لم تكن علاقة عمل، بل علاقة أخوة وصداقة صادقة وألفة ومحبة.
تشاطرنا هموم الطلاب وشاركنا في أفراحهم ومسراتهم. كان الهدف واحدًا والرؤية واحدة تربية جيل يحب التعليم.
رحمه الله كان متديناً وصاحب صوت شجي، علا المنبر الحسيني خطيباً مفوهاً لمدة من الزمن، لطالما شجعته على مواصلة الخطابة وخدمة العترة.
زرته وتواصلت معه في مرضه الأخير، ووجدته صابراً محتسباً، لسانه لا يكل عن حمد لله والثناء عليه، كان يعلم بوضعه الصحي، إلا أنه لم يحب يعكر علينا صفو عيشنا يستقبلك ويودعك بابتسامة صادقة.
وعرف بدماثة خلقه وحبه وعطفه حتى كان يعرف بين أوساط مدرستنا بالمُعلِّم العطوف والمربي الحنون، كان حضناً دافئاً لطلابه وأخاً ناصحاً لزملائه، لا تفارق الابتسامة محياه والتواضع لباسه والكرم سجيته.
موجهاً لأبنائه بأسلوبه ولسانه العذب كثير السؤال عن طلابه بعد تخرجهم ويدعو لهم بالتوفيق والسداد. رحمه الله رحمة الأبرار وحشره مع محمد وعترته الأطهار.
الأب الحاني
وكتب نبيه الأسود، إن صديقة المُعلِّم حسين المدن، خريج جامعة الملك فيصل بالأحساء تخصص لغة عربية، وقد التحق بمدرسة سلمان الفارسي الابتدائية بالقديح عام ١٤١٩ هجرية.
عرف بالأب الحاني في تعامله مع طلابه وكان يعود إلى منزله مهموماً إن علم أن أحد طلابه حزين أو واقع في مشكلة. كان يشبه نفسه مع طلابه بالدجاجة التي لا تستطيع أن تفارق صغارها لحظة وإلا فسد أمرها..!
كان معلماً متميزاً تخرج على يده أبطال في العلم والأدب، تولى أمر الإذاعة المدرسية فترة طويلة وأظهرها بأبهى حلة وأجمل مظهر، وشهدنا على يديه طلاب الإذاعة لا يحملون أي ورقة بل يؤدون الإذاعة غيباً دون عيب أو نقص.
كان ـ رحمه الله ـ وهو في أول حياته الوظيفية يحمل هم اخته الأرملة وأولادها، وبعد أعوام تحمل شؤون عائلة أخيه المرحوم الشيح مجيد، وكان يساند كل اخٍ له ضعيف الحال ويحمل همه، ومع كل ذلك تراه يبدي البشاشة والمرح ولا يظهر همه لأحد.
“البحاري” حزينة
وكتب عنه السيد حسن المرعي (أبو علوي – بلدة البحاري): هبوط اضطراري لأرض الوطن بجسد أصبح بلا روح، لم تكن تلك الرحلة التي ذهب إليها المعلم الفاضل حسين بن على المدن “رحمة الله” بالسهلة، حيث عانى فيها الكثير والكثير من المتاعب الصحية والصعوبات الكبيرة التي أعدها لرحلة الألم والأوجاع المرضية، وألم مرض العضال الذي لازمه في رحلته الشاقة لتنتهي حياته هناك بالغربة والرجوع إلى أرض الوطن بجسد بلا روح.
هكذا عاش المدن حياته الأخيرة، قبل أن يودعها بألم وحنين وأمل العيش، والرجوع لمسقط رأسه معافى سالمًا، وخالياً من الأوجاع والآلام، ولكن القدر المحتوم أن يكون كذلك، بل كان رحيله وفراقه مؤلماً وجراحات لازمة أهله ومحبيه، وهذا قدر الله عليه وعلينا جميعا بلدة البحاري الجريحة اليوم وهى تفتقد رجل من رجالاتها الأخيار.
فقدك صدع قلوبنا
بينما كتب مهدي العوى.. قائلا: وصلنا نبأ فقدك أيها الأب الرحيم، والصديق الصدوق والأخ الودود، والمعلم الرؤوف المتفاني في عطائك. كنت تحمل على همومك هموم إخوانك المعلمين وهموم مجتمعك وهموم طلابك، تعلمنا منك الكثير والكثير وما زلنا بحاجة لك.
ذهبت إليك وأنت متحسر على ما فعل بك المرض الذي منعك من فعل الخير، وكنت أسأل الله أن يرجعك لأهلك سالمًا معافى، فنحن نفتقر إلى أمثالك ونحتاج لك، فما زال كلامك يرن في مسامعي حيث كنت تعلم بوضعك الصحي، ولم تشأ أن تعكر حالنا بإخبارنا بتفاصيل حالتك، حيث كنت راقداً في المستشفى وأنت كثيراً ما تحمد ربك وتتأسى بسيدك وسيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين.
كأن خبر رحيلك حلمًا وليس حقيقة، ما عسانا نقول سوى أن فقدك صدع قلوبنا، فعليك من الرحمن الرحمة والرضوان، خلف الله عليك بالرحمة والمغفرة والجنان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تركت أثرا جميلا
وكتبت والدة طالب اسمها رقية آل شيخ حسين، لا نملك أمام هالة الموت إلا أن نقول “إنا لله وإنا إليه راجعون”، رحل بالأمس عن عالمنا المربي قبل أن يكون المعلم الأستاذ الفاضل حسين آل مدن، بعد رحله عطاء طويلة بذل فيها قصارى جهده تربية وتعليما ليبقي ذكره في نفوس تلاميذه.
وكان دائمًا يقول أنتم أبنائي قبل أن تكونوا تلاميذي، فلم يبخل يومًا بالتوجيه والإرشاد، والاحتواء والعطف الأبوي، وقد تقاعد مبكرًا بسبب مرضه العام الماضي، ليترك فراغًا في نفوس طلابه، وزملائه المعلمين، كان خير المعلم الخلوق المربي فرحم الله روحا طاهرة تركت أثرا جميلا لن ينسي.
خير مربي ومُعلِّم
ومن تلاميذه الأخوان حيدر وأحمد العرفات.. اللذان فجعهما نبأ رحيل معلمهم الأستاذ حسين آل مدن، وكتبا لا نستطيع الا أن نقول “إنا لله وإنا اليه راجعون” فما زلنا نتذكر أولى الدروس مع استاذنا المربي الفاضل التي لن تمحى من الذاكرة، ولن نستطيع نسيان ابتسامته وحنانه وعطائه على ابنائه في صفوف المدرسة.
مُعلِّم من طراز فريد
وكتب ولي الأمر حسين المطاوعة “الأستاذ حسين آل مدن، من المعلمين الذين لن ننسى أفضالهم، فقد كان خير معلم وخير أب، علّم أولادي كل شيء جميل، وله تأثير كبير وقدوة في كل شيء، لقد فقدنا معلم من طراز فريد.
ويتقدم موقع وصحيفة “صُبرة”، وأسرة التحرير، بخالص التعازي والمواساة لأسرة معلم الأجيال، سائلين الله عز وجل أن يغفر له ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
رحمك الله يا أبوعلي أستاذ حسين رحمة الابرار وحشرك الله مع محمد وآل محـــــمد الطيبين الطاهرين وإنالله و إنا إليه راجعون… فقدنا رجل خدوم للناس ومحب للخير جميل المنظر بإبتسامته وأخلاقه التي تجبرك على محبته وتفخر بصداقته وزمالته طيب الكلمة وصادق النصيحة فعليك رحمة الله الواسعة ومغفرته والأمر والمرجع لله ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم… نعزي انفسنا بفقدك ونعزي أسرته المكلومة برحيلك وعائلته وجميع أحبابه