بين الحلاق وطبيب الأسنان
عبدالله حسين اليوسف
منذ كنت صغيراً وأنا عندي رهبة من الحلاق، خصوصا عندما يقترب الموس من الرقبة وأشاهده يلوّح به في الفضاء، ثم يهوي به على الرقبة كي يجز تلك الشعرات التي نبتت فيها. وكان سبب الخوف هو مشاهدة أفلام الرعب أو الجرائم، وكذلك حين كنا نقرأ بعض المجلات والقصص والروايات التي تذكر تلك الجرائم والمصائب التي تعصف بالبشرية، خصوصا عند الحلاق الذي يجمع القصاصات والجرائد القديمة، ونتزاحم عليها لرؤية الصور وما تحويها من أفكار ومعلومات، وعندما يأتي دورنا في الحلاقة نقدم الآخرين كي ننتهي مما نقرأه أو نتصفحه.
وكنت أرى عند الحلاق على الطاولة الكأس الذي يضع فيه المطهر، وكلما بدأ يغمس موس الحلاقة في الكأس المليء بالبقايا والترسبات وكأنه وكر من الميكروبات، والمرايا التي توضع في الأمام والخلف حيث يخيل لك أن وراءك جيش من أشباهك في انعكاسات المرايا.
عندما درسنا في المعهد الصحي عن الجراثيم والبكتيريا والميكروبات بدأ الصراع مع الحلاقين على تطهير الموس في كأس جديد ومطهر جديد، أو حتى زيادة في الأجرة كي يستعمل موساً جديداً في مطهر جديد كي لا تنتقل لنا الأمراض من الكأس المليء بالميكروبات والبكتيريا، واليوم تغير الحال إلى الموس ذي الاستعمال الواحد، والأدوات التي تعقم بأجهزة خاصة، واستخدام المناديل والأوراق والكيس الذي يوضع على صدرك وكل ذلك من نوع استعمال المرة الواحدة بدل المفرش القديم من القماش البالي المليء بالبقع والشعر والروائح من كثرة الاستخدام، حيث يضعه على صدرك وكأنه يقول: عليك بالصبر إنها مجرد دقائق، وستقوم من الكرسي حيث يقوم الحلاق بلصق وجهه ويديه عليك وكأنه يحتضنك حضنة الوداع.
ويختلف الحلاقون منهم المدخن أو ذو الرائحة غير المرغوبة أو من يضع عطراً لاذعاً كأنه مبيد حشري.
أما طبيب الأسنان فهو قصة تحتاج منا تأمل بسبب صعوبة الوصول له.
وعندما تصل له تراه أعد العدة والاستعداد، ويطلب منك أن تفتح فمك وأنت في رهبة من الأمر، فما إن يبدأ باستخدام أدواته ويلبس الكمام حتى يتصور لك أنه ربما سوف يخلع سنك، أو يقطع لسانك، لأنه يشدد على طلبه منك عدم الحركة أو الثبات على الكرسي، ليتصفح الأسنان بشكل مريح.
ولا ينتهي الأمر عند الألم الذي يضرب من بداية السن حتى أخمص قدم، بل ومع بداية عمله في فحص السن تجد صعوبة في فتح فمك، إذ يسيل اللعاب منك ولا تستطيع بلع ريقك، وكل هذا في جهة والجهة الأخرى عندما يستخدم المواد المخدرة، وتشعر بطعمها المر، ثم ينتابك الخوف أن يخطئ الطبيب كأن يخدر سناً ويخلع آخر، أو عطب سن أو سحب عصب أو عمل حشوة في غير مكانها.
ولقد سمعنا الكثير من الأخطاء الطبية في ذلك المجال.
والآن ومع تقدم طب الأسنان واستخدام الوقاية والإجراءات الطبية وكثرة التخصصات فيه، يبقى صعب المنال للازدحام في المواعيد وصعوبة الحصول على موعد قريب ليخفف عنك الألم فتلجأ الى العيادات الخاصة التي لا تبقي ولا تذر في سحب ما في جيبك من نقود؛ لأن تسعيرة عيادة طب الأسنان تحت وطأة الطبيب وبعض من لا يخاف الله يصنع من الحبة قبة كما يقال.
وأخيراً علينا متابعة الإرشادات الصحية خصوصاً عند الحلاق وطبيب الأسنان؛ لأن النظافة والتجمل بقص الشعر باستخدام الوسائل والأدوات المعقمة وأيضاً الوقاية واستخدام الفرشاة والمعجون وتنظيف الأسنان بخيط الأسنان واتباع ارشادات الطبيب عند كل زيارة، كي لا تضطر لخلع سن وتبقى بوقاية وحماية بإذن الله إذا تم رعايتها.