ماذا فعلتَ يا محمد بن سلمان..؟
حبيب محمود
قدّم لي زميلي القديم منحةً “شمّريةً” عفوية؛ أن أفتح درج مكتبه، في أي وقت، وآخذ منه ما أشاء؛ كلما “احتجتُ” إلى كوب من ورقٍ، أو أي شيء آخر.
حسناً؛ فعلتُها، واتجهت بالكوبٍ البنّي إلى مطبخ الإدارة. وأمام باب المطبخ؛ أمسك بي جُفول من الدخول، لوجود سيدتين في الداخل، ربما تلعثمتُ في إفشاء السلام، فجاء ردّ السلام محترَماً جاداً واثقاً.
من الطبيعي إلّا أدخل المطبخ، لولا النبرة التي حملتْها كلمة “تفضّل” الآتية من داخل المطبخ؛ كانت محمولة على حسن ظنّ وثقة وفهمٍ عفويّ للمعروف النقي بين الناس.
حسناً؛ دخلتُ. أعددتُ كوب الشاي، قبل أن أنصرف إلى حيث أجدُ مكاناً يسمح لسيجارة أن تعبّر عن روح دخانها في فضاء مفتوح، خارج المبنى الحكومي الأنيق…!
ماذا فعلتَ يا محمد بن سلمان..؟
هكذا تحرّك السؤال، ولاحقته إجاباتٌ في حوارٍ صامت، والماء الساخن يستسلم للجاذبية مصبوباً في الكوب البني، والسكر يدور مع محور الملعقة، وورقة الشاي تبدأ بثّ اللون البني. كدتُ أتحدّث إلى الأختين بفلذات من ذلك الحوار الصامت.. لكنني لم أفعل.
إنهما باحثتان في الحياة البرّية، لديهما إيمانٌ بقيم “الاستدامة”. وللمناسبة؛ فإن هذه الكلمة؛ تحوّلت إلى مفهوم في أدبيات البيئة والاقتصاد السعوديين، منذ تفجّرت عناوين رؤية 2023، وتنوّعت في الاستعمالات الإعلامية، كما هو حال “جودة الحياة” و “التمكين”..!
كدتُ أقول للباحثتين الواثقتين؛ إنكما من جيل قدّم دليلاً عميقاً ودقيقاً على فهم مقلوب عشناه عقوداً طويلة، في النظر إلى الضفة الأخرى من الجنس البشري الذي شاركنا التحديات، دون أن نسمح له بتسخير طاقاته وعطاءاته في بناء الحياة، إلا في نطاق ما يُطمئن وساوسنا ويُخرسُ أوهامنا..!
الإعجاب الواثق ليس بالجنس الناعم في مجتمعنا؛ بقدر ما هو إعجاب بتفكير الجيل كله. إنها الثقة التي تسكنه في تحمّل المسؤوليات، والنظر إلى مستقبل الوطن بروح وثاّبة، وتمكُّن من دخول التخصّصات النوعية. السيدتان جزء من منظومة عمل واسعة ومتشعّبة في اتجاهات بيئية نوعية، تخرّجن في جامعاتنا، وانخرطنَ في وظائف ذات طبيعة تحتاج إلى همّة عالية، وذهنية ذات تركيز جاد.
المنظومة البيئية السعودية تكاملت، خلال السنوات القليلة الماضية، لتحقيق أهدافٍ واضحة في الإصحاح البيئي وحماية التنوع الأحيائي وضمان الالتزام. وجاءت كلمة “لاستدامة” بوصفها أيقونةً في السعي والعمل. وقد تطلّب ذلك حزمة من التشريعات والآليات والترتيبات المؤسسية الموزّعة على عدد من الجهات الحكومية، بمشاركة القطاع الخاص والمجتمع السعودي نفسه.
وداخل هذه المراكز يعمل السعوديون، رجالاً ونساءً معاً، على تفعيل العمل البيئيّ في الميدان، بدراسة الواقع، ورسم خارطة المستقبل، والتنفيذ “الفوري” الذي لا يتردد ولا يتلكّأ.
وللسعوديات دورٌ حيويٌّ في هذا كله، وتحت هذا الواقع الصارم؛ يخضنَ التجربة في الميدان رصداً وبحثاً وعملاً على تحقيق الأهداف، في بيئات البحر والبر، وسائر أدوار المسؤولية.
إنهنّ أكثر ثقة في أنفسهنّ وفي وطنهنّ من ذلك الرجل الآتي من الريف الشرقيّ وهو يُعدُّ كوب شاي..!
إنهنّ من جيل الرؤية التي صمّمتها عقلية محمد بن سلمان، الشاب الذي سيذكره التاريخ بلا لقب ولا صفة، دلالةً على ما تكتنزه الشخصية من أبعاد لا تحتاج إلى ما يسبقها من توصيف.