أرضنا الأم الحنون
علي منصور الطويل
مثلما الأم الحنون تهز مهد رضيعها بهدوء تام، وبدفعات خفيفة متساوية، فيمضي صغيرها في سكون تام ورقاد عميق. كذلك هي أمنا الأرض (ألم نجعل الأرض مهادا، والجبار أوتادا)، وجلّت قدرة ربنا الخالق العظيم الذي أتقن كل شيء خلقه (والأرض بعد ذلك دحاها *أخرج منها ماءها ومرعاها)، ومن ترابها وأديمها خلق الإنسان وأسكنه ظهرها وسخر له كل شيء فيها وحثه على إعمارها واستخراج كنوزها، وحين وافاه الأجل المحتوم أقبره ترابها الذى خلقه منه سابقاً، تكريما له ثم تكفل إخراجه منه تارة أخرى للحساب يوم القيامة، الأمر الذى أوجزته الآية الكريمة:
(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ).
فهي -الأرض- تدور حول محورها خلال 24 ساعة محدثة الليل والنهار، وفي الوقت ذاته تكمل دورانها حول الشمس خلال 365 يوماً محدثة لنا الفصول الأربعة.. الشتاء، فالربيع، فالصيف، فالخريف مستفيدين من التغيرات المناخية من هطول الأمطار، وموسم الزراعة والغرس شتاءً إلى موسم تفتح الأزهار في الربيع، ومنه إلى موسم حصاد الثمار في الصيف، ثم موسم الاعتدال الخريفي لاستقبال شتاء جديد ونحن في مهد أمنا الحنون (الأرض) في هدوء وراحة وهي تدور بنا دون كلل وملل.
ولم تسجل البشرية منذ نشأتها تباطؤ أو تسارع في دورانها، ومستفيدين مما حولها من شمس وقمر، ومما عليها من جبال و أنهار وبحار وسهول ووديان، والأعجب من ذلك كله كما يذكر الفلكيون أن لها (الأرض) دوران ثالث غير ما تعرضنا له وهو دورانها والقمر والشمس والكواكب والمجموعات الشمسية الأخرى يدورون و يسبحون في الكون الفسيح (وكل في فلك يسبحون)، إذن يجب أن نخر لربنا ساجدين أمام هذه العظمة، وأمام هذا الإبداع الكوني ونحن نقول: سبحان ربنا العظيم وبحمده، سبحان ربنا الأعلى وبحمده، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له، ربي اغفر لي و ارحمني إنك أنت أرحم الراحمين.
دقيقة تأمل..
كلنا يعرف شهرة الساعات السويسرية الصنع ودقتها وأناقتها، وقد يتأمل البعض في ساعته الجديدة ويستغرق وقتاً في النظر إليها وإلى دوران عقاربها واحداً تلو الآخر مبدياً إعجابه الشديد بصانعها، وهذا أمر حسن ولكن الأحسن منه التأمل في هذا الكون وفي الأرض، وبالخصوص إلى دورانها البديع حول نفسها محدثاً الليل والنهار ومن يراقب عقارب الساعة لا يستطيع أن يلاحظ دوران عقرب الساعات القصير أثناء دورانه بينما هو يدور بل يكمل دورتين يومياً خلال 24 ساعة كما تعلمون.
وفي نفس الوقت تكمل الأرض دورانها اللطيف والدقيق حول الشمس في 365 وربع اليوم تقريبا دون أن يشعر بها أحد من سكانها أو ينزعجون منه بل إن الأجيال التي سبقتنا لا يعلمون بهذا الصدد بل ينكرونه وهم ينعمون بنتاجه وفصوله المتلاحقة ومناخاته المختلفة، فغرسا بالشتاء وحصاداً بالصيف ونوماً وسكناً وهدوءاً بالليل وضياءً وعملاً ونشاطاً بالنهار، ألا يستحق هذا الصنع الرائع إلى شكر الصانع العظيم الخالق المصور سبحانه وتعالى له الحمد والشكر؟.
قال تعالى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].
وقوله سبحانه {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (الأعراف:54)، وقوله جلَّ من قائل {إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون} (يونس:6).