سيرة ليست مكتوبة

محمد آل عمير

تصوير: Atheer Al-Sadah

كما يُقال في البدء كانت الكلمة

ولكنّ الكلمة ليست وحدها التي بها يبدأ التكوين الوجداني للمخيلة والواقع ومسار التأمل الذي يسير في لحظات تكوّن الكلمة والبدء بالبوح بالحرف وما وراء الحرف من حيثيات وتجليات، وهُنا سأبدأ بإيجاز عن حيثيات وتجليات الحرف.

الحرف بذاته معجم لانطلاق كوامن المعنى والمعنى جزء من تفكير ذات الإنسان وبما يحيط به من صور ومواقف وأحداث وقصص، وأحاديث الإنسان مع ذاته ومع الآخرين والتحديث اليومي للمشاهد البصرية وتأثيرها المباشر والغير مباشر على أفكاره ورؤاه، وهذا ما أريد قوله، وعن هذه الصورة بالذات ينطلق بنا الناقد والمصور السيد أثير السادة في هذه الصورة بشيء أشبه ما يكون بالسيناريو البصري القصير المفعم بثنايا المكان ووجوده من بين الإنسان من حيث وجدانه ومشاعره ومسار أيامه وعُمره، وما بين تلك الأشياء العابرة ألوان وأثر يظل في قسمات الذاكرة والمخيلة في الوقت الحاضر وحتى في طريقة التفكير نحو/ في المستقبل،

الكرسي متكأ للتفكير والعزلة أحيانًا |

العزلة منطلق لإبصار الذات أحيانًا |

إبصار الذات وسيلة لمشاهدة شمولية “بانورامية”

لطريقة عمل المواقف والقصص التي تؤثر على الذات وسلوكياتها وأفكارها وبنيتها الثقافية في الواقع المُعاش |

الواقع المُعاش سبيل نحو نقش سطور ذاتية عملية تكتب سيرة الإنسان |

سيرة الإنسان | محطة نحو رسم واقعي ما بين العقل والعاطفة |

مثال على العقل والعاطفة:

كافتراض هذه الصورة مُلتقطة في وقت يقترب من الغروب، من الطبيعي أن يشعر هذا الرجل بضرورة مغادرة مقعده للاستعداد للصلاة وأيضًا فعل ما هو مُهم بالنسبة إليه وأشياء أخرى يرغب بأدائها

هُنا ستجد مؤثرات وعناصر تحفز النفس على التغيير وعدم التمسك بنمط واحد في يوم واحد وهذا بالطبع ضروري وشيء مهم كأداء الصلاة في وقتها ومنادمة الأحاديث الليلية مع العائلة أو مشاهدة الأخبار والمستجدات في التاسعة ليلًا أو النوم مبكرًا ونحو ذلك، هذا من جانب العقل/الجانب العقلائي.

أما من الجانب العاطفي ستعلب آلة الزمن نصيبها من استعادة الذكريات، بعض الذكريات آهات وبعضها بلسميات وما بين المأساة والملهاة سيجد هذا الرجل سبيله من التحميض الكيميائي – إن صح التعبير – للصور التي يستعيدها خلال احتساءه قهوته، فالقهوة هُنا تعمل كرفيق يساعد على تصفح الذاكرة بارتياح وانشراح.

الكرسي متكأ للنفس والروح، يجدد في الأعماق همسات ونسمات في دواخله وخواطره.

أخيرًا البيت المسكن الذي ندفن فيه جراحنا أو نضع فيه وسادة أحلامنا أو نُعلق فيه صور لنا أو لكل مَن نحب أن نراه ونتذكره.

وللبيت لغة تنبض من الطين إلى الطين

ومن العين إلى القلب

ومن الذاكرة إلى دفاتر حياتنا

البيت سيرة تحفظ لنا سيرتنا

لأن في سيرتنا هنالك أسرار

يضمن لك البيت – إن لم تبوح بها – أن يحتفظ لك بأسرار تلك السيرة والمسيرة، وبإمكان البيت وما بداخله – أحيانًا – يصبح سيرة ولكنها ليست مكتوبة أو بالأصح ليست قابلة للتدوين لأنها ليست مساحة مُتاحة لذلك.

وللألوان حالات وجدانية تشبهنا، وللصورة معجم نجد فيه الكثير من حيثيات المعنى وللمعنى آفاق لا تختصرها الأحرف العابرة على محطات الضوء وتجلياته.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×