في القطيف.. انقرضت “المُصروَلات”.. فاختفت الخياطات نهاية طبيعية لـ "الطارة" و "المحجل" و "الشلايل" و "الأوية" برفقة "البدن" و "التخروز"
القطيف: ليلى العوامي
سروال.. صروال.. شروال.. باختلاف الحرف الأول، كلمة لعبت دوراً في نمط حياة نساء القطيف، إلى أن جاء النفط. وفي اللباس الخاصّ بالنساء فحسب؛ جاءت الدلالة الأولى في السَّتر، فالمرأة لا بدّ من أن ترتدي “صروال” أسفل ثيابها، غنية كانت أم فقيرة.
أما الرجال؛ فلا سراويل لهم، لكل منهم إزار يعلوه الثوب.
ومن هنا؛ كانت خياطة السراويل مهنة نسائية خالصة، ومنحت أغلب النساء مهاراتٍ قد يستغنين بها عن الاستعانة بالخياطات. ولم يكن يخلو بيت من بيوت القطيف من امرأة قادرة على خياطة ملابسها وملابس أسرتها، ولو جزئياً.
لذلك تفننت القطيفيات في حياكة المقانع، وتعديل الأردية، والمشامر، والسراويل، فضلاً عن مهارات ترقيع ملابس الرجال.
الخياطة اليدوية
وتقول فاطمة ملك، إن الخياطة اليدوية كانت موجودة في أغلب بيوت القطيف، وكانت النساء يعتمدن على الخياطة بالإبرة قبل ظهور الماكينة اليدوية، ومن لا تجيد الخياطة كانت تستعين بجارتها. وقد برعت المرأة القطيفية عموماً في حياكة “الصراويل” المختلفة والمتنوعة، من بينها: أبو مدرسة، والطارة، والنارجيلة حمد، والمحجل، والبمباوي، والمشجر، والمكشكش، والمنقوش، ولكل نوع خصائص وأشكال محددة تختلف عن بقية الأنواع، وكذلك في طريقة التطريز والخياطة، أو خلو بعضها التطريز.
وتضيف: صناعة الصراويل بكل أنواعها استخدمت في خياطتها القماش الأبيض وهناك من تستخدم غرزة التاج والخندزي، بالخيوط القطنية في “سروال المدرسة”، وبعضهنّ تضع في نهايته “الأوية” وهي قطعة مخرمة.
تضيف أيضاً: هناك “سروال الطارة” وسمي بذلك لأنهم يضعون قطعة القماش على حلقة مدورة من الخشب تسمى بالطارة ويبدأن بتطريزها بخيوط زاهية الألوان. وهناك السروال المحَجَل” المنقوش بخيوط الزري الجاهزة، أو ما تصنعه النساء بأنفسهن باستخدام قطعة من الستان، وسمي بهذا الاسم لأنهم كانوا يزينونه بحجل من أسفل نهاية الساق، حتى إذا خرجت المرأة لا يرتفع، وهو بالأسود أو الأبيض، ويُلبس في الزواجات والمواليد.
التول المطرز
وتضيف ملك: حتى تزين المرأة شعرها كانت تغطيه بما يسمى “الملفع” وهو من التول المطرز بخيوط معدنية تستورد من الهند عبر البحرين، ومنها ما يعرف بملافع “النغدة”، وهي من التول الأسود المطرز بخيوط زري ذهبي، أو فضي، ويستخدم لتغطية الرأس. والفتاة الصغيرة قبل سن البلوغ كانت تلبس “البخنق” وهو من القماش العادي، وتبقى عليه حتى الزواج، حيث تلبس بعده “الرداء” وهو قماش أسود من القطن مزخرف بالأحمر، والذهبي يسمى أناجر، والمزخرف بالأحمر فقط يسمى بَرْوَجي، ويجلب من البحرين أو الهند.
وبدخول ماكينة الخياطة تفننت المرأة القطيفية في الخياطة، ومن الزينة التي تتزين بها المرأة كانت “القحفية” للسيدات وهي نوعان: الول من القماش السادة، وتُلبس في البيت. أما ا لنوع الآخر فمن الستان المبطن والمحاك بغرزة السلسلة، يُلبس عند الخروج من المنزل.
الثوب الهاشمي
وتقول، إن الثوب الهاشمي أنواعه كثيرة فمنه، القطن الوايل، والتول، والنايلون، السامتين، والبريسم، وأسفله كانت المرأة تلبس “النفنوف” وهو ثوب من قماش القطن، والكودري، والوايل وهي ألوان متعددة أو سادة عبارة عن صيوان وصخمة بكم طويل أو نصف كم ويلبس أسفل الثوب الهاشمي ويطرز بغرزة التاج والخندوزى.
ولم تقتصر مهنتها على الحياكة والتطريز على الملابس فقط، بل تعدت لتساهم في خياطة ما يزين المنازل كـ”بردة الباب” حيث كان له نصيب أيضاً وخاصة حينما تتزوج العروس ويجهزون لها بردة للباب، وغطاء للسرير من القماش الفائض من التول أو الكزاز المطرز بأجمال الأشكال المستخدم من خيوط صراولة المدرسة والمنام والمساند.
أنيسة مدن الخنيزي، لها قصة مع الخياطة، فقد تعلمت في سن مبكرة جدا مع شقيقتها أم شمس، بتشجيع من والدتها زهراء عبد النبي الشماسي -رحمها الله-، وعلمت نفسها حتى أصبحت تجيد الخياطة بجميع أنواعها: نسائي وبناتي وأطفال وحتى الرجالي، فالخياطة تعتبر في تلك الأيام من الأمور الأساسية والمهمة عند المرأة في السابق.
وتضيف: كان أصحاب دكاكين الملابس يأتون إلينا بالأقمشة الكيمري الملونة، لنفصل لهم كميات كبيرة من ملابس البنات حتي يعرضوها للبيع، والأقمشة المتداولة في الخمسينيات لها أسماء كثيرة منها “الدولين” “وعروسك الحلوة” و”شهر العسل” و”الكزاز” وهو “النايلون الرقيق” والقطيفة بأنواعها، التول والوايل، والبافتة، والتترون، وزربفت، وضياء الليل، وجورسيه، والصاروخ، والكودري، وشعر صباح، والدانتيل والكريب، والبمبي، وكل هذه الأقمشة كان يأتي بها التجار من الهند.
أنوع مختلفة
وتقول الخنيزي: عملتُ على خياطة الملابس النسائية بأنواعها المختلفة، مثل “ثوب النفنوف” وهو صخمة وصيوان يزين بشلش وتيب، وكذلك “ثوب الماكسي” ويتكون من قطعة وحدة الطويل، والقصير، الكلوش الكبير ونص الكلوش بِكِم طويل، ونصف كم، وبدون كم، يسمى “مزلط”. وهناك الثياب المفرخة” أي المقسمة من أعلى إلى أسفل بمسافات متساوية، وألوان مختلفة وبين كل قطعة وأخرى تطريزة، كما عملت في صناعة “التبانات” وهي ملابس المواليد الرضع من شهر إلى سنة بأنواعها المختلفة، كما قمت بحياكة الملابس الداخلية للمرأة مثل الشلحة المزينة بالتطريز.
هندسة التصميم
وتقول الخنيزي: لم يقتصر عملي على الخياطة بل تعدى إلى رسم الموديل باستخدام الكربون، حيث كنت أعمل على زخرفة القطعة ورسمها باختيار الرسمة المطلوبة واستخدمت في ذلك الكربون فكنت أضعه فوق القماش وأنسخه ثم اطرزها بأشكال مختلفة.
كما توسعت في تطريز المساند والمخدات، وبردة الأبواب والستائر اللازمة لهم وبردة “البلنك”، وكذلك “سرير العروسين” بخيوط ملونة وزاهية، وطرزت البُردة برسمة السفّة المزينة بالأشجار والورود وبألوان زاهية وجميلة وملائمة لكل الأذواق، وكنت أخيط بالنغدة العريضة باستخدام إبرة النفدة، وهي إبر خاصة تزخرف بها الملافع التول الأسود، وكنا نشتريها من البحرين.
البدن والتخروز
وتقول الخنيزي: المرأة القطيفية تفوقت في خياطة الثوب الهاشمي، وهو مشهور عند نساء القطيف المكون من خمس قطع: “البدن” وهي “قطعة طويلة، والأكمام فيها واسعة” و”التخاريز” من قطعتين كل قطعة تسمى تخروز، كما قمت بخياطة المشامر وهي نوعان: الأول وهو “الجرخ” ويعني كلوش، والثاني: “الفجتين” ويعني قطعة على قطعة.
ولم أقف عند ذلك بل اشتغلت على تفصيل “الصراولة” أيضاً بجميع موديلاتها وصروال بأويه وهو عبارة عن شلايل منظمة بعضها على بعض في الخياطة، والصروال المقلم أبيض وأحمر أو أزرق وأصفر وهو عبارة عن صروال في وسطه قصة مثل السمكة وتلبسة الفتيات حتى يكون واسعاً فلا يضايقهن أثناء اللعب، والصروال الأبيض النسائي بأنواعه المعروفة.
أنواع التطريز
وتوضح أنيسة الخنيزي، عمل الطرازة بقولها هي: دائرة من خشب مكونة من قطعتين ولها قفل ونتحكم فيه لشد القطعة، والنوع الثاني يعرف باسم “التنسيل وهو عبارة عن تطريز خاص، والنوع الثالث يسمى مدرسة وهذا النوع نختار فيه الرسمة التي تعجب صاحبتها بعد ذلك نقوم بوضع القطعة وفوقها الكاربون ونرسمها كما هي، ثم نشدها بحذر ونحرك القلم الرصاص عليه فتطبع ما نريد.
وعن الخيوط المستخدمة في “الصروال”.. تقول: نختار خيوط تسمى خيوط مدرسة أسيج ويتم قصهم و”قرملتهم” مثل قرمالة الشعر، وبعد الانتهاء من التطريز يأتي دور المكينة فنركب ألوية وهي عبارة عن شلش مزخرف ويزين السروال بشلايل بعضها على بعض.
وتؤكد، في القطيف خياطات ماهرات حيث لا يوجد منزل إلا وفيه مكينة خياطة، ومن النساء المشهورات بالخياطة: ملوك بنت الماحوزي -رحمها الله- كانت تخيط كل شيء حتى ملابس الزفاف والعبيان المزينة بشد الورد.