السعودية الطموحة تقود الشرق الأوسط

مالك السعيد

مقدمة

تمر الأمم بحقب زمنية مختلفة صعوداً وهبوطاً على مر التاريخ فتبرز واحدة وتغيب أخرى لأسباب وظروف مختلفة. بات السباق والتنافس بين الدول اليوم يجري بوتيرة أسرع لاسيما في ظل تغير موازين القوى العالمية وتسارع تطور التكنولوجيا.

جاءت المملكة العربية السعودية لتدخل هذا السباق بقيادة أمير شاب يمتلك الطموح ويحلم بأخذ بلاده الى أمجاد يخلدها التاريخ. لطالما كانت المملكة تمتلك المقومات نحو النهضة بل وتمتلك العناصر لزعامة الشرق الأوسط والعالم الاسلامي. فهي تمتلك الاقتصاد والمال والثروات والموقع الجغرافي المتميز، وفي أرضها الحرمان الشريفان، بالإضافة الى مخزونها الثقافي و جيل شاب ومتعلم يمتلك الطموح ويتوق للتغيير.

ولكي يمكن استثمار هذه المقومات كانت الخطة هي البدء باصلاح البيت من الداخل أولاً ثم وضع خطط طموحة للمستقبل مع السعي لصنع الحلفاء والاصدقاء.

إصلاحات جريئة وسريعة تغير وجه المملكة

كل من يشاهد المملكة العربية السعودية اليوم لا يصدق أنها السعودية ذاتها قبل 6 سنوات، قياساً بمقدار ما حصل من تغيير قد يأخذ عقوداً في زمان او مكان آخر.

تحت إدارة الأمير محمد بن سلمان قامت حكومة المملكة بإصلاحات جذرية غيرت وجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ابتداءً من تحسين أوضاع المرأة وجعلها شريكة في جميع المجالات بما في ذلك المناصب الإدارية الرسمية والمناصب الوزارية، بل وصلت المرأة أيضا للوظائف العسكرية. فكل هذه أمور غير مسبوقة في تاريخ المملكة. أصبح العهد عهد ازدهار المرأة. كما شهدت هذه الحقبة أيضاً نهاية للتشدد الديني وتحجيم لنفوذ وتأثير المتشددين في الحياة العامة. ومن ضمن التغييرات أيضاً وضع خطط اقتصادية كبرى بميزانيات ضخمة لتقليل الاعتماد على النفط وتنمية قطاعات أخرى مثل السياحة والاستثمار والصناعة والخدمات اللوجستية، كما تم اعتماد مشاريع ضخمة مثل مشروع نيوم، مشروع البحر الاحمر، مشروع القدية، مشروع المربع، مشروع وسط جدة، الخ.

كل هذه المشاريع والبرامج انطلقت من أهداف رؤية المملكة 2030 وصاحبها انشاء هيئات وسن أنظمة جديدة وتعيين مختصين وخبراء بالإضافة الى جهود كبيرة في إعادة هيكلة كاملة لأجهزة الدولة بوزاراتها وهيئاتها.

لم تكن هذه التغييرات هي الوحيدة، فقد كانت هناك إصلاحات إدارية شملت حملة شجاعة للقضاء على الفساد وإعادة ثروات ضخمة إلى خزينة الدولة وتجري منذ ذلك الوقت حملات دؤوبة لملاحقة الفاسدين في جميع قطاعات الدولة بدون أي مواربة.

كما توضح كذلك الكثير من المؤشرات الدولية تقدم المملكة في مجالات عديدة كمؤشر الخدمات الإلكترونية (الحكومة الرقمية)، مؤشر التنافسية العالمية الذي يقوم على الأداء الاقتصادي والحكومي، ومؤشرات اخرى كالابتكار، الأمن، والمستقبل الأخضر لمواجهة التغير المناخي. وجدير بالذكر ان الناتج المحلي للمملكة قد وصل إلى ترليون دولار للمرة الاولى في تاريخه.

وكل ما سبق كان عملاً متواصلاً جعل من التطوير المستمر سمة أساسية في مسيرة التنيمة السعودية ويمكننا القول ان الممكلة تعيش اليوم مرحلة تحول بل أنها نهضة اذا استمرت سوف تقفز بها الى مصاف الدول المتقدمة على أصعدة كثيرة في السنوات المقبلة.

تلاحم وطني وشعبية في أوساط الشباب

ارتفعت آمال الناس بعد قيام حكومة المملكة بأخذ خطوات حازمة وسريعة بحق الفاسدين الذين يسرقون أموال الدولة او المتشددين من رجال الدين الذين عبثوا بحياة الناس وساهموا بنشر التشدد والتأثير سلباً في ثقافة المجتمع السعودي.

هذه الخطوات أعطت السعوديين ثقة كبيرة في حكومتهم وانتشرت في أوساط الشباب بشكل خاص شعبية كبيرة للأمير محمد بن سلمان، فمنذ الاعلان عن رؤية المملكة 2030 بدأت القرارات الاصلاحية غير المسبوقة تتوالى، ورأى السعوديون فيه الأمل في تطور وطنهم ومنحهم جودة الحياة التي يطمحون إليها.

ففي نظرهم هذا القائد الشاب يملك الطموح والشجاعة لسن القوانين التي تعالج الكثير من مشاكلهم محتذياً في ذلك بتجارب الدول الأخرى التي سبقته في هذه التجربة، بل إنه يحلم بجعل الشرق الأوسط بقيادة المملكة هي أوروبا الجديدة كما أسماها.

تزايدت شعبية الأمير محمد بن سلمان أيضاً وبشكل خاص بين فئة النساء فكن أكثر الفئات تعبيراً عن دعمهن وامتنانهن الكبير للأمير الشاب.

 من طبيعة كل حركة اصلاحية أن تُهاجم من الداخل أو الخارج من قبل المنتفعين من بقاء الأوضاع على ماهي عليه، مثل المتشددين من رجال الدين، والفاسدين، وكذلك بعض الجماعات خارج المملكة. فكانت هذه الفئات الشابة التواقة للتغيير والداعمة له تتصدى لهذه الجماعات. التف الناس شيئا فشيئاً حول حكومتهم وبشكل غير مسبوق مبدين دعمهم وتأييدهم للأمير محمد بن سلمان.

وبرغم كل ما سبق ذكره إلا أن الشعب السعودي ـ بما يحويه من نخب مثقفة وشخصيات بارزة ـ بادر بكل وضوح وبكل وطنية بالتعبير عن دعمه وتأييده لمشروع التجديد والتطوير الذي تتبناه المملكة، وفي تلاحم وطني لم يعهده الناس من قبل.

لهذه الأسباب بالاضافة الى القوانين الجديدة التي تجرم الانقسام والفرقة والتمييز بين فئات المجتمع السعودي، وقف الناس خلف قيادتهم وبجانب بعضهم بعضاً فبدت تتضح ملامح حقيقية لوحدة وطنية سعودية تجمع كل مناطق المملكة وطوائفها وقبائلها وكل مكونات الشعب السعودي، تجمعهم قيادة واحدة وحلم واحد هو الازدهار والنماء والتطور المستمر.

لم تنحصر شعبية الأمير محمد بن سلمان على السعوديين فقط، بل تجاوزت الحدود الى دول الجوار خصوصاً تلك التي تنشد ظروف معيشية واقتصادية أفضل مثل العراق وسوريا ولبنان، فهذه الشعوب تتمنى قائداً مثله في حكوماتهم للقضاء على الفساد والفاسدين والعمل بخطط مدروسة ومشاريع طموحة لتطوير بلادهم وحل مشكلاته.

التصالح مع الخصوم والتركيز على التعاون والنمو الاقتصادي

تتخذ المملكة اليوم توجهاً جاداً في توسيع فرص التعاون مع كل دول الشرق الأوسط خصوصاً على المستوى الاقتصادي، فهناك إيمان راسخً لدى قيادة المملكة قد صرح به الأمير محمد بن سلمان، هو أن منطقة الشرق الأوسط يجب ان تنهض مع بعضها بعضاً، وأن هذا شرطٌ أوليٌّ لنهضة المملكة.

وكان قد ذكر مسبقاً أن الشرق الأوسط سيكون هو أوروبا الجديدة، وأن هذا هو أحد أهدافه.

وأحد الأمثلة على التطبيق الفعلي لهذا الأمر نراه سريعاً بخطوات عملية على أرض الواقع تعمل عليها الجهات السعودية والعراقية لتسهيل الحركة التجارية بين البلدين بعد انقطاع دام أربعة عقود، بل إن هناك محادثات لفتح باب الحركة التجارية بين المملكة و ايران عبر العراق.

إن النهضة الاقتصادية هي اليوم على رأس الأولويات في المملكة العربية السعودية، فكل ديناميكية السياسة الخارجية السعودية في الوقت الراهن تنطلق من منطلق اقتصادي، فلا يمكن أن تزدهر أي منطقة بالعالم ازدهاراً اقتصادياً وبلدانها منشغلة بقضايا سياسية وأمنية وعسكرية فيما بينها.

وهذا ما لمسناه في الآونة الأخيرة حيث عقدت المملكة وإيران برعاية الصين اتفاقية مصالحة لإعادة العلاقات وإنهاء الخلاف الذي استمرّ عقوداً بين البلدين. كان هذا حدثاً أثار حفيظة واشنطن، وفيه إشارة الى أن المملكة اليوم لن تتردد في البحث عن مصالحها حتى مع خصوم أمريكا، حليفتها التاريخية.

وقد رأينا أيضا عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية برعاية المملكة بعد القمة العربية في جدة في 19 مايو 2023 برغم رفض واشنطن. كما أننا لا ننسى أن هذه المصالحات كانت قد سبقت مصالحة المملكة مع قطر ثم مع تركيا.

تتبنى المملكة سياسة خارجية جديدة؛ هي تصفير المشاكل مع الآخرين، فقد تصالحت مع تايلند بعد قطيعة عقود، وكذلك مع كندا.

غير أن الاهتمام الأكبر لدى المملكة هو في دول الجوار فهناك سعي إلى تحويل الخصوم الى أصدقاء، وهذا الحراك الذي تقوده المملكة في الشرق الأوسط اليوم هو فعلياً حركة لاحلال السلام الذي هو شرطٌ مهمٌّ للقيام بنهضة وتحقيق ازدهار اقتصادي في المملكة والشرق الأوسط.

 

تحولات في السياسة الخارجية

ما يعيشه العالم اليوم هو فترة تحول إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، حيث تحاول المملكة اليوم إعادة تموضعها على الخريطة الدولية واستغلال الخيارات الممكنة لحماية مصالحها وتوسيع دائرة تأثيرها. ففي الفترة الأخيرة كثفت المملكة من تعاونها مع روسيا والصين لرؤيتها ان التغير في موازين القوى العالمية بات واضحاً وأن أمريكا لن تبقى القوة العظمى الوحيدة المهيمنة على العالم. ومن هذا المبدأ ترى المملكة أن هناك فرصاً كبيرة يجب عليها استكشافها وتحويلها الى منافع، وتوسيع حدود مساحتها وحركتها على رقعة السياسة الدولية.

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا تعرضت المملكة لضغوطات من القوى الغربية حيال قراراتها المتعلقة بأسعار النفط، وتشتكي هذه الدول من أن هذا يؤثر سلباً في اقتصادياتها. فما كان من المملكة الا الجواب بالتأكيد على أنها هي الأخرى لديها مصالح اقتصادية وأن سياستها الخارجية تنطلق من هذه المصالح.

لم تفلح سياسة الضغط التي اتبعتها هذه الدول – وعلى رأسها الولايات المتحدة- مع المملكة وفي النهاية بدأت أمريكا ذاتها في تغيير أساليبها بعد ادراكها أن المملكة باتت تتبع استراتيجية مختلفة وأنها لن تفرط في مصالحها دون مقابل، ولأجل هذا كانت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكون للمملكة في يونيو 2023، أي بغرض اصلاح العلاقات السعودية الأمريكية.

كما كثفت المملكة أيضا في الفترة الأخيرة زياراتها الخارجية لتعزيز علاقاتها بمختلف الدول والحضور كلاعب فاعل على صعيد السياسة الدولية.

المملكة تملك أكبر تأثير في اسواق الطاقة العالمية المغذية للاقتصاد العالمي، وهذا يمنحها تأثيراً جيوسياسياً واقتصادياً على المستوى الدولي، بالاضافة لكونها قلب العالم العربي والإسلامي وتملك التأثير الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وتقوم بأدوار فاعلة في مختلف قضاياه.

المملكة تتحرك اليوم على هذه المبادىء الأساسية وتستثمر في نقاط قوتها لتقدم حضوراً نشطاً حتى بات المراقبون يرون أن نفوذ المملكة اليوم يعتبر هو الأكبر في تاريخها.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com