زيارة الحسين والسيدة زينب في مصر.. سياحة خوّفتها السياسة.. وشجّعها الاقتصاد مسار خاص وسط القاهرة لاستقطاب سياح جدد من الخليج وشرق آسيا
الحكومة المصرية تتبنى مشروعا متكاملا للاستفادة من عوائد الدولار
القاهرة: صُبرة
تزخر مصر بتاريخ طويل يميزه التنوع الثقافي والحضاري، وتعد الآثار والأماكن المقدسة التي تنتمي للديانات السماوية الثلاث واحدة من أهم مقومات الجذب السياحي للمهتمين بالسياحة الدينية في كل مكان في العالم.
وخلال الفترة الأخيرة حظي ملف السياحة الدينية باهتمام كبير، حيث قامت الجهات التنفيذية المختصة بترميم المواقع الأثرية الدينية المختلفة وتطويرها، وتبنت الحكومة مشروعات كبرى تستهدف وضع هذه الأماكن على خريطة السياحة في مصر.
ومنذ 2013 والمتخصصين والخبراء يحاولون رفع احظورات كانت سائدة قديماً أمام تفويج رحلات مختلفة، لزيارات مساجد وأضرحة آل البيت، وما كان ممنوعاً أصبح مرغوباً حيث تعوّل الحكومة على أن تصل إيرادات السياحة إلى 14.4 مليار دولار في نهاية 2023 لزيادة إيرادات العملة الصعبة، خاصة في وقت تعاني فيه نقص الدولار وضعف الجنيه المصري.
سياسات خاطئة
وقال أسامة عمارة، الأمين العام لغرفة شركات السياحة ووكالات السفر بالقاهرة، يثار الجدل حول هذه القضية عن فتح أبواب مصر أمام أفواج السياح الخليجيين الذين ينتمون للمذهب الشيعي، هذا الملف الشائك ظل مغلقاً لسنوات طويلة دون أسباب موضوعية حقيقية، غير أنه يرجع لبعض السياسات الخارجية الخاطئة، أخافونا منها بحجة الحفاظ على الأمن القومي، رغم عدم منعهم كسائحين أفراد، فهناك الكثير يأتي لزيارة آل البيت ولكن أفراداً وليسوا أفواجاً.
ويضيف عمارة، أن الهدف في عودة النظر في ملف السياحة الدينية للاستفادة من عوائد الدولار، لتعويض انحسار اعداد السياحة العالمية التي جاءت بسبب الأزمات الاقتصادية التي ضربت العالم كله بعد جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية في أوكرانيا التي عززت من سرعة وتيرة الحكومة المصرية في التحرك وتكليف وزير السياحة والطيران المدني، بالمشاركة في تنشيط هذا القطاع.
دعم الروابط الانسانية
ويطالب الدكتور أحمد إسماعيل، الأستاذ بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، بضرورة مراعاة عدم تسييس النشاط السياحي باعتبار ان هدفه هو دعم الروابط الانسانية بين الشعوب عملاً بقول المولي جل جلاله: “إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”.. فالبعد عن هذا التسييس والتجرد من تداعياته يجب ان يكون هدفاً نبيلاً يتم الالتزام به سواء من جانب السياح الوافدين أو من جانب مستقبليهم في أي بلد من بلاد الدنيا.
وأضاف قائلاً: إن كل من يزور القاهرة يتشوق في زيارته إلى مساجد آل البيت فهو من أهم المزارات الإسلامية في مصر مثل الجامع الأزهر والسيدة زينب، وسيدنا الحسين بن على، والسيدة نفيسة، والسيدة عائشة بنت جعفر، وغيرها من المساجد التي تنتشر في ربوع مصر.
علاقة غير عادية
ويقول، مصطفي نميس (أحد المترددين على مساجد آل البيت)، يلاحظ زائر هذه المساجد أن علاقة الناس بها غير عادية، فهم مرتبطون بهم ارتباطاً وثيقا يُضاف إلى كون هذه المسجد مكاناً للعبادة، فهم حين يذهبون إلى المسجد وكأنهم يذهبون إلى بيت السيدة زينب لزيارتها، وهم ينادونها بعدة ألقاب، الطاهرة وأم اليتامى وأم العواجز، فتجد الناس يصلون في المسجد ثم يذهبون إلى الضريح.
ويضيف، رغم اختلاف الروايات التاريخية حول المكان الحقيقي لقبر السيدة زينب، إلا أن المصريين يجزمون بأنه موجود عندهم في مصر، وهذا بالنسبة إلى عامة الناس. وهناك من يحتفل، في شهر رجب من كل عام، بذكرى مولد السيدة زينب في احتفال يسمونه “المولد”، فيقومون بتزيين المنطقة وحرم المسجد، ويوزعون الهدايا والحلويات في شوارع المنطقة، وينشرون الخيم في كل مكان، حباً في آل البيت.
مسار آل البيت
أما الخبير الأثري فاروق شرف، فيقول أوشكت الحكومة على الانتهاء من المشروع القومي المتكامل لوضع الآثار الإسلامية ومساجد وأضرحة آل البيت على خريطة السياحة الدينية، وهي تتبنى مشروعاً لإنشاء مسار لزيارة أضرحة البيت، ويتضمن ذلك ترميم الأضرحة والمناطق المحيطة ها وتطويرها، وبالفعل خلال الفترة الماضية جرى العمل على عدد منها في إطار المشروع، إضافة إلى ترميم وتطوير مسجد الحسين والرفاعي والسيدة عائشة وغيرها.
وعن هذا المشروع يشير “شرف” إلى أن “هناك اهتماماً كبيراً من الدولة في الفترة الأخيرة بمشروع مسار آل البيت في مصر، واهتماماً بترميم وتطوير الأضرحة مثل السيدة نفيسة، والسيدة زينب، وضريح الإمام الحسين وغيرها لتشمل الصالات الداخلية وما بها من زخارف معمارية غنية تماشياً مع الطابع التاريخي والروحاني للأضرحة والمقامات، مع تطوير الطرق والميادين المحيطة والمؤدية لتلك المواقع لما لها من مكانة روحية لدى كل المصريين باعتبارها مصدراً للسلام النفسي والطمأنينة”.
ويضيف، “الاعتناء بهذه الأماكن لن يسهم في تعزيز السياحة الداخلية فحسب، وإنما ستدعم السياحة الدينية الأجنبية القادمة من دول مثل السعودية والبحرين والعراق والكويت وايران وباكستان وماليزيا والهند، ومسار آل البيت بشارع الأشرف أو ما يعرف بـ(شارع أهل البيت) وسط القاهرة، الذي يضم مقامات لكثير من آل البيت، ويبدأ الطريق من منطقة فم الخليج حيث مشهد زين العابدين الذي يضم رأس زيد بن علي بن الحسين، وينتهي الطريق بمشهد السيدة زينب في القاهرة إضافة إلى مزارات أخرى في مواقع مختلفة تحظى كلها بأهمية كبرى الآن”.
أضرحة ومساجد
ويقول عمرو صدقي، رئيس لجنة السياحة والطيران المدني بمجلس النواب السابق، من بين أهم المشروعات التي تتبناها مصر في الفترة الأخيرة والمتعلقة بهذا الملف مشروع مسار زيارة أضرحة ومساجد آل البيت في مصر الجاري العمل عليه حالياً، والعمل على السعي لإدراج مسار الزيارة في مصر على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، ومشروع التجلي الأعظم في منطقة سانت كاترين بسيناء، والذي سيتم الانتهاء منه في الفترة المقبلة.
ففي السنوات الماضية، عملت مصر على تعظيم الاستفادة من جميع مقوماتها السياحية من خلال عمليات مختلفة للتطوير إلى جانب الدعاية السياحية باستخدام جميع الوسائل، فضلاً عن افتتاح متاحف كبرى عدة وتنظيم فعاليات كبرى الهدف منها جذب الانتباه إلى قيمة مصر ومكانتها كدولة سياحية تمتلك تنوعاً ثقافياً كبيراً، وتضم أنواعاً مختلفة من السياحة ترضي جميع اهتمامات السائح، ومن بينها السياحة الدينية التي تضعها مصر حالياً كأولوية ضمن خططها للتسويق السياحي.