تاروت عام 1440.. وقلب القطيف التجاري

حبيب محمود

للمهندس خالد العقيّل، أطروحة ماجستير عن جزيرة تاروت، قدّمها لكلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك فيصل، قبل تحوّلها إلى جامعة الدمام، ثم إلى جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل. كان ذلك قبل أكثر من ربع قرن. الأطروحة تستند إلى حقائق جغرافية تميّزت بها الجزيرة في الشطر الشرقيّ السعودي. وإن لم تخنّي الذاكرة؛ فإن عنوان الأطروحة هو “البدائل الاستراتيجية لتطوير جزيرة تاروت”.

وقد انطوت على إحصاءات بعضها صادم بالحسابات البيئية، ورصدت مؤشرات مستقبلية كثيرة مبشّرة جداً، ضمن موقعها الجغرافي مما تسمّيه أمانة الشرقية “حاضرة الدمام”.

كان هذا بحسابات أوائل التسعينيات طبعاً، وقبل أن تأتي التنمية على حواف الجزيرة وجوانبها، وقبل أن يأكل الإسمنتُ نخيلها وقُرمها ورمال شواطئها، وقبل أن تتحول إلى “شِبْه شِبْه” جزيرة، على الحال الذي نعرفه الآن.

وقتها؛ لم تكن مرتبطة بيابسة القطيف إلا بطريق واحد، ولم تُعرف منها أحياء الشاطيء وما جاورها، ولم تزدهر “التركية” و الصناعية بعد. ولم تتمدّد أحياؤها الداخلية في مناطقها الزراعية حتى لم يعد فيها إلا قرابة 17 ألف نخلة في الوقت الراهن. (هذا الإحصاء نقلاً عن الاختصاصي الزراعي ضياء آل درويش).

كانت الجزيرة، وقتها، محتفظةً بكثيرٍ من خصائصها الجغرافية والبيئية، وكثيرٌ من آثارها موجود. على الأقل؛ لم يسقط برج قصر عبدالوهاب في دارين، ولم يندثر محيطه من المباني الأثرية.

وعلى الواقع الذي رصده المهندس العقيل في حينه؛ بنى رؤيته “التنموية” المناسبة للجزيرة. والذي أتذكّره من تلك الأطروحة الثمينة أن الباحث أوصى باحتفاظ الجزيرة بخصائصها الجغرافية والبيئية، وإيقاف التغييرات عند حدّها الذي وصلت إليه في وقت إجراء الدراسة. ثم بعد ذلك؛ يُعمل على أن تتحوّل جزيرة تاروت إلى ظهير ترفيهي في حاضرة الدمام برمّمتها.

قالت الدراسة صراحة؛ بما أن الدمام هي المركز الإداري للحاضرة، والخبر هي المركز التجاري؛ فإن “تاروت” هي المركز الترفيهي المرشَّح للحاضرة. والسقف الزمني الذي أوصت به الأطروحة يمتدّ حتى عام 1440. وتضمّنت التوصيات العمل على تنفيذ هذه الرؤية.

تذكّرت مضامين الأطروحة التي أعدّها طالب ماجستير ومهندس في “أمانة الدمام”، كما كان اسمها وقتها.. تذكرت الأطروحة مساء البارحة؛ حين عرضت بلدية محافظة القطيف فرصها الاستثمارية، ووضعت الصور الجوية للجزيرة، وحدّدت مواقع اليُخوت والمسارح ومواقع المهرجانات والقرية الشعبية والقرية التراثية، وسائر ما يُمكن أن تكون عليه الجزيرة في المستقبل.

الرؤية موجودة منذ أكثر من ربع قرن، ولكن القرار لم يُكشف عن وجوده إلا مساء البارحة. ما كان ممكناً أن يتمّ تنفيذه في هذا العام؛ أُعلن عن بدايته “التخطيطية” هذا العام.

ولكن علينا أن ننتبه إلى الفروق العملية بين الأطروحات البحثية وبين القرارات التنفيذية. يملك الباحث جناحين يطير بهما حيث يشاء. كلُّ ما يراه طموحات في ضوء معطيات، في حين إن المسؤول لا يملك الجناحين كما الباحث. لذلك؛ يصل المسؤول متأخراً عن الباحث.. ولئن تصل متأخراً؛ خيرٌ لك من ألّا تصل.

الصورة من بلدية القطيف، وقد عُرضت مساء البارحة في ورشة العمل التي عرضت الفرص الاستثمارية.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×