[مقال] أثير السادة: أن تطير بجناحي سؤال

أثير السادة*

 

لفتني وأنا أتصفح في فضاءات النت خبر طريف عن طائر صغير لكنه لا يطير، مؤاده أن العلماء قد اهتدوا إلى سبب عدم طيرانه وركونه إلى المشي دائما، وهو تواجده في مناطق هادئة بعيدة لا تضطره للهروب، وقد انتهى عدم الاستعمال برأي العلماء إلى ضعف الأجنحة وتراجع قدرتها على الطيران.

هذا الهدوء الذي يلف حياتها هو ماشدني في الخبر، فقابليتها للطيران وحدها لم تكن كافية لتحريضها على الطيران، ظروف العيش والفضاء المحيط هي التي تعزز الرغبة أو تؤجلها وربما تلغيها، أي أن الطبيعة التي تحيط بنا هي من تقرر شكل استعمالنا واستثمارنا لهذه الإمكانات المتاحة لنا.. فهل هنالك ما يمكن سحبه على عالم البشر في هذا الخبر؟

برأيي استعداد البشر لاستعمال إمكاناتهم الجسدية والذهنية متصل هو الآخر بما يحيط هذا الجسد وهذا العقل من وقائع وظروف ومحددات مكانية وزمانية، فتحت وطأة التشابه والتماثل الفكري الذي تعيشه المجتمعات التقليدية على سبيل المثال لن يكون من المتوقع أن يذهب العقل باتجاه قطع مواعيد مع الشك وإثارة الأسئلة، فالإقامة الطويلة في مساحات الهدوء سيثنيه عن البحث في عوالم الاختلاف التي لا يجد نفسه معنيا بها.

في المقابل، الانفتاح اليوم دفعنا مباشرة إلى مواجهة جديدة مع عالم متنوع، مختلف، لا يعرف الهدوء الذي عهدناه، الهدوء الفكري والاجتماعي والسياسي على حد سواء، انخرطنا فجأة في لحظة حوار مفتوحة على كل الاتجاهات، وكل الاحتمالات، ما حرض البعض على محاولة الطيران بجناح الأسئلة، أسئلة تفتح الآفاق التي ما كنا لنراها لفرط الهدوء الذي توهمناه، فما كان مقتصرا على حوارات النخبة وانشغالاتها بات اليوم شأنا مطروحا للتدوال على كل المستويات، وهو ما يفسر طبيعة الارتباك الذي يتركه هذا اللون من التدافع باتجاه منادمة أسئلة جديدة، نادرا ما كانت لتعرف طريقها إلى منتديات الناس ومجالسهم.

عبثا يحاول من يريد إرجاع الناس إلى دائرة الهدوء، إلى ذلك الحيز الذي كان مسيجا بالطمأنينة، وتلك الكائنات المأخوذة برغبة المشاكلة، فهذه الفضاءات المفتوحة هي تدريب على اكتشاف الاختلاف، والامتلاء به، وعلى إعادة تموضع الذات في عالم فائض بالتحولات، فإذا نسي فتيان الأمس أن لعقولهم أجنحة يطيرون بها، فلم يفردوها في سماء الأسئلة، فإن جيل اليوم عيناه مفتوحتان على جسور ممتدة بين السؤال والسؤال، وبذلك لن يكونوا صورة أخرى من صور الطائر الذي لا يطير.

وبس

_______

*من صفحته على الفيسبوك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×