ورشة فرص استثمارية تحاول استعادة قلب القطيف التجاري البلدية تستعرض المستقبل وتطلب مشاركة القطاع الخاص
القطيف: صُبرة
تصوير: حسين الهاشم
بعد العرض والمداخلات؛ ظهرت المشكلة، واتّضحت ملامح الحل، وارتسمت الوسيلة. القلب التجاري لمحافظة القطيف انتقل منها إلى مدينة الدمام، هذه هي المشكلة. والحلُّ هو استعادة هذا القلب إلى المحافظة. والوسيلة هي الاستثمارات. وعلى مدى ساعة ونصف الساعة من مساء البارحة؛ كان مدير إدارة الاستثمارات في البلدية محمد السنان ورئيس مجلس شباب الإعمال في المحافظة المهندس عبدالمحسن الفرج يتبادلان الأدوار، للتفكير بصوتٍ عالٍ أمام جمع من رجال الأعمال والمستثمرين، لتفعيل الشراكة بين البلدية والقطاع الخاص لصناعة الحلّ الاستراتيجي.
270 قطعة أرض
270 قطعة أرض تمتلكها البلدية، صُغراها بمساحة 40 متراً تصلح لمشروعٍ صغير مثل “كوفي شوب” مثالاً، وكُبراها 50 ألف متر مربع يمكن استثمارها في مشروع منتجع سياحي ضخم. هذا العدد الكبير من الأراضي سوف يُعرض للقطاع الخاص ليستثمر فيه. أراضي بحرية، وأخرى ريفية، وأخرى صحراوية، والمجال مفتوح للأفكار، كما عبّر رئيس المجلس البلدي المهندس شفيق آل سيف في وقت المداخلات.
لكن الأفكار الجاهزة طُرحت الليلة بشكل أوضح على لسان مدير استثمارات البلدية محمد السنان الذي عرض صوراً جوّية محددة للاستثمار. العرض الذي قدمه السنان حمل عنوان “خيارك الاستثماري الأمثل”، وقدّمه بـ 6 ميزات للاستثمار في “القطاع البلدي”.. هذه هي أنها “بعقود موحدة، وثابتة في الأسعار، وذات خدمة عن بُعد، ودعم للخدمات، وتنمية للمنطقة، وذات أنشطة متنوعة”.
موارد مشجعة
والمطروح هو مواقع كثيرة ومتنوعة ذات موارد متاحة في المحافظة، فهناك شاطيءٌ ساحلي بطول يُراوح بين 80 و 90 كيلومتر، وأراضٍ زراعية تقارب مساحتها 5775 هكتاراً، وبيئة بحرية ذات إنتاج سمكي، ومواقع تراثية، كما أن موقع المحافظة ممتاز بين الجبيل والدمام في منطقة وسطية، وفيها الكثير من الأنشطة المرتبطة بالمنتجات البترولية، وهناك الكثير من الأنشطة التجارية التي تتناسب والموقع الاستراتيجية للقطيف شرق المملكة، علاوة على دور المحافظة كمركز وطني.
وعلى هذا؛ فإن الفرص التي تطرحها البلدية خدمية سياحية مرتبطة بساحل الخليج، وخدمية مرتبطة بالكتلة السكانية الكثيفة، وأنشطة لوجستية (داعمة) مرتبطة بالصناعات ومنتجات المنطقة.
الأفكار الحقيقية
بعد هذه المقدمات العامة؛ تبلورت الأفكار بمسميات أكثر وضوحاً. السنان عرض الصور الجوية، ووضع إصبعه على المواقع، وسمّى الأشياء..
في جزيرة تاروت تظهر أندية اجتماعية، نادي مُلّاك يخوت، مارينا، مسرح، مناطق ترفيهية. هذا في الجزئين المحاذيين لبلدة “الزور”، جنوبياً وشمالاً. والجزئين المحاذيين لبلدة دارين شرقاً وجنوباً. أما في شاطيء سنابس؛ فهناك مساحات شاطئية يمكن استغلالها لمهرجانات كثيرة، مثل مهرجان الروبيان، السمك، الزهور، المنتجات الزراعية، المنتجات التراثيةـ المنتجات الشعبية للمدن السعودية ودول الخليج، مقاهي وجبات سريعة.
ولا يتوقف الخيال الاستثماري عند هذا الحد، هناك العشرات من الخيارات والأفكار التي يُمكن أن تحوّل جزيرة تاروت إلى جزيرة أحلام في مستقبلها الترفيهي. أندية بحرية، فنادق، مقاهٍ بلا حصر، حديقة مائية..
الصورتان التاليتان تكشفان أكثر:
وفي الجهة المقابلة من الشمال الغربي، حيث سيهات؛ يفرد التوقُّع جناحيه.. هناك دور عرض ومسارح ومقاهٍ، ومطعم رئيس، وصالة رياضية، ومدينة العاب مائية، مرسي مراكب مرتبط بلسان بحري.
في الصحراء
بعيداً عن البحر، وتحديداً في منطقة البدراني؛ تكشف خطة الاستثمار عن مواقع جديدة وخدمات جديدة.. يتركز معظمها في الخدمات اللوجستية، والنُّزُل، والمدارس العالمية، والمعاهد المتخصصة، والأسواق.. كلها أراضٍ جرداء الآن، وهي معروضة لمن يملك مالاً وشجاعة على المغامرة المحسوبة.. العرض أمام رجال أعمال، وهم أدرى بالفرص التي يمكن اقتناصها.
غرب الأوجام
العرض يتجه شمالاً، حيث غرب الأوجام.. هناك مساحات هائلة للاستثمار في الخدمات اللوجستية، والحظائر والصناعات الزراعية.
تتالى الصور الجوية المعلّمة بالمواقع التي تريد البلدية طرحها للاستثمار. صور من الجو، مليئة بأشكال هندسية متنوعة المساحات والمواقع. إنها كثيرة فعلاً، وتنتظر رؤوس الأموال الشجاعة. تقترب الصور الجوية أكثر، وتعرض فرصاً أوفر، وتُحرّك رغبة من يقرأ المستقبل ـ تجارياً واستثمارياً ـ ليجرّب حظه إذا أراد.
فرص جاهزة
لكنّ كل ذلك ليس إلا عرضاً عاماً لاستثمارات المستقل. العرض الأكثر واقعيةً هو الذي طرح فيه السنان “الفرص الاستثمارية المعلَن عنها”. إنها 10 فرص طرحتها البلدية للمنافسة فعلياً، وسوف تنتهي المدة المسموحة للتقديم عليها في الـ 26 من شهر ربيع الأول المقبل. عدّد العرض: حديقة المنار بصفوى تشغيلاً وصيانة، وحديقة الجوالة بسيهات، وإقامة وتشغيل منتجع سياحي بكورنيش حي الزهراء، وقرية شعبية بواجهة دارين البحرية، و 4 كوفي شوب في 4 أحياء، وسوق نفع عام بسيهات، ومحلات تجارية بعنك.. كلّ هذه الفرص ما زالت سانحة لمن لديه الرغبة.
وسط العوامية
السنان أفرد سلسلة من المعلومات خاصة بتطوير وسط العوامية. في المشروع مساحة استثمارية متاحة، في الجزء الخاص بـ “السوق المفتوح”. هناك سلسلة من المحلات التي سوف تطرحها البلدية للإيجار. والفرصة مفتوحة لمن يريد.
مداخلات
بقدر ما كان العرض مشوّقاً وماضياً في وضع تصور للمستقبل؛ كانت المداخلات جرئية.. أحد المداخلين تساءل عن شمال غرب القطيف، تحديداً أم الساهك وأبو معن وما حولهما ونصيبها من الفرص.. وكانت إجابة السنان واضحة، فهناك 30% من المساحات الاستثمارية تقع غرب القطيف. وأضاف ما معناه أن كل أرض تمتلكها البلدية سعت إلى الاستفادة منها في الأفكار الاستثمارية. وذلك يتوزع على مدن القطيف وقراها وهجرها.
قدرات تمويلية
عضو مجلس الشورى السابق الإعلامي محمد رضا نصر الله كان حاضراً، وطرح مداخلة واسعة الدلالات.. في البداية تساءل عن القدرات التمويلية لكل هذه المشاريع التي تنطوي على ممكنات استثمارية هائلة. وطرح أكثر من سؤال: أولها: هل هذه الاستثمارات خاصة برجال أعمال المحافظة، أم أنها تتسع لأوسع..؟ والسؤال الثاني: لماذا لا تذهب الاستراتيجية بعيداً لتحوّل القطيف إلى مقابل سياحي لمملكة البحرين. نصر الله أشار إلى موقع البحرين بوصفها جهة سياحية للكثيرين من السعوديين، والقطيف يمكن أن تكون جهة مقابلة لذلك. وتساءل أيضاً: لماذا لا تتبنّى الدولة مشروع جامعة وطنية يدرس فيها طلاب المملكة وتكون مكمّلة للتخصصات غير الموجودة في جامعة الملك فهد..؟
وحين جاء دور السنان للإجابة؛ قال إن هناك ضوابط للائحة الاستثمارات في العقارات البلدية. وفيما يخصّ توفير موقع لإنشاء جامعة؛ قال السنان إن البلدية لديها ما يشبه تفاهمات متعددة مع أطراف حكومية أخرى، بهدف عقد مقايضات لملكيات أراضٍ، وتوفير قطعة أرض بمساحة 500 ألف متر مربع لإنشاء جامعة أهلية عليها.
ثم عقّب رئيس المجلس البلدي المهندس شفيق آل سيف على سؤال نصر الله الخاص بالمستثمرين من داخل القطيف. وضرب مثالاً على طرح موضوع جزيرة الأسماك.. وقال إن المشروع لم يتقدم له أي من رجال الأعمال في القطيف، بل من خارجها.
وأضاف: كل مشروع تحدّنا فيه ملكيات الأراض.
مدينة أعمال
اتّسع النقاش في المداخلات، وتناول ملفّات كثيرة، بينها محجوزات أرامكو التي ما زالت مشكلة مستعصية على الحل، والاستثمار في الحدائق، ومشكلات المستثمر المبتدئء، وإنشاء شركات مساهمة مغلقة، وتفاصيل الاستثمار وعلاقته بالموقع المحيط به ومسؤولية المستثمر عن تطويره ضمن عقد الاستثمار، وحدود الامتداد السكاني والاستثماري المتوقع له أن يمتد إلى أبعد مما هو عليه الآن بكثير، ومخططات غرب الأوجام.
توسّع النقاش بين الحضور من جهة وبين السنان والفرج من جهة أخرى. ولكنّ محور كلّ ذلك؛ هو تحويل الأفكار إلى واقع. السنان عرض ما لدى البلدية، والحضور عرضوا ما لديهم، والفرج قال قبيل نهاية اللقاء: نريد تحويل القطيف من مدينة عمّال إلى مدينة أعمال.