جميلة السادة.. العفوية بنت القلب "مِنْ بعدك".. 67 مرثيّة نثرتها امرأة قوية
صفوى: صُبرة
الغائب الحاضر؛ هو ما يحوم في فلك 67 نصّاً نشرتها جميلة مرتضى السادة في “مِن بعدك”، الكتاب الصغير الصادر في 100 صفحة العام الماضي. الغائب الحاضر هو تسجيلٌ خاص، حاولت السادة أن تُرمِّزه من يومياتِ شغفٍ مسكون بـ “امرأة قوية”، في خطاب وجدانها المنثور في صفحات “مِن بعدك”..!
اللغة سهلة، لكنها مشحونةٌ به.. ذلك الذي تخاطبه “صوتك أكثر ما أشتاق.. لأن الصورة في كل مكان.. لكنّ صوتك.. في أذني فقط”.
خاطرة
هذا النوع من الكتابة ينتمي إلى ما يُعرَف بـ “الخاطرة”. هي فنٌّ لم يتبلور في مناهج النقد الحديث. لكنّ أثره ملموسٌ في إيحاءاته التي تبدو ذاتيةً في أعرض ما تبوح به. كتابة آتيةٌ من عفو القلب والروح، كتابة محبّرةٌ بشجنٍ خفيٍّ يخاف أن يُفصحَ عن كل شيء، فيقول بعض شيء، مُشيراً إلى شيءٍ ما:
كل الخطوات بلا هدف واضح
وبلا أثر واضح
كل الخطوات بين المشي والقفز
إلا الخطوات التي نمشيها مرغمين
إلى المقبرة
خطوة واضحة راسخة
في عمق التراب
رثاء
هذا رثاء تفضحه الكلمات، كلمات الخاطرة. الغائب يحضر هنا في إشارة، في إيماءة، في بعض حكم العقل المخلوط بوجد القلب.. القلب الذي يُفصح أكثر:
وجاء الكثير الكثير
من الوجوه
ولكني لم أرَ أحداً
ولم أكلم أحداً
ولم أسمع أحداً
ولم أصافح أحداً
وإن فعلتُ؛ فلم تكن تلك أنا..
لأنه بعدك
أليس هذا الوجد يُشبه ما عناه بهاء الدين زهير حين قال:
يعزُّ عليّ حين أديرُ عيني
أفتّش عن مكانكَ.. لا أراكا..؟
فقدٌ ملهِمٌ
الفقدُ هو ما يشغل “مِن بعدك”، من ألفه إلى يائه.. الفقد ملهمٌ بالتأكيد، والحزن ملهم أكثر.. إنه يستدعي كل شيء من الجانب الآخر من الوجع:
حتى صغيرتنا كانت تقول: أمي تقرأ الأفكار
لكن من بعدك
أقرأ نصف الجملة
ونصف الكلمة
وأنتظر..
أنتظر لتكملها
كنا طفلين أحمقين..!
حُمق طفلين
والطفولة حاضرة بكثافة وشجو:
نختلف لأننا كنا نريد الاتفاق
عندك 5 + 5 = 10
وأنا عندي
10 تساوي 1 + 9
وكأننا طفلان
نعرف أن طريقنا واحد
لكننا نمشي منفصلين
يوميات عشاق
ذلك من يوميّات الأزواج/ العشّاق. الفكرة بنت التأمّل، والوجع ابن الفقد، والكتاب ابن حالة من استعادة الأشياء، ومحاولة تركيبها في رفوف كلمات، رفوف متجاورة في ذاكرة مُتعَبة:
كأن فترة المساء التي نمتم فيها
لم تُحسَب
وأنكم لازلتم في الأمس
ودموعه وسبب بكائه
بهذا المعنى؛
أنا كلُّ أيامي أمس..!
الأمس الذي أخذ جميلة السادة إلى حدّ أن تحسمها بقسوة:
أنا صفّرت كل حساباتي
من بعدك
توقفتُ عن العطاء بحب