عن أهل العقد والحلّ في الطائفة 5] السعوديون الشيعة والتحوُّل الوطني
حبيب محمود
من أدبيات المشافهات والمُجالسات شبه الرائجة؛ ثمة من يشغله مفهوم “أهل الحلّ والعقد في الطائفة الشيعية” في المملكة. وبقدر ما في هذا المفهوم من مغالطات واقعية وفنّية؛ فإنه ينطوي، أيضاً، على فقر إدراك حادّ للتحوّل الوطني الماضي قطاره إلى ما لا يراه أنصار مفهوم “الطائفة” قبالة مفهوم “الدولة”..!
لأقف، قليلاً، عند ما أسمّيه “مغالطات واقعية وفنية”، لأن هذه المغالطات ـ في رأيي المتواضع ـ “امْشَبْرَكة اتْشِبْرُكْ” في واقع الطائفة، و “امْعَبْلَچَهْ اتْعِبْلِچ” في قاعدة المجتمع الشيعي نفسه. والمعنى أن الطائفة الشيعية ليست طائفة واحدة، بل طوائف تطفو صراعاتها وترسُبُ، بحسب ما يتموّج في الدورة الاجتماعية التي تعيشها.
لا داعيَ لتسمية الأشياء بأسمائها هنا، حتى لا يُقال “إثارة فتنة”، وقد قالها من قالها حين عجز عن النقاش.
إن واقعية الأمور الصعبة، أسّست وكرّست لصعوبة “فنية” في اختيار “أهل الحل والعقد”، من وسط “الطوائف” المتصارعة أصلاً.
إنني أدعو إلى البحث عن الصورة التي انتشرت في تشييع شهداء قرية الدالوة في الأحساء، قبل سنوات. ففي هذه الصورة الحزينة في مشهدها الأليم، صورة أخرى داخلها. شخصيات نحترمهم جداً، وقف كلّ منهم بمبعدةٍ عن شخصيات نحترمهم جداً أيضاً.
هذا المثال قد يُثير حساسيةً، وقد يكون سبباً في تجديد الاتهام بـ “إثارة الفتنة”. لكنّه تشخيص نراه واقعياً لمن يُريد أن “يخترع” علاجاً ليس سهلاً لواقع مؤسف في الطائفة نفسها..! وغالباً ما يكون التشخيص مؤلماً، ومرفوضاً وغير قابل للتصديق عند من لا يريد العلاج، إلا بفرض رأييه هو فقط..!
والسؤال هو: من يُمكنه تمثيل الطائفة ليُوصف ـ في الطائفة نفسها ـ بـ “أهل الحل والعقد” فيها..؟
إذا عامل أبناء الطائفة طائفتهم بصفتها “جزيرة”؛ فلن ينجحوا. لأن أولى بدَهيات خدمة الطائفة هي التفكير من خارج صندوق الطائفة. البديهة الناجعة هي في فهم واقع “الدولة” الآخذة في التحديث والتمدين ضمن تحوّل كبير؛ كل المواطنين واقعون تحت سقفه.
ما يخصُّ المواطنين الشيعة من ناحية الخصوصية المذهبية، محروزٌ ضمن التشريعات الوطنية، وليس في هاجس هذه التشريعات ولا الإجراءات ـ ولا الرؤية الواقفة وراءهما ـ أن يتغيّر الشيعة مذهبياً، أو يتوقفوا عن شعائرهم. لا الشيعة ولا غير الشيعة.
هاجس الدولة السعودية الحديثة؛ هو إيجاد قناة نظامية لكل مناشط الحياة فيها، والممارسات التي تمس حياة الناس ومصالحهم وحقوقهم وواجباتهم.
وهناك مثال بسيطٌ جداً، يمكن قياسه على أمور كثيرة في السعودية كلها.. مثال تراخيص مأذوني الأنكحة. فهذا التنظيم فُرض للحدّ من الفوضى في كل السعودية، وليس ضمن طائفة بعينها. لكنّ هناك من تذمّر منه، وكأنه إجراء خاص بأبناء الطائفة..!
الدولة تقول كلمتها كما تفعل كلّ دولة، لضمان الحقوق والواجبات أولاً، بصرف النظر عن أي تصنيف.
أولى بدهيات خدمة الطائفة هي التفكير من خارج الطائفة؟ تخترع فكرة أبعد ما تكون عن الصواب لتصوّب منهجك وتدعي أنها بدهية لتغطي على فكر القارئ.. بنفس المنطق: فلنفكر من خارج الدولة لكي نخدم الدولة!
البدهية الواقعية – وليتأمل كل قارئ قبل أن يسلم بكونها بدهية- هي أن العاقل الحكيم الحريص على مكوّنه الخاص يكُوْن أفضل في خدمة هذا المكوٍن الخاص – وركز على الحكيم-؛ لأن من هو خارج المكوّن فإنه على أفضل التقادير لا يحس بإحساس الانتماء للمكوّن، ولا يرى حرجا في محو هوية المكون أو جزء منها إذا تعارضت في تصوره مع ما يراه القيم والأهداف العليا..
وأما تباين آراء أهل الحل والعقد، فهذا يحصل في كل (أهل حل وعقد)، ويحصل ما هو أكثر منه.. لمن أراد أن يرى..