[مقال] أثير السادة: لماذا صفر..؟ لماذا مريم بنت عمران..؟
أثير السادة
شهر صفر يمر سريعا غير أنه كالعادة يأتي مثقلا بسور الحزن التي ترتلها روزنامة وسعت كل المحطات التي يقترحها الناس لاستعادة الذاكرة، يمشي الحزن إلى نهايته لكنه لا ينتهي، يخرج من باب ويدخل في باب، ليس صدفة أن يلصقه أهل هذا المكان بالنحوسة، فهم نسجوا له ثوبا أسود لا يغادر ذكريات الموت.
في الغد، سيضرب الناس موعدا آخر لمهرجانات الرثاء، ستعرفه هذه المرة من رائحة الشواء، حيث المواقد مهيأة لتقليب السمك المشوي في طقس جماعي يذكرنا بأن المشي هذه المرة باتجاه مريم بنت عمران، لا شموع ولا رايات بل صرة “ارويد” و”حندبان” تضاف إلى السمك في مائدة منذورة لقراءة الفاتحة على روح سيدة النساء التي ستحضر كثيرا في لحظة المقارنة والمساجلة في ترتيب أفضل النساء.
لا شيء يشير صراحة لماذا مريم بنت عمران، غير أنها تدرج ضمن ليال تضاء فيها القناديل على باب النبي يحي، وأبناء مسلم بن عقيل، وبينما ترسم النهايات الحزينة لهذين الأخرين تفاسير محتملة لاتصالها بروزنامة الحزن، وسيرة كربلاء، تبدو سيرة مريم محمولة على سرديات الزهد والكرامات الطويلة، والتي فتح النص القرآني لها الأفاق وهو يستدعيها بكثير من الحفاوة في آياته المباركات..
تحدثك الأمهات عن زمن بعيد كانت فيه مريم بنت عمران مناسبة في المآتم والقراءات، لكنها بقيت زمنا ضمن السرديات النسائية، أي أنها كانت ضمن اختصاص “العزية”، دون أن يمنع ذلك من وجود استثناءات في مآتم لا تغلق بابا على أي عنوان للرثاء..”قال صاحب الحديث” ..تلك هي العبارة التي يدوزن بها الراوي ما أمكنه جمعه من أقاصيص وحكايات عن سيرة مريم وزكريا وعيسى، عن سيرة البكاء في المحراب، والبكاء عند جذع النخلة، وبكاء الملائكة لبكاء عيسى في لحظة الفراق، والذي سينتهي إلى حوار بينهما من وراء القبر، حوار عن “مرارات الموت”.
سيتذكر الراوي فصولا من معاناة مريم مع قومها، وسيردد النسوة في “العزية” هذه السيرة المفتوحة على ذاكرة الزهد والمعاناة والكرامة وهن يجمعن بقعا من الضوء على ما يهبها الخلود، يبدأن بقراءة الحديث وينتهين برداديات كناي حزين، بها من حزن كربلاء وصورها المتخيلة الكثير الكثير، ليصبح هذا النشيج استمرارا لسيرة الحزن الذي يتناثر على روزنامة شهر تقرع فيه أجراس الموت أكثر من الحياة.