نظام المعاملات المدنية.. حقّ الإنسان وواجبه من الولادة إلى الوفاة 762 مادة تعزز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والقضائي
القطيف: صُبرة
762 مادة، تضمنها نظام المعاملات المدنية، تشرح ـ قانونياً ـ ما للإنسان الذي يعيش تحت نظام المملكة العربية السعودية من حقوق، وما عليه من واجبات، في معاملاته “المدنية”، منذ لحظة ولادته إلى لحظة وفاته.
النظام الجديد يُعدّ جزءاً من منظومة تطوير القضاء، واستكمالاً للتشريعات التي دأبت المملكة العربية السعودية على تحديثها، في ضوء الأسس التشريعية الشرعية، وعبر تعريفات وآليات عامة لكثير من الأنشطة البشرية، وهو ما يعزز الاستقرار التام في المجتمع السعودي، مدنياً واقتصادياً وقضائياً، ويجعل من النظام نقلة كبرى وغير مسبوقة، ترسخ الحقوق، وتعلي من شأن العدالة الناجزة بين الأفراد والمؤسسات، في مشهد مغاير، استهدفته رؤية 2030، منذ أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في صيف 2016.
ويحدد النظام، الذي أقره مجلس الوزراء (الثلاثاء الماضي) على وجه الدقة، الكثير من آليات التعامل في الأمور الحياتية اليومية للمواطنين والمقيمين وبيئة الأعمال، مستنداً إلى الشريعة الإسلامية، ومواكباً للتطورات الحديثة المعاصرة بما يتوافق مع أحكام الدولة ومبادئها وقيمها.
ومنذ الإعلان عن النظام، في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، وإلى اليوم، والتصريحات والتأكيدات تتوالى من المسؤولين والاختصاصيين، الذين تحدثوا عن قدرة النظام الجديد على إعادة صياغة الكثير من الأمور المدنية، ومعالجة الإشكاليات التي ظهرت في بعض التعاملات بين الناس، وهو ما دعا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى وصفه بأنه “نقلة كبرى منتظرة، ضمن منظومة التشريعات المتخصصة”، مضيفاً “روعي في إعداده الاستفادة من أحدث الاتجاهات القانونية، وأفضل الممارسات القضائية الدولية، في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها”.
المشروع
وتوزعت صفحات مشروع نظام المعاملات المدنية على 149 صفحة، مُتضمنة الكثير من الأنظمة التي تحدد مسارات العلاقات والحقوق في الأمور الحياتية أو التجارية أو القضائية، ويحوي النظام بنوداً وقوانين تعزز حماية الملكية، واستقرار العقود وحجيتها، وتحديد مصادر الحقوق والالتزامات وآثارها، ووضوح المراكز القانونية؛ ما ينعكس إيجاباً على بيئة الأعمال، ويزيد من جاذبيتها.
كما يسهم النظام أيضاً في تنظيم الحركة الاقتصادية، واستقرار الحقوق المالية، وتسهيل اتخاذ القرارات الاستثمارية، إضافة إلى تعزيز الشفافية.
التنبؤ بالأحكام
ويتفق الكثيرون على أن النظام يعزز من كفاءة تسوية المنازعات، وذلك بزيادة معدل التنبؤ بالأحكام، وسرعة الفصل في النزاعات، ويحفظ المراكز القانونية للأشخاص؛ لوجود قواعد موضوعية واضحة تحكم المنازعات التي تحدث بين المتعاقدين وغيرهم، بما يحقق الأمان القضائي لجميع الأطراف ويرفع ثقة المتعاملين ويرسخ مبادئ العدالة والنزاهة.
إبرام العقود
وبدأت مواد نظام المعاملات المدنية بتعريف بعض المسميات والمصطلحات، قبل أن يتناول الالتزامات (الحقوق الشخصية)، وإبرام العقود التجارية، وحدود الحقوق في تلك العقود، وفسخها، وآلية تحديد الضرر والتعويض، عنه، وأنظمة حجز المال في المشاريع التجارية، والحجر بسبب الدين، والذمة المالية، والإبراء، وعقود البيع، وأحكامه، وتفاصيل عقود المقايضة، والإيجار، والتزامات المؤجر، والمستأجر، وعقد الإعارة، وشروطه، وعقد المقاولة، والتزاماته، وشروطه، وصولاً إلى عقد الوكالة، وعقد الإيداع، والحراسة، والمشاركة، والمضاربة، والتأمين، والكفالة، قبل أن يتطرق النظام إلى الشفعة، وحق الانتفاع، وحق الوقف، وحقوق الارتفاق، وغيرها الكثير من الموضوعات.
تصرفات الصغير
وهنا ترصد “صُبرة” أبرز ما ورد في مسودة المشروع، والبداية من المادة الـ52، التي ركزت على تصرفات الصغير غير المميز، ووصفها بأنها “باطلة”، موضحاً أن “تصرفات الصغير المميز إذا كانت نافعةً نفعًا محضا فهي صحيحة، وإذا كانت ضارة ضررًا محضاً، فهي باطلة، وإذا كانت دائرة بين النفع والضرر، فهي صحيحة، ولوليه أو وصيه أو الصغير بعد بلوغه سن الرشد طلب إبطال العقد”.
وأضاف النظام “إذا أتم الصغير الـ13 من عمره، فلوليه أو وصيه أن يسلمه مقدارًا من ماله، ويأذن له في التصرفات المالية، ولا يبطل الإذن بموت الآذن أو عزله، وللمحكمة أن تأذن له في التصرف عند امتناع وليه أو وصيه عن الإذن”.
إرادة منفردة
وفي فصل بعنوان “التصرف بإراد منفردة”، تناولت المادة ال120 إشكالية الإعلان عن الجوائز للجمهور، وقالت المادة “من وجه للجمهور وعدًا بجائزة محددة على عمل معيَّن، التزم بإعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل وفقًا للشروط المعلنة، ولو كان قد قام به قبل الوعد أو دون النظر إليه”.
أما “إذا لم يحدد الواعد أجلاً للقيام بالعمل، جاز له الرجوع في وعده إذا أعلنه بالطريق الذي وجه به الوعد أو بإعلانه للكافة، ولا يؤثر رجوع الواعد في استحقاق من أتم العمل المطلوب قبل إعلان الرجوع”، مضيفاً “لا تُسمع دعوى المطالبة بالجائزة إذا انقضت 90 يوماً من تاريخ إعلان الرجوع أو انقضاء الأجل”.
الفعل الضار
وفي فصل بعنوان “الفعل الضار”، تناول النظام الأفعال الضارة الصادرة من الأشخاص، وقال قي المادة الـ126 “من أحدث ضررًا وهو في حالة دفاع مشروع عن نفس أو عرض أو مال، كان غير مسؤول على ألا يجاوز دفاعه القدر الضروري لدفع الاعتداء، وإلا كان ملزماً بالتعويض بالقدر الذي تراه المحكمة مناسبًا”.
أما “من أحدث ضررًا للغير، ليتفادى ضررًا أكبر محدقاً به أو بغيره، يكون ملزماً بالتعويض بالقدر الذي تراه المحكمة مناسبًا”.
وأضاف النظام في المادة 128 “لا يكون الشخص مسؤولاً إذا أثبت أن الضرر قد نشأ عن سبب لا يد له فيه، كقوة قاهرة أو فعل الغير أو فعل المتضرر”.
انعدام الأهلية
وتطرق نظام المعاملات المدنية إلى المسؤولية عن فعل الغير، وقال في المادة الـ131 “من وجبت عليه نظامًا أو اتفاقاً أو قضاءً رقابة شخص بسبب انعدام أهليته أو نقصانها لصغر سنه، أو قصور حالته الجسمية يكون مسؤولاً عن الضرر الذي أحدثه ذلك الشخص، إلا إذا أثبت متولي الرقابة أنه قد قام بواجب الرقابة بما ينبغي من العناية أو أن الضرر كان لابد من حدوثه، ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية”.
وأضاف النظام “يكون المتبوع مسؤولاً تجاه المتضرر عن الضرر الذي يحدثه تابعه بخطئه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، إذا كانت للمتبوع سلطة فعلية في رقابة التابع، وتوجيهه، ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه”.
الحجر على الآخرين
وفي “الحجر على الآخرين” حدد النظام الأسباب التي تستدعي الحجر، وقال في المادة الـ196 “يترتب على الحكم بالحجر أن يحل كل ما في ذمة المدين من ديون مؤجلة؛ ما لم يُتفق على خلاف ذلك”، موضحاً أن “للمحكمة بناءً على طلب المدين أن تحكم في مواجهة دائنيه بإبقاء الأجل متى كانت في ذلك مصلحة للدائن والمدين؛ ما لم يوجد اتفاق بين الطرفين على سقوط الأجل بالحجر”.
إسقاط الدعوى
ولم يتجاهل النظام، تفاصيل وشروط الدعاوى القضائية، وقال في المادة الـ299 “لا ينقضي الحق بمرور الزمن، ولكن لا تُسمع الدعوى به على المنكر بعد مرور 10 سنوات من استحقاق الحق، مع مراعاة الاستثناءات الواردة في النظام”.
واشترطت المادة الـ300 ” يتم ذلك دون إخلال بما تقضي به أحكام الأنظمة ذات الصلة، لا تُسمع الدعوى على المنكر بعد مرور 5 سنوات في الحقوق الآتية: أ- حقوق أصحاب المهن الحرة عما أدوه من عمل متصل بمهنهم وما أنفقوه من نفقة، الحقوق الدورية المتجددة، ويُستثنى من ذلك إذا كان الحق ريعًا في ذمة حائز سيء النية أو ريعاً واجبًا على ناظر الوقف، أداؤه للمستحق، فتُسمع الدعوى بشأنه ما لم تنقض 10 سنوات على نشوئه”.
البيع والشراء
وتناول النظام أيضاً البيع والشراء، وشروط كل منهما، وقال في المادة الـ366 “إذا باع شخص بلا إذن شيئاً معيناً بالذات، وهو لا يملكه، فللمشتري أن يطلب إبطال البيع، ولا ينفذ هذا البيع في حق المالك ولو أجاز المشتري العقد، وإذا أجاز المالك البيع نفذ في حقه”.
شروط الهبة
وفي فصل خاص عن الهبة، حدد النظام شروطاً كثيرة حولها، وآلية التعامل معها، وقال في المادة الـ387 “يجوز للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبل الموهوب له رد الموهوب، أما إذا لم يقبل الموهوب له رد الموهوب فللواهب أن يطلب ذلك من المحكمة في الحالات الآتية: إذا جعل الواهب لنفسه حق الرجوع في الهبة فى حالاتِ حددها يكون له فيها، وإذا كانت الهبة من أحد الوالدين لولده إذا وجد مسوّغ لذلك، وإذا كانت الهبة مشروطة صراحة أو ضمناً بالتزام على الموهوب له، وأخل به”.
الأرض الزراعية
وفي إيجار الأرض الزاعية، حدد بنود النظام شكل هذه الأرض، وطرق تأجيرها وشروط الإيجار، قائلة في المادة الـ452، و453 “يصح إيجار الأرض الزراعية مع تعيين ما يزرع فيها أو تخيير المستأجر أن يزرع ما شاء فيها، ولا يصح إيجار الأرض الزراعية إيجارًا منجزًا وهي مشغولة بزرع لغير المستأجر لم يبلغ حصاده، وكان مزروعًا بحق، فإن كان الزرع بلغ حصاده أو كان مزروعاً بغير حق، صح إيجار الأرض، ولزم صاحب الزرع إزالته”.
عقد المقاولة
وحظي عقد المقاولة في النظام بالكثير من المواد التي ركزت على حق العميل، وحق المقاول في العقد. وأوضح النظام في المادة الـ477 “إذا كان محل عقد المقاولة، إقامة مبان أو منشآت ثابتة، فإن المقاول يضمن تعويض صاحب العمل عما يحدث خلال 10 سنوات من تاريخ التسليم من تهدم كلي أو جزئي في محل العقد، وعن كل عيب يهدد متانة البناء وسلامته، ولو كان ذلك ناشئًا عَن عيب في الأرض أو رضي صاحب العمل بإقامة المباني أو المنشآت المعيبة”.
وبالإمكان الاطلاع على النظام كاملاً بعد نشره في جريدة “أم القرى” الرسمية، عبر الوصلة التالية:
https://www.uqn.gov.sa/