1] السعوديون الشيعة والتحوُّل الوطني

حبيب محمود

حين صرّح ولي العهد، قبل سنوات، مشخّصاً مفاعيل التطرُّف خلال الأعوام الأربعين الماضية؛ فإنه كان يضع قراءة ليس للماضي فحسب؛ بل للمستقبل السعودي القادم. وهي ليست مجرّد قراءة نظرية نقدية، بلا فعل وطني عملي على أرض الواقع.

عملياً؛ صرنا شهوداً على الفعل الوطني الشامل حرفياً، أولاً بتجفيف منابع التطرف والإرهاب، وثانياً بمنظومة تشريعات واسعة، وثالثاً بتطبيق آليات تفصيلية لإجراءات “الدولة”. وربما نقول رابعاً وخامساً، وربما نصل إلى عشرين. وخلاصة ما حدث ـ ويحدث ـ في المملكة العربية السعودية؛ هو تحوُّل حرفي نحو سعودية جديدة “تطوي كشحاً” عمّا مضى، في طريق الآتي الوطني.

ونحن الآن، ومعنا جيل الشباب، شهودٌ على ما كنّا نظنُّه محالاً، وفي أحسن التقديرات صعباً. إلا أن منابع التطرف والإرهاب تجفّفت حقيقة، واللغات المؤدلجة اختفت، والسلوك القائم على النعرة والعصبية والتحزُّب لم يعد له وجود في واقع الناس.

وحين نضع المواطنين الشيعة، في سياق ما تغيّر وتحوَّل، فإن عيوننا لم تعد “تتفنجل” أمام شحنات الطائفية والمذهبية التي كانت ذات انتشار إلكترونيّ محفوف ببركات أصحاب الإحن والعصبيات. وبصراحة أوضح؛ يكاد يكون المحتوى المُسيء إلى المواطنين الشيعية “صفراً”، إن لم يكن “صفراً” بالفعل.

وذلك لم يتحقق لأن الدولة وضعت عنواناً مفاده “أوقفوا الإساءة إلى الشيعة”. بل وسّعت العنوان ليكون مصداقه وطنياً شاملاً، لكلّ تمثّلات الإساءات المذهبية والإقليمية والعرقية والمناطقية. كلُّ ذلك جُرِّمَ تشريعاً وتطبيقاً. وعلى ذلك؛ اختفت أدبيات العوامّ المتعالية، لتكون “المواطَنة” هي المعيار الأوحد الذي يحكم الناس.. لا شيء آخر.

وهذا التحوُّل التشريعي والتنفيذي؛ لم يقتصر على العصبيات الضيقة وحدها. بل التصق بمفاصل “الدولة”، فما يصدر من تشريع؛ يصدر باسم “الدولة”، وما يُؤدّى من تنفيذ؛ يؤدّى باسم “الدولة”. ومن هنا؛ يتحتّم علينا ـ بوصفنا مواطنين ـ أن نتجدّد مع ما يتجدّد على الأرض، تأسيساً على كوننا “مواطنين في دولة”، وليس على أساس تفكير “شيعة في دولة”. فالتفكير الأخير؛ أصبح من التاريخ، حقّاً وحقيقة.

جزءٌ من مأزق المواطنين الشيعة، في مرحلتنا الراهنة، هو البقاء في التاريخ، وسحب اللاحق على السابق، على الرغم من أن كلّ شيء ـ تقريباً ـ ماضٍ نحو “الدولة المدنية”، وهذه الدولة أعلنت عن نفسها وكرّست مفاهيم الرؤية الجديدة؛ وليس في حساباتها إلى مَ تنتمي مذهبياً أو عرقياً أو مناطقياً..؟

رؤيتها من أنت؟ وما هي كفاءتك؟ وماذا يمكن أن تقدم لنفسك ومجتمعك ووطنك؟

للحديث صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×