الحزن موجع عليك ياوصفية السليس

ليلى العوامي

نعم اليوم اكتسى بالسواد حينما سمعنا بالخبر “إلى رحمة الله الحاجة المعلمة وصفية حسن السليس”..!

لماذا يا صديقتي؟

لماذا اخترتِ الرحيل..؟، ونحن ننتظرك بشغف لتعودي إلينا تلك الوردة التي يفوح شذاها طيباً في الأرجاء. لماذا ودعتنا بضمير الغائب المستتر..؟

نحن لم نشبع منك ومن ضحكاتك، وطيبة قلبك.

يا ترى ما حال عبدالله وفاطمة وزهراء بعدك اليوم؟!

وصفية.. لها من اسمها نصيب كبير، وأكثر. أوصاف من الطيبة لا تُعد، ولا تحصى.

عرفتها منذ سنوات كثيرة، شاركتني مقاعد التصحيح في الثانوية العامة، كُنا صحبة، وبعدها شاركتني مقاعد التحكيم في مسابقة تحدي القراءة العربي، ومناسبات الاحتفاء باللغة العربية. في كل محفل تلقاها متأنقة لطيفة خفيفة الظل لا يشبع منها الجالس معها، ولا من حديثها. كما شاركتني التدريب على برنامج القدرات.

دائماً ما كانت تناديني “لَيلَوْهْ”.. آه أسمي جميل على لسانها. عملنا سوياً ولم يُفرِقُنا إلا مرضها.. والآن الموت.

أتذكر قبل مرضها ودخولها المستشفى؛ كنا في اجتماع عمل في منزلها، وأثناء الحديث أردتُ تصوير شيء فقالت لي “لا.. تعالي داخل منزلي، وخذي ركناً، وصوري حتى تكون الصور جميلة.. عاد لا تفشلينا”. دخلت تلك الصالة؛ فعلاً هو منزل وصفية الأنيقة.

لم تكن تبخل يوماً على مسكين أو يتيم، وهذا قد لا يعرفه بعضنا، ولكني اليومَ أصرّح به.

كانت كثيراً ما تسألني: “ليلى تعرفي فقراء؟ تعرفي أيتام؟”. لا تتركهم توليهم الاهتمام؛ لا تحب أن يراها أحد أو يعرف عنها أحد شيئاً من هذا العمل.

وفي الاجتماعات كانت لا تأتي إلا بطعامها فاكهة مميزة، وسلطة ذات ألوان زاهية، مثل روحها المشرقة.

حتى أنني تعلمت منها كيف أعتني بسلطة عائلتي، كنت أذا صنعت السلطة أقول “هذه سلطة وصفية منها تعلمت كيف أصنعها”.

اليومَ ومع خبر رحيلها؛ عدت إلى منزلي باكية، فتحت محادثاتي معها في “واتساب”، منذ أكثر من عامين إلى آخر ما كتبته لي: “ليلوه تبغين سلطة بكره..؟” هي تعرف طعامها يروق لي وأحب تناوله.

عامان ونصف كل يوم يمر علينا، ولا نسمع فيه صوتها، وحينما نسمع أنها بخير نتبادل تباشير الخبر مع بعضنا “أنا والأستاذة كفاح المطر وسوسن أوخيك وجميلة العبيدي ونزيهه الشبيني”  .

مواقف كثيرة لا أنساها. كان منزلها مفتوحاً لنا في اجتماعاتنا.. مضيافة مُرحِبةٌ.. قلبها الطيب يتسع للجميع، ولم تتعتّب يوماً على أحد ولم تكره أحداً.

أتذكر في إحدى المرات كنا في الثانوية الثالثة بالقطيف أثناء التحكيم في مسابقة تحدي القراءة..  تحدثت معها إحدى الزميلات بأسلوب كان قاسياً.. نظرت إليها، ثم ابتسمت. خرجنا نحو غرفة التحكيم؛ فسألتها: ألم تتضايقي..؟ فكان ردها “أهو ويش ماخدين من هالدنيا”.. عدنا إلى مقاعدنا ونسيت كل شيء.

هكذا كانت وصفية، فمن لم يعرفها خسر، ولا أظن أن هناك من لا يعرفها بل من لم يبكِ اليوم على رحيلها.. فكل من التقى بها اليوم توشح إما بالسواد أو جلس صامتاً يراجع شريط ذكريات جميلة معها.

مدارس البنات وصديقات الطفولة وأهل بيتها جميعهم اليوم ذاهلون، يدعون لها بالرحمة والمغفرة. اللهم لا اعتراض، ولكن هي النفس إذا شعرت بالألم للحظة..

اللهم رحمتك.

تعليق واحد

  1. الى رحمة الله ورضوانه معلمتي الغالية المعلمة المربية التي لم تؤد يومًا أحدًا بل كانت خير معلمة ومربية عشنا معها اجمل الايام ما اجمل مقاعد الدراسة معها وهي تشرح قواعد النحو والبلاغة والادب ااااااااه لم اتوقع يوما ان اسمع هذا الخبر وقبل فترة بسيطة كنت اسال عن اخبارها وسمعت خبر مرضها نزل على راسي كالصاعقة واليوم خبر رحيلها بعد انتهائي من ورشة عن اللغة العربية اللغة التي احببتها من خلالها واصبحت بعد معلمة لغة عربية اتمنى ان اصبح مثلها بروحها باخلاقها بابتسامتها بتعاملها بكل شي رحمك الله رحمة الابرار الاخيار

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×