#الحرب_على_المخدرات.. موت الضمير في نفثة دخان

القطيف: شذى المرزوق

من خلف جدران أحد مراكز التأهيل والعلاج من اضطرابات الإدمان؛ يروي الشاب “م. أ” قصة نجاته من الموت بسبب جرعة زائدة، ودخوله للعلاج بعد سنوات من الإنزلاق في درب المخدرات، التي بدأها في عمر صغير جداً، وتحديداً في مرحلة الناشئة من سنوات الدراسة المتوسطة.

نفثة دخان

استعاد الشاب الذي لا يزال مستمراً في رحلة التعافي ذكرى أول نفثة دخان خرجت من صدره وهو بعمر الـ 13 عاماً، ويقول “كانت سيجارة دخان عادية، ولكنها أول تجربة شعرت فيها بالقوة والثقة، شعور غريب كاذب راودني حينها بالاستقلالية، والتحدي، وحتى مع لحظات وخز الضمير والشعور بالندم، كنت استبعد الشعور وأكمل مستمراً في التدخين، حتى أصبحت أدخن بشكل كبير”.

فضول المراهقين

ويضيف م . أ “كنت أحاول استكشاف كل ما يحيط بي وأجرب ما تراه عيني، ولا أعلم هل هذا بسبب سن المراهقة، أم أنني كنت مختلفاً و نسبة الفضول لدي أعلى ممن هم في سني، و يوماً ما؛ رأيت أحد زملاء الدراسة يتناول بعض الحبوب، وبعد عدة دقائق تفاجأت بتغير أسلوبه وسلوكه، فقد كان مرحاً يضحك بسعادة وفي حالة نفسية رائعة، ومع ذلك لديه قوة تركيز عالية، وحين سألته ما هذه الحبوب التي تناولتها،
أخبرني أنها حبوب تساعده على التركيز، وتجعل مزاجه صافياً لا تعكره متطلبات اليوم، بل يساعده على استذكار دروسه بتركيز أعلى”.

خدعة سحرية

واسترجع “عدت لمنزلي في هذا اليوم وكلي تساؤل هل فعلاً ما يقوله صحيح؟، هل يوجد شيء يرفع من الصفاء المزاجي، والقدرة على التركيز العالي؟، هذا ما أبحث عنه أصلاً، وهذا هو السحر ذاته، 
وفي اليوم الثاني، كنت قد عزمت على أن أسأله عن بعض الأشياء تمهيداً لتجربتي الأولى، فقد كنت قد قرأت أن هذه الحبوب تعتبر مخدرات، و بيني وبين نفسي فكرت إن كانت مخدرات فلن أتناولها، 
وعندما رأيته، عاجلته بسؤالي هل هذه الحبوب مخدرات؟
 فابتسم وقال لي مخدرات ماذا؟، هذه فقط حبوب تساعد على التركيز، فسألته هل معك شيء منها حتى أجربها؟”.

خطوات نحو الجحيم


واستدرك “طلبت منه هذا الطلب وكأنني أسير وأنا نائم، بدافع فضولي الشديد وخيالي الكبير الذي أوهمني بأن هذه الحبوب ربما تصل بي لما أريده من تركيز ومن راحة نفسية، 
وقد كان، فأعطاني قرصين، وقال مبتسماً جرب واحدة فإن أعجبتك خذ الثانية هدية لك مني فشكرته ومضيت للمنزل.”

ولفت يشرح شعوره “في كل خطوة نحو منزلي كنت أخرج هذه الحبوب ثم أعيدها لجيبي مرتاباً، هل هو صادق فعلاً؟ وأنظر لها متسائلاً هل أنت مخدرات أم شيء فعلاً يساعد على التركيز؟ شعرت أنها خطوات طويلة تسارعت فيها نبضاتي، بين قلق وفضول، إثارة وخوف.”

بداية القصة المؤلمة

“وصلت منزلي، الذي كان خالياً من الأهل فقد خرجوا لزيارة بعض الأقارب، و بدون مجال آخر للتفكير ذهبت للمطبخ بسرعة، وملأت كوباً من الماء وبلعت أول قرص، وذهبت لغرفتي لتبديل ملابسي، ثم أمسكت كتاباً أتصفحه، وشيئاً فشيئاً وجدت أن ألوان الكتاب تزداد تألقاً في عيني، والكلمات شديدة الوضوح، تملكني إحساس بالقوة والتركيز، و إنني أستطيع فعل الكثير والكثير، فجعلني هذا الإحساس أشعر بكمية سعادة غامرة، وقلت لنفسي هذا ما كنت أبحث عنه فعلاً وهكذا، بدأت القصة المؤلمة”.

نحو الهاوية

وأشار “بعد استخدام الحبوب لمدة أطول وصلت لمرحلة لا يهمني سوى توفيرها مهما كان، لم يعد يكفيني قرصاً أو إثنين حتى أصل لمرحلة النشوة الأولى، فعدت لصديقي صاحب فكرة الأقراص ماذا أفعل حتى يزيد تأثيرها؟، فنصحني بأن أدخن القليل من الماريجوانا، مع تعاطي هذه الأقراص، وبالفعل كان هذا المزيج يشعرني بنشوة من نوع آخر، ثم بدأ الأمر يتحول لاعتمادية على هذه المواد.”

وأضاف “تدرجت من مادة لأخرى، ووصلت لمرحلة مؤلمة، حيث قمت بتجربة كل ما تقع عليه يدي من أنواع المخدرات، حتى أصبحت شغلي الشاغل، فأهملت دراستي، وخرجت لسوق العمل ظناً مني أنني أفعل الصواب، ولكن كل ما حدث هو أنني انغمست أكثر في إدمان المخدرات، حتى خسرت عملي، وأسرتي وأصبحت وحيداً، كل همي أن أجد جرعة المخدر حتى أستطيع إكمال يومي.”

قريباً من الموت

وتابع “بعد أن وجدت نفسي ضائعاً تائهاً متخبطاً في ذاتي، نصحني قريب لي وأخذ يحدثني عن علاج لإدماني، ولكنني كنت مقتنعاً أنني غير مدمن للمخدرات، فأنا استطيع التحكم، ومتى أردت أن اتوقف سأفعل.”

واستدرك “كنت أكذب عليه وعلى نفسي، حتى جاء اليوم الذي كادت روحي أن تفارق جسدي، فقد تعاطيت جرعة زائدة وتم نقلي لأحد المستشفيات، حينها قررت أسرتي إدخالي أحد مراكز علاج الإدمان، وكان هذا أهم قرار وأهم موقف قام به أحد من أجلي في كل حياتي، وها أنا أتعافى وأحاول أن أعيش حياة نظيفة، بعيدة عن كل ما يذهب عقلي وفكري.”

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×