فن الفيديو.. الجماليات البصرية المتغيرة بحث يقدّم جوانب التأثير والتأثر بفن الفيديو في التجارب التشكيلية العربية والخليجية
الدمام: صُبرة
“إن التعبير الفني بالصورة والحركة والفيديو يعتبر من ميزات المرحلة المعاصرة من التطور التكنولوجي وتقنياته وأصنافه فمن الفيلم الطويل ظهر الفيلم القصير في عوالم السينما التي تعكس الحبكة والصورة والحكاية والقصة المحكية بصريا وهذا التطور نفسه أحالنا على عدة أصناف تعبيرية اعتمدت الصورة والفيديو في الفنون التشكيلية التي واكبت هذا التطور، ما جعلنا نقع على أنماط فنية جديدة ومعاصرة اتخذت من الصورة والفيلم فكرة ومحملا فنيا سمي الفيديو آرت أو فن الفيديو الذي صاغ رؤية فنية اقتحمت مجال الفنون البصرية والتشكيلية المعاصرة فحمل أسلوبا وصورة وتقنية الكاميرا والتصوير والإخراج والمونتاج والأداء والتركيب باختلاف تصنيفاته وقد شهدت الساحة الفنية العالمية والعربية والخليجية بالتحديد إقبالا على هذا النمط الفني وهو ما دفعني للخوض فيه ومعرفته والبحث عن تاريخه وانتشاره ومحاولة فهم وقراءة بعض التجارب وبالتالي معرفة إيجابيات التعبير بالفيديو آرت ونقائصه خصوصا في التجارب الخليجية وجمعها في كتاب فن الفيديو الجماليات البصرية المتغيرة”.
بهذه الكلمات حاول الكاتب والإعلامي السعودي يوسف الحربي اطلاعنا على فكرة محتوى كتابه القيم والعميق في البحث والتسلسل المعرفي والتعريفي “فن الفيديو: الجماليات البصرية المتغيرة التأثر والتأثير في التجربة العربية والخليجية” الذي صدر مؤخرا عن جمعية الثقافة والفنون في الدمام والذي يعتبر البحث الأول للكاتب بعد سلسلة مقالات مختصة في الفنون التشكيلية والبصرية المعاصرة التي اهتمت بالخصوص بهذا الفن “فن الفيديو”.
هذا الكتاب يعتبر مرجعا ضروريا يضاف للمكتبة العربية التي هي في حاجة لمعرفة الفنون المعاصرة والتوجهات الجديدة في الفنون البصرية بتجاربها وقراءاتها ونقدها الذي ينبش تفاصيل تعبر عن واقع ووجود وحضور انساني ارتقى بالتعبير الفني فقد حاول في 192 صفحة أن يتجول بنا دون أن نشعر بالملل بين ثنايا التاريخ والجغرافيا التي منها بدأ فن الفيديو كفكرة وانتشر ليصل إلى منطقة الخليج كإنجاز لتجارب باتت لها كلمتها في الفنون المعاصرة حيث انتشرت عالميا.
فقد قسم الحربي كتابه على أربعة محاور لم نشعر للحظة بخلل التقسيم ولا بانفصال الفكرة ونحن نتناولها فصلا فصلا وكأننا بدورنا نتابعها في شريط يسرح بمخيلتنا الذهنية ضمن فيديو منسق الترتيب برؤى بصرية منيرة، فقد توزعت المحاور على فن الفيديو بدأ بتاريخ الظهور أسباب الانتشار وأهم الرواد في العالم، وصولا إلى فن الفيديو والفن التشكيلي من حيث أساليب التعبير والمقارنات وفن الفيديو وأنواعه، وظهور فن الفيديو في المنطقة العربية من التأثر والتأثير إلى المعارض والانتشار مع طرح إشكاليات العرض وما بعد العرض وتسليط الضوء على بينالي الشارقة صاحب الريادة في التعريف بالفنون المعاصرة وفن الفيديو مع تقديم قراءة لتجارب أسماء خليجية، من ممارسي الفيديو ارت وممن لهم مشاركات محلية وخليجية وعالمية، التي اعتمدت هذا الفن ومدى تأثيرها على الحركة الفنية في المنطقة.
والمميز في هذا العمل أنه جمع بين البحث التاريخي والعلمي الذي تماهى بين جانبين دون أن يُشعر القارئ أنه أمام كتاب أكاديمي فقد اجتهد الحربي كي تكون لغته مبسطة والمصطلحات مفسرة بشكل يسهّل على كل من يطلع على الكتاب من أن يكتسب معرفة وإضافة ويخرج بفائدة وبحث ومعلومة.
كما قدّم أطروحة نقدية بنّاءة واكبت الفنون المعاصرة في منطقة الخليج العربي وحمّلتها القراءة العلمية للمحتوى كما أشفعتها ببحث في النقائص والصعوبات والثغرات ومختلف الجوانب التي قد تخرج العمل من سياقاته الفنية التشكيلية البصرية وهو ما يفيد التجارب ويطور الإنجاز ويرتقي بالتعبيرات الفنية.
ويعبر الحربي عن استنتاجاته النقدية في كتابه بقوله “للتطور بهذا الفن المعاصر لا يمكن إغفال أن الأعمال في مجمل تناولاتها لا تحمل تعقيدات الإبهار بالمحتوى العميق المطروح والدهشة المثيرة وفق أسس صاخبة لتحاول بفنياتها وبعلاماتها البصرية أن تنبش الجمود والكلاسيكية والرجعية الفكرية أو أن تفتح أفقًا يحسن الذائقة وأن لا تضع المتلقي في اليأس المزعج وأن تساعده في البحث، خاصة وأن المشاهد تعوّد أن يتقبل الأعمال التصويرية في الفيديو كمنتج استهلاكي وتعوّد أن يحمل عن الفن التشكيلي فكرة الفعل الغامض والتعقيدي فمحاولة الفنان أن يتخطى جانب التسلية المكشوفة والمتاحة نحو عمق الفهم والإثارة التي تطال الفكر والإحساس تحتاج أكثر مرونة في تسريب الرمزي والإثارة الداخلية للحواس دون تحسيس المشاهد والمتلقي أن الفن يقع في برج عاجي ولا يلامس الواقع والوجود، خاصة وأن مفهوم الفن المعاصر خرج بالفنون من النخبوية إلى الشعبية.”
إن هذا الكتاب يقدّم بحثا جديا جمع النظري والتطبيقي وبحث في خصوصية هذا الفن رغم ندرة المراجع العربية جمع الحربي كل ما كتب من مقالات في هذا المجال وكل ما كُتب ليكوّن مجموعة مراجع مكتوبة مسموعة وبصرية دمجها وانتقاها ليكسب بحثه الخصوصية التي تفتح الباب أمام الشغوفين والباحثين والمهتمين بهذا الفن.
ويُعدّ يوسف الحربي “بكالوريوس تربية فنية”، أحد الكتّاب الناشطين في المجال الفني البصري إعلاميًّا من خلال النشر الإلكتروني والورقي الخليجي والمحلي، ورأس عدة لجان إعلامية في عدة مهرجانات فنية وثقافية، يشغل حالياً مدير جمعية الثقافة والفنون في الدمام.
من المقدمة |
ثمرة جهد وبحث وفرصة لمعرفة هذا المجال، خاصة وأن الكتاب لم يقتصر على السرد التاريخي فحسب، وإنما اعتمد الأسلوب العلمي عن فن الفيديو وتقنياته وأساليبه في التعبير وعلاقته بالتكنولوجيا، فالكتاب مزج بين التاريخ والعلم على مستوى العالم ككل والمنطقة العربية بوجه الخصوص، فالفيديو والاهتمام البصري في الآونة الأخيرة متجسدًا في مجال السينما والتصوير قدم لنا مدى قدرة وكفاءة شبابنا الخليجي على المنافسة في المهرجانات الدولية من خلال تقديم أفلام روائية طويلة أو قصيرة ذات جودة عالية حصدوا بسببها العديد من الجوائز الدولية.
لم يكتف الكاتب بهذا العرض فقط، إنما طرح في هذا الكتاب الإشكاليات التي تعنيه كفنان تشكيلي، موضحا الاهتمام الفني من قبل الفنانين التشكيليين ودخولهم المجال البصري عبر الصورة والفيديو ومتابعة الحركة الفنية الحديثة العالمية مسلطا الضوء على النقائص والمعوقات بالإضافة الى تطرقه للحركة النقدية وعرض الإشكاليات التي تحاول أن تقصي هذا الفن من الحركة الفنية التشكيلية، وبالتالي أراد الكاتب في هذا البحث النهوض بفكرة هذا الفن الذي اقتحم الساحة التشكيلية وأصبح حضوره ضرورة تعبيرية تواكب الحداثة والتكنولوجيا، وتعبر عن طموحات جيل وأحد منافذ التعبير والتواصل مع العالم”.
الشيخة انتصار سالم العلي الصباح