[مقال] أثير السادة: السيف الأخير وهامش للمشي الحر والسباحة
أثير السادة* |
خرجت المراكب من هذا المرفأ الصغير، ومازال الماء محافظا على وعوده المقمرة، يتقدم مسافات ليغطي اليابسة في انتصاف الشهر ومطلعه، والنوارس تسع السماء بأجنحتها وهي تحلق في أول الفجر، البحر هو البحر، يتقلب في مده وجزره، والناس هم الناس، يحبونه ويخافونه في آن معا.
لم يعد للناس من هذا الساحل الممتد الطويل إلا فسحة النظر، وصورة الأسياف التي تداعب خطوات العابرين ببرودتها تضاءلت حد الزوال، فكل شيء يجري هندسته ليكون مصدات للأمواج لا أكثر، أو مجالس مقيدة الأبعاد للجلوس والركض اليومي..شواطئ مكتظة بالعناوين إلا عنوان السيف الذي يهبك الاقتراب والتلذذ ببرودة الماء، كما يهبك حصة للغوص والسباحة في جنباته.
علموا أولادكم الخوف من البحر..هذه هي المهارة التي يراد للجيل الجديد أن يمتكلها في علاقته مع الماء، لفرط التحذير الدائم والمنع المستمر لطقوس السباحة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، فبدلا من تهيئة المكان لتشجيع رياضة السباحة على الشواطئ يختصر المسئول لحظة التفكير ليقرر سريعا بأن المنع أضمن لسلامة الناس، ليس هنالك من رؤية لجعل السباحة قرينا للبحر، إلا تلك الاستثمارية التي تجعل من أحلام السباحة شأنا مكلفا بجعلها متاحة فقط عبر المنتجعات أو برك الفنادق.
لماذا لا يصار إلى تحويل هذا السيف الأخير على أطراف صفوى إلى هامش للسباحة، للنزهة، للمشي الحر على أطراف السيف، ما الذي يمنع من أن تستعيد الأسياف صورتها الأولى، فلننسى الخوف قليلا ونتذكر حرصنا على تعليم الأبناء فروض السباحة، ونفتح كل الأبواب لتشجيعها، فهي مهارة ورياضة للحياة، وهي قبل كل ذلك من صور الأماكن المطلة على الساحل، فمن دونها تبدو العلاقة مع البحر محمولة على الارتباك!.
هذا لا يعني أننا نريد أن نهب البحر قرابين جديدة، بل حياة بديلة، يكتشف من خلالها الإنسان علاقة جديدة مع ملوحته التي رسمت صورنا، وذاكرة آبائنا، قبل أن يصبح البحر بعيدا جدا من وجداننا وهو الذي يبعد أكثر وأكثر من حدود بيوتاتنا.