مُحررة “صُبرة” جود الشقاق تتبرّع بقطعة من كبدها لرضيع من القديح ابنة "التويثير أحبت القطيف وسعت إلى كسب شاب أخاً.. فكسبت الطفل ابناً

لأنها آمنت إيماناً قاطعاً؛ بأن على المجتمع أن يحمل موضوع التبرُّع بالأعضاء على محمل العطاء الإنساني؛ سعت إلى التبرع بجزء من كبدها لمن يحتاج.

فشلت الزميلة جود الشقاق في المرة الأولى حين حاولت التبرع لشاب من مدينة صفوى. لكنّها نجحت في المرة الثانية مع رضيع من بلدة القديح.

الشابّة “الحساوية” القادمة من قرية “التويثير”؛ تزوجت في سيهات، وعملت في “الجش”، وأحبّت القطيف أهلاً وأحبة. وقدّمت ما يمكن تقديمه من جسدها لرضيع لا تعرف شيئاً عنه؛ سوى أنه إنسان في حاجة إلى مساعدة.

ويأتي نشر “صُبرة” لقصة الزميلة جود الشقاق، ليس مبازاة ولا مفاخرة، ولا استعراضاً.. فالزميلة ـ نفسها ـ لم تكن مقتنعة بالنشر أصلاً، لكنّ الرسالة التي قدّمتها هي أساس إصرار إدارة الصحيفة على الزميلة بالموافقة على نشر قصتها..

إنها رسالة التبرع بالأعضاء التي يجب أن نحملها جميعاً على محمل المسؤولية الوطنية والإنسانية.

القطيف: أمل سعيد

قبل قرابة شهرين، وأثناء اجتماع روتيني لفريق صحيفة “صُبرة” طلبت الاجتماع بإدارة الصحيفة في شأن خاص. وحين تحدّثت في الاجتماع الخاص؛ لم يكن الأمر الخاص إلا توصية منها بالاهتمام بموضوع شاب اسمه “حسين” سبق أن نشرت الصحيفة موضوع احتياجه ـ بصورة عاجلة ـ لمتبرع بالكبد.

الشاب الذي ما زال في حاجة ماسّة إلى الآن؛ لم يحصل على متبرع بسبب عدم ملاءمة من تقدم من المتبرعين. وبعد تداول الكلام عرفت إدارة الصحية أن الزميلة لديها فصيلة دم الشاب نفسها، وقد تقدمت للتبرع إليه، إلا أنها رُفضت بعد قطع شوط طويل من الفحوصات..

تحدثت الزميلة بحزن شديد، وإلحاح على إعادة نشر موضوع الشاب العشريني.. وكانت تأمل في مساعدته بقطعة من كبدها. وقد وعدتها إدارة الصحيفة بالاهتمام بالموضوع، في حال استجاب أهل الشاب لإعادة النشر.. وهو ما لم نتمكن من إنجازه لأسباب تتعلق بعائلة الشاب نفسه..

ثم مضت الأيام والليالي، ولم تتمكن الصحيفة من خدمة الشاب صحافياً. لكنّنا نشرنا موضوعاً مشابهاً عن حاجة رضيع من بلدة القديح للتبرع بالكبد أيضاً. نُشر الموضوع كالمعتاد وكان ذلك بتاريخ 10 مارس 2023م.

فماذا حدث بعد ذلك..؟

في يوم 6 مايو سلّمت الزميلة جود موضوعين، وكتبت تعقيباً في فريق واتساب الخاص بالزملاء قالت فيه “نسألكم براءة الذمة”.. ومع أن ذلك كان لافتاً؛ فإن الزملاء لم يحاولوا التطفّل بالسؤال، طالما أن الزميلة لم تُفصح من ذاتها. إلا أن جانباً آخر من القصة كان مرئياً حول قصة الرضيع الذي نشرته “صُبرة. وكانت المصادفة أن والد الرضيع أخبر الصحيفة بتوفّر متبرّع يومها..!

لم تكن إدارة الصحيفة ترغب في التطفُّل على شؤون الزميلة الشخصية، لولا واجب الاطئمنان إلى وضعها الصحي، وكلمتها “نسألكم براءة الذمة”.. وبعد الاتصال بها؛ لم تُخبرنا بشيء مطلقاً، إلا أن صوتها كان خافتاً طفولياً ضعيفاً.. كان صوت مريض..!

وبتحايل يُشبه الاصطياد في الماء الصافي؛ سألناها عن صحتها؛ فأكدت أنها بخير.

ـ ثم باغتناها بسؤال: متى تمّت العملية..؟

ـ ردت: أمس..!

ـ سألناها أيضاً: كيف حال الصغير..؟

هنا؛ أحسّت بأنها “مكشوفة” ولم تجد بُدّاً من الإقرار بأنها هي المتبرع الذي تحدث عنه والد الرضيع لـ “صُبرة”.. وهو نفسه لم يُخبرنا باسمها، إذ لم يكن يعرف أكثر من اسمها الثنائي. كما لم تسأله الصحيفة عن اسم المتبرع..!

مرض نقص الخميرة

“نتلقى في الحياة رسائل شتى تُهدى إلينا إما لتنبيهنا أو لإصلاح أنفسنا أو لحثنا لفعل أمر ما، وربما كانت حاجة أخي الصغير لمتبرع بالدم، قبل سنوات طويلة، هي الرسالة التي غيرت نظرتي للتبرع”، تكمل الشقاق ” أخي الصغير مصاب بمرض نقص الخميرة جى سكس بى دى – G6PD -، وعندما كان عمره 4 سنوات، اعتلت صحته ذات يوم بسبب ذلك، واحتاج لمتبرعين، ورأيت ارتباك عائلتي، وكنت وقتها في الصف الأول ثانوي، عندها أدركت حاجة الناس للناس، وكيف أن بضع قطرات من الدم، فقدها لن يؤثر في صحتنا، هي عزيزة وغالية عند من يحتاجها، وعند أهله، ولا أحد يعلم متى يكون هو المحتاج لعطاء الآخرين، لذا قررت أن يكون التبرع هو السلوك الذي يجب أن أربي نفسي عليه”.

بداية التبرع

“أنا أتمتع بكثير من نعم الله ومن أهمها نعمة الصحة، وأجد أن شكر هذه النعم يكون ببذل بعضها لوجهه الكريم، كي يبارك لي فيها، وهذا ما لمسته وموقنة به فكل عمل خيّر نقوم به مهما صغر نوفاه أضعافا، وعن نفسي أجد ذلك في فتح الأبواب المغلقة، وتيسير الأمور المتعسرة”.

بدأت الشقاق مسيرة التبرع بالدم منذ عام 2015م، ولها حساب في القطيف المركزي، كما تشارك في حملات التبرع بالدم، وبلغ عدد مرات تبرعها 20 مرة، وفي كل مرة تهب دمها تجد سعادة تغمر كيانها، فهي مؤمنة “أنك إن أعطيت من دمك فأنت تهب لأحدهم حياة”.

هدية لوالدتي

“ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”، الآية التي تعظّم عطاء المحتاجين، كل المحتاجين بشتى أصنافهم، فمن العطاء الذي قد لا يكلف صاحبه شيئاً وهو عطاء الكلمة مروراً بعطاء المال الذي لا يبذله إلا من وقي شُح نفسه، وصولاً إلى العطاء الأكبر التبرع بالأعضاء، التبرع منك لآخر، عن طيب نفس وسخاء دون مقابل.

تقول الشقاق “كنت أفتش عن عمل صالح أهدي ثوابه لأمي رحمها الله، وأرزق به أجر برها، فلم أجد أفضل من ثواب التبرع بجزء مني، درست الأمر بيني وبين نفسي ليس لأني مترددة فيه إنما لأننا محاطون بأهل ومحبين، ونعلم كم سيكون عزيزاً عليهم ذلك، لذا كنت أفكر كيف سأقول لزوجي، أولادي، أبي وأخوتي، لكنني عازمة وفعلا حاولت 15 مرة أن أتبرع وفي كل مرة يحول دون ذلك عارض، إما لبعد المكان أو لعدم موافقة فصيلة الدم”، تكمل الشقاق “إلى اللحظة التي وقعت عيني، في (قروب) العمل “صُبرة”، على رسالة عن شاب بحاجة ماسة لجزء من الكبد، وأن حياته متوقفة على ذلك، شعرت أنها رسالة موجهة لي، فأنا أستطيع وهو يحتاجني، وهو من نفس المنطقة، بإمكاني إجراء كل التحاليل دون أن أخبر أحداً وأقلقهم”، تضيف “وفعلاً اتصلت بالرقم المكتوب في الرسالة وتواصلت مع والد الشاب، وعرف رغبتي، شكرني كثيراً، ثم تحولت المكالمات لاحقاً بيني وبين زوجته والدة الشاب، التي كلما حادثتها يرق قلبها حتى تبكي، وطوال الأشهر التي كنت أجري فيها التحاليل والأشعة والاختبارات، تطورت علاقتي بالأسرة حتى عددتهم أهلي وحسبوني فرداً منهم، فكان يناديني الشاب خيه، وهذا ما زاد من ألمي لاحقاً، فبعد مشوار طويل من التحاليل جاءت النتيجة النهائية بأني لا أستطيع التبرع بالفص الكبير من الكبد لاحتوائه على 3 شرايين بينما كبد حسين لا يوجد به إلا شريان واحد”، يتهدج صوت الشقاق وهي تكمل “شعرت حينها بأني خذلت أخي الصغير، فلم يعد بإمكاني كشف الكرب عنه، وخذلت الأم التي كانت تجدني أملاً أرسله الله ليفرج عنها همها”.

أن تكون أماً

 استمرت علاقة الشقاق بأهل الشاب حتى بعد خيبة الأمل التي ألمت بالشاب وأهله وأوجعت الشقاق أيما وجع، تقول جود “بعد قرابة الشهر اتصلت بي أم حسين وأخبرتني أن هناك طفلاً بحاجة إلى متبرع ويحمل نفس فصيلتي، وبقلب أم يطلب السكينة لقلب أم أخرى أعطتني الرسالة التي تحمل الخبر وفعلاً تأكدت من صحة الخبر فقد نشرنا مناشدة أهله في صحيفتنا، لكني لم أتفاعل مع الخبر في وقته لأني كنت مشغولة بحاجة حسين”، تكمل الشقاق “تواصلت مع المستشفى الذي أجريت فيه التحاليل وكنت قد طلبت منهم تسجيل اسمي كمتبرع لأي محتاج، وأخبرتهم بحالة الطفل فقالوا إنهم سيبحثون الحالات فإن لم يوجد من هو أحق منه سيكون تبرعي من نصيبه”، وبفرحة طفل يبتلع حروف كلماته تكمل الشقاق “لم يمض يومان على المكالمة حتى تواصلوا معي وأخبروني بأن الطفل على رأس قائمة المحتاجين، وكم كانت سعادتي عظيمة، أن التطابق بيني وبينه تاماً، إلى درجة أنهم أخبروني في نفس المكالمة أن موعد العملية يوم الأحد القادم”.

مع زوجها

كلنا معاً

بعد أن عرفت جود موعد العملية كان لزاماً عليها أن تخبر زوجها وأهلها بما هي مقدمة عليه، وبحكم قرب الزوج من زوجته كان زوجها يعرف نفسيتها وموقن بعزمها على المضي، فدعمها رغم خوفه عليها، أما الأب فتقول الشقاق “اعترض  والدي مباشرة، حتى قبل أن أنهي كلامي، وبدا خائفاً عليّ من الفكرة، لكنه بعد أن هدأ وعرف أني سأتبرع بفص من الكبد، وأن الكبد عضو متجدد، ولا خطورة من هذه العملية، لان قلبه وبارك عملي، خاصة بعد أن عرف قصة الطفل الذي أود التبرع إليه”، وتستدرك “أما أخواتي فكان رد فعلهن أجمل مما تخيلت، فقد منحوني الحب والدعم والسند إضافة إلى عزمهن أن يسرن في نفس الطريق، وأن يسجلن أسماءهن كمتبرعات لمن يحتاج”.

متضامنة مع شقيقاتها على التبرع بالأعضاء

طفلي الصغير

كانت الشقاق تعد نفسها لتتقاسم الكبد مع شاب عشريني فتكسبه أخاً، وإذا بها تهب كبدها لطفل لم يكمل عامه الأول لتكسبه ابناً، تقول الشقاق ” دخلنا غرفة العمليات يوم الأحد 7مايو  في الواحدة ظهراً، واستمرت العملية 8 ساعات” تكمل “الحمد لله أنا الآن بصحة جيدة والصغير في طور التعافي إن شاء الله”، وتضيف الشقاق بحب “عندما أرسلت لي أم الطفل صورته سألت الله أن يكتبني سبباً لنجاة هذا الصغير، وأن يجبر كسر قلب أمه التي عانت الألم منذ ولادته”. 

الزميلة جود الأولى من اليمين، مع زميلاتها في “صُبرة”

‫7 تعليقات

  1. كسرت خاطري أخ علي ماتعرف في التصوير تراها بدون مكياج
    وهي ابتسامتها عريضة ماشاءلله عليها وروحها جميلة
    جود حبيبتنا في ميزان حسناتش وأجرش عظيم ❤️🌹تقومي بالسلامة يارب

  2. بس لو ما حطت صورتها كان تمام.الأبتسامة العريضة بالمكياج لا تجوز.على العموم جزاها الله الف خير ومشكورة على ما قدمته

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×