العصا السحرية السعودية في السودان

حبيب محمود

بصرف النظر عن الأرقام والأعداد، وهي ليست قليلة، فإن أحداث السودان الدامية؛ وضعت السعوديين أمام مسؤولية إنسانية نوعية، لإنقاذ من يمكن إنقاذه من الرصاص.

وإذا كانت الكلمة الدارجة في الإعلام العالمي الآن؛ هي كلمة “إجلاء” في شرح ما يجري من “نقل” الواقعين تحت التهديد من برّ السودان إلى بر السعودية؛ فإن الكلمة الأكثر دقة هي “الإنقاذ” الحرفيّ. إن وضع السودان يكرّر تلك العبارة المتداولة في مثل هذه الأوضاع: الداخل فيها مفقود، والخارج منها مولود.. حرفيّاً أيضاً.

والسؤال الكبير الذي يترجرج وسط هذا الاضطراب المرعب هو: ما الذي يملكه السعوديون حتى تلوذ بها قرابة نصف دول العالم لإنقاذ رعاياها من جحيم السودان..؟

وإلى أيّ مدى يؤثر النفوذ السعودي في “مزاج” المواجهة السودانية السودانية، إلى حدّ نجاحها السهل في “تخليص” رعاياها ورعايا قرابة 70 دولة من مسرح رصاص مُتبادل بين الجيش السوداني والأمن السريع..؟

ما العصا السحرية التي تحملها الرياض في وجه البرهان وحميدتي؛ لتقنعهما معاً بضمان سلامة آلاف الرعايا من دول العالم، ثم يمرّون بسلام، ويُبحرون بأمان إلى خارج “مستنقع” رصاصهما..؟

لو كان الأمر سياسياً؛ لما عجزت دول قوية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا؛ عن “إنقاذ” رعاياها، ولما صرّحت بعضها ـ رسمياً ـ بحاجتها إلى مساعدة السعودية في “إجلاء” مواطنيها.

ولو كانت العقدة عسكرية؛ لفعلت مقاتلات الدول الكُبرى وفرق الكوماندوز والقوات الخاصة أفعالها؛ لإخراج مواطنيها من الجحيم الذي لم يتوقف منذ أكثر من أسبوعين.

سلاسة الإجلاء من وسط النار إلى الساحل السوداني، ثم الجسر البحري الذي بنته السعودية بين ضفتيْ البحر الأحمر؛ ثم أعداد الناجين بفضل مبادرتها.. كل ذلك؛ ليس له علاقة بحساب المصالح الكلاسيكية في السياسة والأمن. فمصالح الجيش السوداني والأمن السريع متضاربة أصلاً، حدّ الدموية الحادة، وليس بإمكان أي تدخّل دولي أن يُمسك العصا بينهما من المنتصف وسط صراع مسلّح لا ضمان حتى لهدناته..!

ثمّ تأتي السعودية بسفنها لتنقل رعايا “خصوم” الطرفين المتصارعين من وسط النار إلى برد البحر. وهذا ـ لعمر السياسة ـ لا حساب له، ولا معيار، ولا تحكمه “بيضة قبّان” في عصا أو جزرة..!

إذن؛ ما الذي منح السعودية قوة نوعية لم تحمل فيها سلاحاً، ولم تقدّم مالاً، ولم تهدّد، أو تعِد، أو تماليء، أو “تحب خشم” أحد في معضلة معقدة..؟

وسط كل هذا التعقيد؛ تظهر “البساطة” على عفويتها: للسعوديين حظوة في نفوس السودانيين المتصارعين؛ كأنما قال كلٌّ منهما للمبادرة السعودية: حباً وكرامة.

وما يأتي “حباً وكرامةً”؛ أهمّ وأعمق تأثيراً مما يأتي بأي قوة أخرى.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com