ربكة متخصصين.. لماذا الإصرار على عدم إمكانية رؤية الهلال..؟ اللغط مستمر.. والمعلومات متضاربة حول المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر
توتير: صُبرة
مازال اللغط بشأن رؤية هلال العيد مساء غدٍ (الخميس) يتواصل في العالم الإسلامي، بين مُؤكد، بأنه سيرى، ويكون العيد يوم الجمعة، وآخر يؤكد أن الهلال لن يُرى، وبالتالي العيد سيكون يوم السبت.
ويوضح مركز الفلك الدولي في بيان له، أن الهدف من تقرير نشره في موقعه على شبكة الإنترنت، ليس تحديد اليوم المتوقع لعيد الفطر، مشيراً إلى أنه مرتبط بعوامل متعددة، ما بين فقهي وعلمي. ويقول “إنما غاية التقرير هو بيان بعض الحقائق العلمية المتعلقة بمسألة رؤية الهلال، في إشارة إلى التناقض الواضح بين نظريات العلم من جانب، التي ترى صعوبة رؤية الهلال، وشهادات بعض الشهود الذين يؤكدون رؤيتهم الهلال بالعين المجردة!!.
25 عالم فلك
ويقول البيان، الذي وقع عليه 25 عالم فلك، من دول إسلامية، بينهم علماء سعوديون، إن “وجود الهلال في السماء لمدة قصيرة بعد غروب الشمس، لا يكفي للقول بإمكانية رؤيته، بل حتى مدة مكثه وعمره هي عوامل غير كافية للتنبؤ برؤيته”.
وكتب المتخصصون المسلمون وغير المسلمين العديد من الأبحاث حول هذه المسألة، كان من أهمها أبحاث العالم الأمريكي “شيفر” الذي كان يعمل في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، حيث بيّن في أحد أبحاثه المدعمة بالأرصاد، بأنه لا يمكن الاستناد على عمر القمر ومكثه، لإعطاء توقع مقبول حول إمكانية رؤية الهلال”.
ويقول البيان “من أهم العوامل المحددة لإمكانية رؤية الهلال، هو بُعد القمر عن الشمس بالدرجات، وقد بحث هذه المسألة العديد من العلماء، حيث توصل العالم الفرنسي دانجون في ثلاثينيات القرن الماضي، أي قبل حوالي 100 سنة، إلى أن رؤية الهلال غير ممكنة، إذا كان بعد القمر عن الشمس أقل من حد معين، يبلغ 6 درجات. ويعتبر هذا الحد، الذي يقبله ويأخذ به كل الاختصاصيين عبر العالم، مسلمين وغيرهم، من أهم العوامل للبدء بالنظر بإمكانية رؤية الهلال”.
رؤية الهلال
ويتابع البيان “لا يتوهم أحد بأن مسألة رؤية الهلال لم تبحث من قبل العلماء المسلمين، فقد وضع أجدادنا العديد من معايير رؤية الهلال أيضاً، ومنهم يعقوب ابن طارق والخوارزمي وأبو جعفر الخازن وابن أيوب الطبري والفهّاد وغيرهم الكثير، وهؤلاء الأفذاذ ما وضعوا معاييرهم إلا بعد بحث واستقصاء ومقارنة مع الأرصاد العملية، وما زالت معاييرهم حتى زماننا الحاضر، تتسم بالصرامة والدقة، فهي تعطي إمكانية رؤية الهلال بالعين المجردة، إذ لم توجد تلسكوبات في عصرهم، والعين هي ذاتها العين”.
تنقيح المعايير
وأضاف البيان “استمر الباحثون بدراسة مسألة رؤية الهلال، وتجميع مزيد من الأرصاد، لتنقيح المعايير إلى أن وصلت في زماننا الحالي إلى مستوى عالٍ من الدقة، ومطابقة الواقع”.
ومن هذه المعايير ـ وفقاً للبيان ـ معيار محمد إلياس، وهو فلكي ماليزي متخصص برؤية الهلال، ومعيار “يالوب” وهو مدير مرصد غرينتش السابق، والرئيس السابق للجنة الأزياج الفلكية في الاتحاد الفلكي الدولي، ومعيار “مرصد جنوب أفريقيا الفلكي”، وهو معيار أنتجه اثنان من علماء الفلك في الولايات المتحدة، ومعيار “عودة”، وهو المعيار الأحدث حاليا.
ويؤكد البيان أن “جميع المعايير السابقة، قديمها وحديثها، تبيّن أن رؤية الهلال يوم الخميس غير ممكنة بالعين المجردة، من العالم العربي. فهذا التوقع ليس رأياً لشخص أو جهة، بل هو إجماع من قبل اختصاصيين، أشبعوا هذه المسألة بحثاً، ونشروا فيها أبحاثاً في دوريات علمية محكمة. وممن ذكرت أسماؤهم رؤساء للجان علمية في الاتحاد الفلكي الدولي، ومنهم مدراء لمراصد، أحدهم هو واحد من أعظم مراصد العالم، ألا وهو مرصد غرينتش، وقد بنى هؤلاء الاختصاصيون الكبار أبحاثهم ومعاييرهم على أرشيف كبير من رصد الأهلة، يمتد من العام 1859م وحتى العام 2023م”.
سبب اللغط
ويقول البيان “اللغط يحصل بسبب شهادات برؤية الهلال بالعين المجردة، يعلم الاختصاصيون أنها خاطئة، بل توجد دراسات كثيرة تبيّن إحصاءات تلك الأخطاء عبر العالم العربي، وفي سنوات سابقة كانت تأتي في أوقات لا وجود للهلال في السماء حينها أصلاً”.
وعلى سبيل المثال، عام 2007م شهد 10 أشخاص ومن 4 مناطق برؤية هلال عيد الفطر، رغم أن القمر في ذلك اليوم غرب قبل الشمس بثلاث دقائق! وفي شهر ذي الحجة 1428 هـ تقدم عدد من الشهود برؤية الهلال يوم الأحد 09 ديسمبر 2007 وبدأ شهر ذو الحجة في اليوم التالي، إلا أن القمر يومها غرب قبل الشمس بـ 25 دقيقة! وهناك أمثلة أخرى كثيرة لمثل هذه الحالات.
التشكيك في الشهادات
وبسبب تكرار هذه الشهادات المغلوطة، فقد شك البعض بدقة الحسابات الفلكية، وصار يستدل بتلك الشهادات للقدح في الحسابات الفلكية بشكل عام وبالمعايير الفلكية لرؤية الهلال بشكل خاص، إذ يشيرون الى تلك “المشاهدات” التي “حدثت مرارًا” بقيم أدنى، مما تنص عليه المعايير، وبعدد كبير من الشهود، وهذا استشهاد لا يصح، كما أشرنا (بسبب خطأ تلك “المشاهدات”).
والحالات الواردة لا يجادل أحد في وقتنا الحاضر بخطئها، فالقمر لم يكن موجوداً في السماء وقت الشهادة. ولو تقدم ذات الشهود في يومنا هذا، لردت شهادتهم، لأن معظم الجهات الرسمية الآن، لم تعد تقبل الشهادة إن غرب القمر قبل الشمس. فالمشكلة ليست بتوفر شهادات – وإن كثرت- تتعارض مع المعايير، المشكلة في أن كثيرًا منها يخرق القواعد المتفق عليها فلكيًا (مثل حد دانجون)، بل أحيانا يخرق نواميس الكون (كرؤية هلال غرب قبل الشمس)!
معايير فلكية
وهناك من يحتج بأن المعايير الفلكية والأرقام القياسية أمور يمكن خرقها، وهذا صحيح بالطبع، ولكن العقل السليم يعلم أن خرق معايير بنيت اعتماداً على سجلات، امتدت لمئات السنين، لا يكون بمقدار كبير، بل بمقدار بسيط، لا يؤثر على دقتها، ويكون من قبل أهل الاختصاص، ويجب أن تمتاز بالتكرار ومن قبل أطراف مختلفة، وأماكن مختلفة، وليس نفس الأشخاص ومن ذات المنطقة، وبمقادير تنسف أرشيف الأرصاد الحديثة الممتد الى قرابة 150 سنة بشكل كامل.
حد “دانجون”
وعودة إلى هلال غد الخميس، فلننظر إلى وضعه في بعض المدن العربية والإسلامية، عند غروب الشمس: في جاكرتا يبعد القمر حينها عن الشمس 2.7 درجة (وحد “دانجون” المتفق عليه عالميًا هو 6 درجات). وفي أبو ظبي يبعد عن الشمس 4.7 درجة. وفي مكة المكرمة يبعد عن الشمس 5.1 درجة. وفي القدس يبعد القمر عن الشمس 5.4 درجة. وفي القاهرة يبعد القمر عن الشمس 5.5 درجة. وفي داكار (السنغال) يبعد القمر عن الشمس 8.0 درجات، ويمكن أن يرى بالأجهزة.
ويقول البيان “بالنظر إلى جميع المعايير العلمية المعتبرة للهلال والمنشورة في دوريات محكمة، نود أن ننبه إلى أن رؤية الهلال غير ممكنة بالعين المجردة في العالم العربي أو الإسلامي، وغير ممكنة حتى باستخدام التلسكوب في معظمه، وجلها أقل من حد “دانجون”.
عدة رمضان
وبالنسبة للدول التي تكتفي بغروب القمر بعد الشمس حسابياً، ولا تشترط رؤية الهلال، أو تكتفي بإمكانية الرؤية من أي مكان في العالم، يشترك معها بليل، فيصح تمامًا أن يكون عيد الفطر فيها يوم الجمعة 21 إبريل.
أما بالنسبة للدول التي تشترط الرؤية المحلية (الصحيحة) بالعين المجردة فقط، أو الدول الواقعة في آسيا، وتقبل الرؤية المحلية بالتلسكوب، فيفترض أن تكون عدة رمضان فيها 30 يوما وأن يكون عيد الفطر فيها يوم السبت 22 إبريل.
وشدد البيان على أن “إعلان بدايات الأشهر الهجرية هي طبعًا من اختصاص الجهات الشرعية في الدول الإسلامية”.