حتى لا نصير طائفيين أيضاً..!
حبيب محمود
بعضنا؛ لو حصل على مخالفة مرور؛ لأحس بلذةٍ في تعذيب ذاته عبر الحزن. الحزن الذي يُقنعه بأنه حصل على المخالفة لسبب واحد فقط؛ هو كونه من مذهب مختلف عن مذهب رجل المرور…!
يقولون في علم النفس إن “المازوخية” أو “المازوشية” هي التلذذ بتعذيب الذات. وتقابلها “السادية” وهي التلذذ بتعذيب الآخر. وقد يجد بعضنا لذة في تعذيب ذاته بهذه الطريقة. ويضع بعض ما يواجهه في يومياته في رفّ الطائفية. وهذا ليس خطراً على مستوى علاقاتنا الوطنية، بل حتى مستوى الذات الشخصية والذات الجمعية أيضاً.
هذا النوع من المشاعر السلبية يُعزِّز روح الصَّغار والهزيمة لدى الفرد، ولدى المجموعة أيضاً، ويعمل على استمرار حالة الكراهية. هناك مشكلاتٌ تقف الطائفية والمذهبية وراءَها، ولكن لا يمكن تشخيص أعراض كل مشكلة بهذا المرض. ولا يجوز ـ منطقياً ووطنياً ـ أن نفسّر كل شيء على أنه طائفي أو مذهبي..!
من المفيد أن نتخلّص من هذه المشاعر، ليس لأن المشكلة غير موجودة، بل لأننا لا نفعل شيئاً سوى إعماء أعيننا عن البياض العريض الموجود في حياتنا، ونتمسّك ببضع نقاط سوداء. البياض الذي نسكنه جميعاً في علاقاتنا وتواصلنا وتشابك مصالحنا واتحاد مصيرنا. أنا وأنت وهي وهو وهم وهنّ، كلّنا، نتعايش عفويّاً كل يوم، بل كل ساعة، ونتخالط ونتبادل المشاعر النظيفة على سجية حياتنا المعتادة.
زملاء، أصدقاء، جيران، نلتقي، نتشارك، نتناقش، يجمعنا الطعام والكلام والمناسبات والفعاليات، والمكاتب والساحات، والأسواق. حياتنا طبيعيةٌ جداً. ولا يجدر بنا أن نُهرقَ كلَّ ذلك بشعور نافرٍ عمّا هو أثمن وأنقى.
السني والشيعيّ، في محيطنا الإقليمي، معصوفان بموجات تُحاول مغنطتنا ليواجه قطبُ السنّي السالب قطبَ الشيعيّ السالبَ أيضاً. هكذا يُراد للأمور أن تبقى عليه. وكلانا لا يُخاطب الآخر إلا من خلال تاريخٍ قديمٍ جداً، تاريخ مدفونٍ في كتب عتيقة جداً. نجحنا، تماماً، في تحكيم التاريخ على الجغرافيا. وفي هذه الجغرافيا التاريخية؛ امتصصينا شعور “السادية” أحياناً، و “المازوخية” أحياناً أخرى، لتتكرّس مشاعرُ متضادّة.
التاريخ هو الماضي. والجغرافيا هي الواقع. واقع وطننا، واقع أمتنا، واقع حالنا جميعاً. ومن المشرّف جداً أن نحميَ جغرافيتنا لتبقى صالحةً لنا ولأجيالنا القادمة، فهذه الجغرافيا قد تتحوّل تاريخاً في المستقبل. إذن؛ فلتكن جغرافيا مشرّفة، وتاريخاً مشرّفاً أيضاً.
من حقّ أجيالنا ألّا يرثوا حالنا المنهِك. من حقهم ألّا تكون الطائفية في هاجسهم. الخطوة الأولى؛ هي أن نتأكد من أننا لسنا طائفيين، ولا يجوز لنا أن نكون طائفيين. وقد يكون من الطائفية اتهام الآخر بالطائفية، لا لشيء، إلا لسببٍ مُشابه لما ذُكِر في صدر هذا المقال.