أيها الأزواج.. “لا تنسوا الفضل بينكم”
نعيمة آل حسين
بعد سنوات قليلة أو طويلة من الزواج، تتزاحم الخلافات والمشاكل على حياة الزوجين بما يجعلهما على أهبّة الاستعداد لإنهاء هذه العلاقة التي تأبى أن تستمر تحت هذه الظروف.
ويعتقد خبراء الأسرة، أن بعض الخلافات تمتلك تأثيراً كبيراً في الزوجين، وأنها الأقدر دون سواها على إحداث شرخ كبير في عش الزوجية، سيما تلك المشكلات التي تواجه الزوجين اللذين يقضيان أوقاتاً طويلة مع بعضهما، ويمارسان حياتهما بنفس الطريقة والأسلوب في معالجتها للأسف الشديد.
فعلاً هناك بعض الأزواج عندما يواجهون بعض التحدّيات أو بعض المشكلات يفقدون زمام السيّطرة على مشاعرهم وأحاسيسهم الغاضبة وقد تتحول بعضاً من هذه المشاعر إلى رغبة في الانتقام والإضرار بشريك الحياة بأيّة طريقة كانت، فقد تكون بمحاولة إضراره في “مجال عمله أو في ممتلكاته أو في تشويه سمعته عند أولاده أو عند الناس” لماذا ؟ وماهي دوافعهم ؟
غالباً إنّ أبرز تلك الدوافع هي رؤيتهم أو نظرتهم للمشكلة من زاوية اعتقادهم بأنهم كانوا “مخدوعين، مُستغفلين، مظلومين، ويعيشون حالة من الخذلان من شريك الحياة “.
وهذا ليس بالضرورة أنّ يكون شريك الحياة في بعض الحالات قد ارتكب فعلاً “محرماً أو ارتكب إثماً أو اقترف جرماً” ربما قد يكون يمارس حقاً من حقوقه المشروعة، إلا أنّ الطرف الآخر ليست لديه القدرة أو القابلية في احتمال أن يشاركه أحد في هذا الزوج لذلك يفقدون التوازن بسبب صدمتهم العاطفية.
والصدمة العاطفية مشكلة تواجه عدداً كبيراً من الأشخاص، وفقاً للأبحاث والإحصائيات العلمية فإنّ 70% من البشر عانوا منها في مرحلة ما من حياتهم، وهي مشكلة خطيرة قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية واجتماعية قوية.
والصدمة تأتي نتيجة حدث سلبي في الحياة يؤدي إلى الشعور الحاد بالأذى العاطفي أو العقلي.
وتشمل الأمثلة على الأحداث الصادمة موت شخص تحبه، أو الانفصال المفاجئ عن زوجك/ زوجتك أو التعرض للخيانة
وحتى في بعض الحالات عند ارتباط الزوج بزوجة ثانية، لذلك عندما يواجه المرشد الأسري مثل هذه الحالات لابد أن يكون دوره دقيق وحساس جداً جداً في تعامله ليكون “أشبه بميزان الذهب” كما يقال، لا سيما في فترة فوران العواطف والمشاعر والاحتقان النفسي والغيرة الزائدة عن الحدّ من العواطف الطاغية، والمشاعر القاسية والرغبة في الانتقام وإظهار بعض جوانب الحقدٌ والكره ومحاولة إبراز العيوب والنواقص لهذا الشريك وما أشبه.
لذلك لا بد من التعامل بحكمة وبذكاء وبفطنه بالاحتواء خاصة في بداية مرحلة مروره ببعض مراحل تلك الصدمة ومنها:
(الصدمة المباشرة، الانكسار، الإنكار وعدم تقبل الأمر الواقع، الغضب، عدم الثقة بالنفس، القبول بالأمر الواقع، الاستسلام للقدر وكل ما كتبه الله واستعادة ترتيب النفس).
وفي بعض الحالات للأسف الشديد أنّ البعض قد لا يتجاوز مرحلة “الإنكار والغضب” وهي من أكثر المراحل إيلاماً على النفس والروح.
فيكون الغضب هو التأثير الخفي، الذي يخفي المشاعر الكثيرة والألم والحزن الذي بالأعماق.
وأنّ هذه المشاعر ليست وليدة اللحظة وإنما هي نتيجة لتراكمات سابقة وكانت مخفيّة، مثل “المرارة أو الاستياء” لكن البعض لا يُدرك هذه المرحلة، ونتيجة لذلك فقد يستمر البعض فيها لفترة معينة بشأن تجربته ويشعر بالعواطف التي كانت تدفعه لسلوكه هذا.
ومن هذا المنطلق قد يتم إعادة صياغة هذا الغضب في الوقت الذي يدرك العقل دوافع الإنكار والغضب والحزن، وذلك من خلال التعاطف مع وضعه النفسي وتحفيزه على الاستنطاق والحديث وإفراغ كوبه المليء بالحنق والغضب والغيظ بمجاراته ومشاركته نفس المشاعر وربما نفس العبارات وتأييده فيما يقول ويعطيه الأحقيّة في كل ما يقوله، وينتظر إلى أن يصل به إلى حدّ إخماد أو هدوء أو فتور هذه المشاعر الغاضبة الحانقة ليخرجه أولاً من دائرة الرغبة في الانتقام من شريك الحياة، فإذا أخرجه بإخراج ما بداخله وتفريغ شحناته ونفثات صدره الملتهبة والمكمدة من الغيظ والحنق والغيرة ليبدأ بعد ذلك بخطوات الوصول به إلى بر الأمان.
وهذا لن يتحقق إلا بعد الوصول معه إلى مرحلة بأنه أصبح محل ثقة وارتياح والشعور بالأمان معه.
ومن هذا المنطلق يستطيع المساعدة في الدعم لتجاوز هذه الصدمات العاطفية فيبدأ المحاولة لاستعادة تصحيح المفاهيم واستعادة التوازن النفسي والعاطفي والوجداني ليتعامل بعقلانية وبهدوء وهذا قد يستغرق وقتاً وطاقة وبذل جهد من الاستشاري الذي ترد عليه من حين إلى آخر البعض من هذه الحالات الاستثنائية، التي تكون حالات الغضب فيها شديدة ومخيفة.
بحيث تكون حالات الغيرة فيها زائدة عن الحدّ المتعارف عليه نتيجة شعوره بأنه “مظلوم، مخدوع، ويشعر بالخذلان، وأنه تعرض للخيانة، … وما أشبه” من هذه الألفاظ القاسية على نفسه أولاً وعلى شريك حياته ثانياً لذلك من الأهمية بمكان أن يكون دور المرشد صمام أمان ليحمي هذا الشخص من إيذاء نفسه ويحمي الطرف الآخر “شريك الحياة”.
لذلك من الأهمية أن يكون للمرشد الأسري مهارات في فنيّات الخبرة الانفعالية في الإرشاد الأسري والنفسي لاستخدامها للتقليل من حدّة الانفعالات السلبيّة، والعمل على تهدئتها، أو يقوم بالسماح للمشاعر غير الظاهرة بالظهور على السطح والإفصاح عنها، خاصةً تلك الانفعالات التي أثّرت على تلك الخلافات العائلية، وفي المقابل لابد أن يجعلهم يدركون مثل هذه المشاعر وآثارها عليهم.
ويتم جميع هذا بالاستماع والسماح لهم بالكشف عن مشاعرهم والإفصاح عنها بكل تقبل واحترام، لماذا؟
لأن الدور الأول للمرشدين هو استكشاف المشاعر غير الواضحة لدى أحد الأزواج أو أي فرد من أفراد العائلة عن طريق التعاطف الوجداني الإنساني ليمكنهم من التفاعل معهم بأسلوب يمكنه أن يترك أثراً إيجابياً في تغيير مسار العواطف والمشاعر السلبيّة إلى مسار آخر يكون فيه أكثر توازن وواقعية.
لأنّ التعاطف الوجداني بشكل عام هو استجابة عاطفية شعورية لحالة شخص ما، وكلمة التعاطف غالباً ما ترتبط بحدوث ظرف مؤلم وترتبط بالمشاعر.
وهي من أهم المهارات التي تساعد المرشد على فهم الحالة العقلية للآخرين وما قد يفكرون فيه استجابة للمواقف، وفي علم النفس يسمى نظرية العقل أو التفكير فيما يفكر فيه الآخرون، وذلك لمساعدتهم على توضيح مشاعرهم والإفصاح عنها.
ومن تعبيرات التعاطف طرح الأسئلة عليهم عن المشاعر الأخرى التي كانوا يشعرون بها في نفس ذلك الوقت؟ مع التأييد لهم بأنَّ تلك المشاعر كانت مؤلمة لهم فعلاً.
مع التأييد والتأكيد لهم بأننا نفهم من حديثهم أنَّهم كانوا غاضبين وأنّ الحزن واضحٌ عليهم بكل قلق لضعفهم بعدم قدرتهم على التعامل مع المشكلة مما يجعل الأمر صعباً عليهم.
وهنا يحتاج المرشد الكشف عن مشاعر الحزن التي بداخله بسبب ما يحدث لهم.
لأنّ هذه التعابير ناجحة في الإفصاح عن مشاعرهم، خاصةً تلك الأحاسيس القويّة التي في العادة يخافون من التعبير عنها، وهذا يساعدهم مع الأيام على السيطرة على ردودهم الانفعالية والتخفيف من حدّة المشاعر.
وأيضاً هذا يساعد المرشد على الحوار معهم بأيٍّ من هذه المشاعر مقبولة؟ وأيّها غير مقبولة، عند الإفصاح عن حزنهم لخسارة شريك الحياة، أو غضبهم ممَّن يظنون أنَّه المسؤول عن الذي حدث.
وفي نهاية المطاف أحبتي:
أياً كانت المشاكل بين الزوجين يحتاج الأمر للرجوع لأوامر الله سبحانه وتعالى بهذه القاعدة القرآنية السلوكية في قوله تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بصير}.
ما أعظم هذه القاعدة السلوكية التي لو تم تطبيقها بين الأزواج، وبين كلّ من تجمعنا بهم رابطة أو علاقة من العلاقات الإنسانية، فالله سبحانه وتعالى يأمر كل من جمعتهم علاقة من أقدس العلاقات الإنسانية وهي علاقة الزواج أن لا ينسوا في غمرة التأثر بهذه الخلافات أو الفراق والانفصال ما بينهم من سابق العشرة، والمودّة والرحمة، والمعاملة.
لأنّ العلاقة الزوجية في الأعم الأغلب لا تخلو من جوانب مشرقة، ومن وقفات وفاء من الزوجين لبعضهما، فإذا قُدّر وآل هذا العقد إلى حل عقدته بالطلاق أو بغيره، فإنّ هذا لا يعني نسيان ما كان بين الزوجين من مواقف الفضل والوفاء، ولئن تفارقت الأبدان، فإن الجانب الخُلقي يبقى ولا يذهبه مثل هذه الأحوال العارضة.
وفي واقعنا مواضع كثيرة نحتاج لتفعيل، هذه القاعدة
لأنّ هذه القاعدة القرآنية تدل على عظمة هذا الدين، وشموله، وروعة مبادئه، سائلين الله التوفيق والسداد لكل الأزواج بالإلتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى بتقوى الله في بعضهم البعض، لاسيما ونحن في شهر الرحمة والمغفرة واللطائف الإلهية والعفو والتسامح فعلى الأزواج الأتقياء الأذكياء استثمارها بعودة المودّة والرحمة بينهم، في محاولة جادة لإصلاح الأمور باستثمار ليلة القدر العظيمة المباركة، وجميعنا يطلب من الله العفو والصفح والمغفرة ، فاعفوا واصفحوا وسامحوا لتشملكم رحمة الله عفواً وغُفراناً، “وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم”، لأنّ أهل العفو هم الأقرب لتحقيق تقوى الله جلا وعلا .
فابدأوا من هذه اللحظات بنيّة الإصلاح ولمّ شمل الأسرة بكل صدق لتشملكم توفيقات الله، “إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما”، “والصلحُ خيرٌ”.
موضوع في غاية الاهمية ، نجحت الكاتبة في إيصالها. موفقين