بأمر الملك عبدالعزيز.. سكان سيهات تجمّعوا في حسينية النصر ليتبرّعوا لفلسطين مركز العمدة ومركز صحي سابقاً.. ووصيّتها الشرعية تعود إلى سنة 1324

سيهات: شذى المرزوق

بين حسينيات ومجالس مدينة سيهات المتناثرة هنا وهناك، تستوقف حسينية (مجلس) النصر، المهتمين بتاريخ محافظة القطيف، ليس لسبب سوى أنها كانت في الأساس مركزاً لعمدة المدينة، قبل أن تصبح حسينية، تجاوزت أهدافها الجانب الديني، إلى أهداف اجتماعية وسياسية منذ عهد الملك المؤسس.

وفي شهر رمضان من كل عام، تلفت حسينيات ومجالس سيهات، الأنظار إليها، من خلال إحياء ليالي الشهر الفضيل، بقراءة القرآن الكريم. والجميل في حسينيات ومجالس حي الديرة في سيهات أن الفاصل بين مجلس ونظيره أمتار قليلة. وتضم قائمة مجالس الحي، بجانب مجلس النصر، حسينية الناصر، الكبيش، الشافعي، المطوع، اليوسف، الراشد وغيرها، ولكل منها تاريخه الذي يتجاوز 100 عام.  

ويُعد مجلس النصر أحد أهم تلك المجالس، التي تحتضن أبناء مدينة سيهات، لتلاوة القرآن الكريم، وقراءة الأدعية كل مساء في شهر رمضان المبارك، فضلاً عن إحياء المناسبات الدينية.

 وما لا يعرفه الكثيرون أن هذا المجلس، تجاوز دوره الديني، كما هي الحال في بقية المجالس والحسينيات في محافظة القطيف، ضمن دور أشمل وأبعد من ذلك.

ويضم مجلس النصر بين جدرانه حكايات كثيرة، منها ما غير مجرى التاريخ، فقد كان مركزاً سياسياً اجتماعياً قبل 113 عاماً، حيث شهد اجتماع كبار الشخصيات التي كان لها تأثيرها في تاريخ المنطقة، فمن داخل هذا المجلس، وبعد اجتماع ونقاش، حسمت سيهات أمرها، بقيادة عمدتها حسين بن نصر، الذي اتفق مع عدد من زعماء القطيف، على الخروج على حكم الدولة العثمانية، التي كانت مهيمنة على القطيف آنذاك، والانضمام سلماً إلى حكم الملك عبدالعزيز آل سعود.

عمودية سيهات

كان مجلس النصر مركز عمودية سيهات، التي تعود إلى عائلة النصر. وكان المجلس شاهداً على فض الخلافات والمشكلات الاجتماعية، ضمن الأدوار والمهام التي يقوم بها العمدة، بالإضافة إلى مهام كثيرة يمارسها، بحكم الزعامة والسلطة في المجتمع السيهاتي.

وفي جانب آخر، شهد المجلس جوانب ثقافية وأدبية، واجتماعية وحتى صحية، كشف عنها لـ”صُبرة” أحفاد المؤسس للمجلس نصر بن علي بن عبد الرحيم ال حجي.

الحسينية حالياً

لايزال مجلس النصر يمارس أدواراً عدة بين أمسيات شعرية، تُقام خلال الاحتفالات الدينية، إلى جانب فعاليات وأنشطة ثقافية، مثل القراءة الحسينية، وتسليط الضوء على بعض الظواهر الاجتماعية.

وكان المجلس قد هُدم لإعادة بنائه من جديد عام 1433هـ، وتناوب الكثير من الخطباء على الصعود على منبرها، والقراءة في مجلسها، من بينهم الملا عبد المحسن بن محمد النصر، وهو شاعر وأديب، وأيضاً الملا عبدالرحيم ابن عمدة سيهات حسين النصر.

بين قرنين

وعوداً إلى تاريخ المجلس، وبداية تأسيسه، قال الحفيد عبد الباقي بن منصور بن عبدالله بن حسين بن نصر “تعود حسينية النصر إلى مؤسسها نصر بن علي بن عبدالرحیم آل حجي، ورغم أنه لم تتيسر لنا المعلومات الوافية عن تاريخ تأسيسها أو مؤسسها (نصر)، إلا أننا نستطيع أن نتحرى شيئاً من هذه المعلومات من خلال وصيته، التي لم يتسن لنا الإطلاع عليها، وقد كُتبت خلفها عبارة “تم فتح الوصية سنة 1324هـ”، دون ذكر تاريخ اليوم أو الشهر في تلك السنة”.

وأكمل “إذا علمنا ـ كما هو المعتاد ـ أن الوصية تُفتح يوم وفاة صاحبها، أو خلال أسبوع وفاته، أو على الأكثر في غضون الشهر الذي توفي فيه، فهذا يعني وفاة صاحبها في ذلك العام (1324هـ)، ولا نعرف كم عاش من السنين، لكن إذا قدرنا أنه ولد في القرن الثالث عشر الهجري، وتوفي في الربع الأول من القرن الرابع عشر، فنستنتج أنه قد شيد الحسينية خلال فترة حياته بين القرنين الـ13 والـ14”.

مجلس متعدد

وعن استخدامات مجلس النصر، قال جعفر عبد المحسن النصر “بجانب الغرض الأساس من تشييد الحسينية، أي الجانب الديني، مثل القراءة الحسينية، وإحياء مناسبات أهل البيت، من وفيات ومواليد، وكذلك مجالس العزاء للمتوفين، سواء من أفراد الأسرة أو أهالي سيهات عموماً، وكذا مناسبات الأعراس، كان للحسينية دور مهم في المناسبات الإجتماعية والرسمية”.  

فلسطين حاضرة

وأكمل جعفر النصر “فلسطين كانت حاضرة في حسينية النصر، فبعد حدوث نكبة فلسطين عام 1948م، وتشريد أهلها من وطنهم، صدرت أوامر المغفور له الملك عبد العزيز، إلى عموم المناطق في المملكة، بدعوة عموم المواطنين لنصرة فلسطين، وجمع التبرعات لأهاليها المشردين، وكانت الاجتماعات في مختلف مدن وقرى محافظة القطيف حسب الأوامر المبلغة للعُمد، ومن بينهم عمدة سيهات عبدالله بن حسين بن نصر، الذي بدوره دعا أهالي بلدته إلى حضور الإجتماع العام في حسينية النصر، وبالفعل اكتظت الحسينية بالجموع من أهالي سيهات، كما كلف العمدة ابن عمه الملا عبد المحسن النصر، بإعداد كلمة يلقيها على مسامع الحضور بهذه المناسبة، وقد تحدث عبدالمحسن النصر في كلمته عن قضية فلسطين، واحتلالها من قبل اليهود، وتشريد أهلها ومعاناتهم، وفي ختام كلمته، فتح باب التبرع – على ما أذكر– بـ200 ريال، وهو مبلغ له اعتباره قبل 75عاماً، طالباً من الحضور التبرع، كلٌ حسب استطاعته”.

مركز صحي

تحولت حسينية النصر إلى مركز صحي، عندما قامت أرامكو بحملات التطعيم ضد الجدري، حيث كان لابد من إيجاد مكان واسع وملائم، سواء للطاقم الصحي أو لمتلقي التطعيمات في مدينة سيهات، فلم يكن هناك مكان أكثر ملاءمة من حسينية النصر.

قال جعفر “كل حملات التطعيم التي نفذتها أرامكو في مدينة سيهات، كانت حسينية النصر هي المكان الأنسب لها، ولا ننس أنواع البسكويتات، خصوصاً تلك المحشوة بالعجوة، التي كانت تُهدى قطعة منها لكل شخص يتم تطعيمه، كان البسكويت نادراً، في زمن يشح فيه الكثير من ضرورات الحياة، وتحديداً في أربعينات القرن القرن الماضي، فما بالك بالبسكويت المحشو بالعجوة؟!. لقد كانت قطعة البسكويت تلك عامل جذب للأشخاص للتطعيم، لا سيما الأطفال منهم، الذين كانوا يتسابقون للتطعيم، أملاً في الحصول على قطعة بسكويت، بل أن البعض منهم يعاود الكرة، فيدرك الممرض لماذا عاد الطفل، فلا يبخل عليه بقطعة أخرى من البسكويت.

العيد في الحسينية

عن مناسبة الأعياد، قال جعفر “اعتاد عمدة سيهات وأفراد أسرته، وبعض من الجيران، وآخرون من أهالي سيهات أن يقيموا صلاة عيدي رمضان والأضحى في حسينية النصر، فكان ابن عم العمدة الملا عبدالمحسن النصر هو الذي يؤم المصلين لصلاة العيد في الحسينية، وفي صبيحة ذلك اليوم، تكون الحسينية هي المجلس الذي يستقبل فيه العمدة، وأفراد أسرته جموع المهنئين من أهالي المدينة، وربما من خارجها.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×