“باكورة الفجر”.. زهراء تصنع تجمّعاً عربياً لإثبات الإرادة ضدّ “الإعاقة” حقائق من الواقع تكشف قوة مواجهة مشكلات الجسد

متابعة، القطيف: شذى المرزوق

قصص مؤثرة تحكي الطموح والتحديات والازدهار من قلب الألم، ورسائل حب لذوي الإعاقة قدمتها شخصيات متنوعة من مختلف البلدان العربية، خلال الملتقى الافتراضي “باكورة الفجر”، الذي انطلق من فكرة لزهراء آل جميع المصابة بالشلل الرعاشي (الباركسون) من بلدة الأوجام بالقطيف، فيما كان تنسيق الملتقى من الدكتورة مريم الجوفي، بالتعاون مع فريق همم التطوعي.

مهندس البرمجيات الأردني المعتصم بالله أبو محفوظ

في “باكورة الفجر” إعاقات مختلفة بين الرعاش، والشلل الدماغي، وضمور الأطراف، بالمقابل تجد مهندس برمجيات أردنياً واجه الإعاقة، فكتب مؤلفات بأنفه الذي كان وسيلته الوحيدة بدلاً عن يديه للنقر على لوحة المفاتيح، وهناك موظف في وزارة الإعلام الكويتية تصدى لكلمات التنمر التي لازمته طوال حياته، ليصل إلى ما وصل إليه الآن، بينهما كاتب سعودي واختصاصي اجتماعي تجاوز كل العراقيل، وهو على مسافة أشهر بسيطة من شهادة الماجستير، وهناك قصة صراع نفسي خاضته عضو هيئة تدريس جامعي مصابة بالشلل، وقصة أخرى لأم كان عليها أن تتقبل إصابة اثنين من أبنائها بنوع معقد من أنواع الإعاقة.

صالح العنزي

يحكي الشاب السعودي صالح هليل العنزي، قصة كفاحه للتكيف مع الإعاقة قائلاً “في بداية الأمر شعرت بأعراض غريبة من ارتعاش في اليدين، واهتزاز في الرأس، وأنا بعمر 15 سنة في الصف الأول ثانوي، وبسبب التنمر والسخرية والضغوطات النفسية، تركت المدرسة سنة كاملة حتى قررت التكيف مع الأمر وأكملت دراستي الثانوية والجامعية”.

وأضاف العنزي “تميزت في صيانة الكمبيوتر والحاسب، لأتوجه بعدها للعمل والبحث عن وظيفة، لكنني في كل مرة كنت أقابل بالرفض حتى توقفت في إحدى المرات لدى مسؤول في إحدى الشركات التي تقدمت لها، مطالباً بشكل صريح إعطائي الفرصة، وكانت الدهشة الجميلة هي الموافقة، وبالفعل استطعت إثبات نفسي في وقت قصير حتى أصبحت مسؤولاً إدارياً بعد 13 عاماً من المعاناة مع مرض الرعاش، ثم توجهت لاستكمال الدراسة الجامعية في مجال الاجتماع، وأنا الآن على بعد أشهر فقط من الحصول على شهاد الماجستير، كتبت خلال ذلك عدة مؤلفات وكتب”.

من جهة أخرى قالت الدكتورة مريم المهوس “يعرفني البعض من السيرة الذاتية التي أحملها، فيما لا يعرف الكثيرون جوانب مهمة في مسيرتي، أبرزها أنني عشت وسكنت في قرية قريبة من حدود الرياض، ومصابة بشلل الأطراف السفلية منذ الولادة، لكنني وجدت كل الدعم من أسرتي التي آمنت بي وساعدتني كثيراً وبالأخص والدي رحمه الله.”

وشرحت مريم قائلة “حين بلغت 5 سنوات من عمري بدأت مرحلة العمليات الجراحية لتقويم قدماي، فذهبت لمستشفى في الرياض للعلاج وخضعت للعمليات الجراحية حتى بلغت 7 سنوات ودخلت المدرسة وأنا على عكازين”.

وأكملت “أنهيت المرحلة الابتدائية والمتوسطة ولم أشعر بأنني مختلفة عن زميلاتي بشيء، إلا بعد تخرجي من المتوسطة حيث توجهت لمعاهد المعلمات الثانوية في قرية من القرى المجاورة لكنهم رفضوني بحجة الإعاقة، هنا بدأت أدرك سر الإختلاف ودخلت في حالة من الحزن أتعبتني نفسياً، توجهت للدراسة الثانوية وأكملتها في عام 1412هـ، كان لدي إصرار على الانتقال لجامعة الملك سعود بالرياض لاستكمال دراستي ورغم خوف والدي وقلقه إلا أنه وافق وأكملت دراستي الجامعية، وبقيت في سكن الطالبات حتى أكملت سنوات البكالوريوس والماجستير، وهنا واجهت مرحلة قاسية أخرى، إذ جاء الرفض من الجامعة في أن أكون عضو هيئة تدريس فيها، وكانت وقتها كلية التربية للبنات”.

تضيف مريم “بقيت 6 سنوات أطرق الأبواب بلا فائدة، ووجدت وظيفة بعدها لمدة سنة براتب بسيط، عملت فيها حتى سمعت عن افتتاح جامعة حائل فأسرعت بالتقديم عليها، وهنا انفتحت أبواب السعد في حياتي بعد أن قبلت والتحقت فيها بوظيفة محاضر عام 1429هـ، بعدها بعام أكملت دراسة الدكتوراة في جامعة أم القرى، وأنا الآن على رتبة أستاذ مساعد في جامعة حائل وأطمح بالمزيد”.

مطير المطيري

من جهته حكى مطير المطيري قصة تجاوزه كل ما واجهه من تنمر و معاملة مجتمعية غير آهبة بمدى حساسية ذوي الإعاقة، وذلك أثناء سنوات دراسته حتى حصوله على الوظيفة، والمطيري شاب من الكويت مصاب بالشلل الدماغي، ربته عمته وكانت المسؤولة عنه منذ صغره بحسب ما ذكر، موضحاً أنها الداعم الأول له لتجاوز العقبات التي واجهته في دراسته حتى استكملها وحصل على بكالوريوس إعلام اذاعة وتلفزيون، حيث يعمل حالياً موظفاً في وزارة الإعلام الكويتية.”

وفي عرض بمقطع قصير تم تسليط الضوء على المعتصم بالله أبو المحفوظ، وهو شاب أردني أصيب في طفولته بالشلل الدماغي، عانى من التنمر أيضاً ورفض في أغلب المدارس حتى قام والده بتسجيله في مدرسة خاصة في منطقة أخرى، وهنالك درس المرحلتين لما قبل الثانوية، والتحق بمدرسة ثانوية عامة بعد أن التقى بمديرها وتحدث معه لإقناعه بإمكانياته، وبالفعل كان من أوائل المتفوقين، اللافت في قصة المعتصم استخدامه لأنفه في حل الاختبارات، وذلك بالنقر على شاشة الآيباد لحل أسئلة الاختبار الالكتروني، حتى أنه قام بتأليف 3 كتب بذات الطريقة فحقق بأنفه وعقله وشغفه النجاح والتميز.

إذا كانت القصص السابقة لأشخاص من ذوي الإعاقة ترجمت كلماتهم الطموح والتحديات، فقصة نجوى عبد الرحمن الأصيل أستاذة في كلية التربية بجدة تحمل مشاعر مختلفة، هي مشاعر أم عاشت الألم في تجربتين، وبفضل دعم الأب استطاعت أن تتخطى حالة الإنكار والشعور بالذنب، بعد اختيارها الأم المثالية.

نجوى الأصيل تحدثت عن تجربتها المؤلمة في مواجهة الواقع بكونها أم لإثنين من الأصحاء، ومثلهما إثنين من ذوي الاعاقة، وقالت “لدي 4 أبناء، ولد وبنت أصحاء متزوجين ومتخرجين من جامعات أمريكية ولدي منهم أحفاد، وحين كان أكبر أولادي بعمر 6 سنوات وأخته الصغيرة بعمر 3 سنوات رزقت بطفل أسميته “عبدالملك”، وكان طفلاً كثير البكاء منزعجاً وضعه غير مطمئن، توجهت به لعدد من المستشفيات لمعرفة سبب الحركات الغريبة التي يمارسها بأطرافه وسبب بكاؤه المستمر، ولكن لم يكن شيئاً واضحاً حتى أكمل العام من عمره، صدمتني الطبيبة التي قامت بفحص شامل له بكونه معاق بإعاقة مركبة، يعاني من تشجنات صرعية هي سبب حركاته الغريبة، و شلل دماغي، وتبدو عليه بوادر التوحد”.

وأضافت “بعد فترة طويلة من الإنكار تقبلنا الواقع رغم صعوبته، وبدأنا نبحث عن العلاج والحلول لننمي قدراته ونساعده، فأدخلناه في مراكز تأهيل وعلاج خاصة، بعد 7 سنوات رزقت بفتاة أسميناها “رود”، واكتشفنا تشابه الأعراض لنتفاجأ بكونها مصابة بالإعاقة مثل أخيها، واستدركت الصدمة التي عشناها من خبر إعاقة عبد الملك الذي يبلغ من العمر الآن 33 عاماً، هي رسالة حب آلهية بأن هنالك رسالة أخرى قادمة لنصبر و نحمد الله على ذلك ونتقبل ما كتبه الله لنا.”

في محور مختلف تحدث عدد من المسؤولين في شؤون ذوي الإعاقة بالمسجد الحرام، عن دور رئاسة الحرمين بتوجيه من الرئيس العام لشؤون الحرمين الشيخ عبدالرحمن السديس، في تسهيل حركة وخدمة المعتمرين من ذوي الإعاقة، خاصة ونحن مقبلون على شهر رمضان حيث الإقبال الكبير لأداء العمرة.

شاشات إلكترونية إرشادية

وذكر ماهر السهلي مدير عام الإدارة العامة لشؤون الأشخاص ذوي الاعاقة بالمسجد الحرام “رئاسة الحرمين اعتنت بتقديم الخدمات الميسرة لذوي الإعاقة، من ذلك بناء الجسور الخاصة لممشى ذوي الإعاقة، وتفعيل الإعلام المرئي والمسموع ومصاحف خاصة بعضها بلغة برايل وأخرى الكترونية، كما عملت الإدارة على ترجمة خطبة الجمعة، ونشر الملصقات الإرشادية بلغة برايل، وتوفير الشاشات الإلكترونية داخل المصليات التي تبث الإرشادات الخاصة لتيسير حركة ذوي الإعاقة وإرشادهم، بالإضافة للعصا البيضاء لمن لديهم إعاقة بصرية.”

من الشباري لكراسي كهربائية

 

من جهته أوضح أحمد المقاطي مدير إدارة خدمات النقل بالمسجد الحرام ” تعنى الإدارة بتوفير خدمة العربات بكافة أنواعها لتسهيل حركة ذوي الاعاقة، وتوفير وسائل التنقل لهم، وشهدت هذه الخدمة تطورات كبيرة من أول وسيلة للنقل للمعتمرين “الشباري”، وهو عبارة عن كرسي خشبي أشبه بسرير يحمله 4 أشخاص يسهمون في مساعدة المعتمر على الطواف، حتى وصولها إلى ما هي عليه الآن من تطورات وفرت كراسي متحركة وكهربائية بمواصفات عالمية تيسر الحركة والتنقل”.

خرائط برايل للاسترشاد

بينما أشارت فاطمة علي السهلي مديرة إدارة الأشخاص من ذوات الإعاقة النسائية بالحرم المكي الشريف، أن الخدمات في الحرمين الشريفين لذوي الإعاقة ذات خدمات نوعية، فقد أولت حكومتنا هذه الفئة عناية خاصة، ونحن في الإدارة النسائية قمنا بعدة خدمات لتسهيل العمرة للأخوات من ذوات الإعاقة، كتخصيص مصليات خاصة تتوفر فيها البيئة الملائمة لهن لأداء العمرة بسهولة ويسر، حيث يوجد ماء زمزم على حوامل مرتفعة تسهل لهن الاستخدام، كما توجد وسائل مساعدة متنوعة مثل مصاحف برايل، والقلم القارىء، والمصاحف المرنة، وخرائط المسجد وما حوله بلغة برايل للاسترشاد بها، كما قامت بعدة مبادرات منها تقديم دورات تأهيلية للموظفات في الحرم لتقديم أفضل الخدمات لهن”.

منهج تربوي

وعن الإعاقة من المنظور الإسلامي، قالت دكتور خيرية علي الشهري أستاذة التفسير وعلوم القرآن المشارك، أن العناية بهذه الفئة هو منهج تربوي عالمي يجب أن توليه جميع الشعوب أهمية عالية، وفي ذلك جانبين، جانب المسؤولية الفردية والمسؤولية الاجتماعية لمساندة ذوي الإعاقة، مع بيان أن ما نصت عليه آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية تتجه نحو العمل على هذا المنهج الإنساني.

د. مازن الغامدي

الرياضة والإعاقة

في محور مختلف تحدث وكيل كلية علوم الرياضة للشؤون الأكاديمية والتطوير بجامعة جدة الدكتور مازن عبدالرحمن الغامدي، عن أهمية الرياضة لذوي الإعاقة، وقال “لا يخفى عليكم أهمية الرياضة للجميع، فهي من أهداف الرؤية التي تسعى لوصول عدد الممارسين إلى 40%، ومع أننا في البدايات، فقد اقتربنا كثيراً وارتفع عدد الممارسين، فيما ازداد عدد المراكز الرياضية بشكل ملحوظ في المملكة، وبالنسبة لذوي الإعاقة فالرياضة مهمة جداً في تحسين القدرات الحركية وحتى التنفسية لديهم، حيث حلت الرياضة الكثير من المشاكل الصحية، وأسهمت في تحقيقهم لإنجازات نوعية على مستوى المملكة وخارجها.”

إنجازات رياضية

واستشهد بحالة من متلازمة داون أشرف عليها لشاب اسمه فيصل، حصل على 10 ميداليات ذهبية دولية لرياضة المشي، فضلاً عن الميداليات الوطنية التي حقق فيها نجاحاً مبهراً رغم إعاقته، ومثله كان عبدالعزيز الشماسي من المكفوفين، وهو شاب تغلب على داء السمنة بممارسة الرياضة ،وحقق إنجازات في رياضة كرة الجرس، وانعكست هذه الروح الرياضية على مستوى دراسته وحياته، فأبدع في استخدام الكمبيوتر والأجهزة الحاسوبية، وحقق تفوقاً دراسياً حتى تخرجه من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، والآن هو موظفاً في هيئة الأمن السيبراني في الرياض.

الدعم النفسي والمجتمعي

في مجال الدعم والمساندة لذوي الإعاقة وذويهم قالت الدكتورة أريج المحضار عضو هيئة التدريس في علم النفس بجامعة جدة، أنها تعرف شعور الأسرة التي تتفاجأ بظهور شخص مختلف بين أفرادها، فلديها أخت من ذوي الإعاقة، وهو ما يجعلها تستشعر إحساس الأهل والتجربة العاطفية للأسر التي تتلقى خبر إصابة ابنها بأي نوع من أنواع الإعاقة.

ولفتت “يختلف مستوى رد الفعل لدى الأسر، وقد تمر بمراحل كثيرة منها الإنكار ثم الخوف التوتر، التعامل مع المجهول، قد يصل لشعور الغضب والشعور بالذنب واللوم، ويمكن معالجة ذلك بالمعرفة أي الإحاطة بمعلومات كافية عن المرض، ثم ثقافة البيئة التي يعيش بها ويمكنها تقبل الإختلاف، وهو ما يجعل مسألة الاستيعاب تأخذ وقتاً أكبر، وبالتالي أخذ القرارات المهمة للدعم الكافي تربوياً، صحياً، وعلاجياً، وحتى في مجالات الحياة الأخرى.”

من جانبها تحدثت مختصة التخطيط والإدارة التربوية الدكتورة زعفران الحريبي، عن دور الدعم النفسي، مبينة أن الصحة نوعان خارجية للجسد وداخلية للروح والسلام والتقبل النفسي، مؤكدة أن التعافي الداخلي أساس لتجاوز الكثير من العقبات، والتكيف الذاتي يسهم في مواجهة التحديات، ويحتاج ذوي الإعاقة للدعم العاطفي، وإشباع الاحتياجات النفسية من تقبل وحب معتدل بعيد عن الشفقة، وتقدير واحترام، ومدح يشعره بالاطمئنان.

 

فيما علق أحمد تاج الدين موجه التربية النفسية بوزارة التربية والتعليم المصرية، عن نظرة المجتمع للمعاق، مبيناً أنها نظرة مختلفة، وهناك مجموعة تطلق مسميات مصطلحات ساخرة لها نتائج سلبية مؤثرة على قدرتهم على التواصل الاجتماعي.

وأكد “لا بد أن نؤمن بأن المسؤولية مهمة بين الطرفين، المجتمع الذي له دور في صناعة الشخص العاجز والمنتج، والمعاق الذي بيده صنع تغيير في حياته مهما كان نظرة وتعامل المجتمع، لتقديم صورة عن نفسه وهو قادر على الإنتاج و ساعياً نحو التطوير”.

أنموذج مميز

كان لصاحبة المبادرة نصيبها من الذكر في الملتقى، حيث أعرب الأستاذ المساعد في علم اللغة العصبي الدكتور أحمد عبدالعزيز الجفن، عن مدى تأثره بزهراء آل جميع مصابة الرعاش “باركسون”، الذي تجاوزته رغم كونه مرض انحلالي تسوء فيه حالة المريض مع الوقت، إلا أنها واجهته بإصرار وأصبحت داعمة للمرضى من هذه الفئة متنقلة كفراشة من نجاح لآخر، وأزهرت في مجالات متنوعة، فقد طورت من نفسها في التصميم والمونتاج وهندسة الصوت، وصناعة أفلام الكرتون، وانضمت لعدة مبادرات في المشاركة المجتمعية .

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×