من وسط العوامية.. عيد الشمري يروي قصة نجاحه: طفل رفضني المجتمع وتنمّر علّي زملائي تأخر تشخيصي بـ "طيف التوحد".. وعملت في اليمن صيّاد أسماك.. والآن "اختصاصي"
القطيف: أمل سعيد
لم يحتج لأكثر من 4 دقائق كي يتمكن من التسلل إلى قلوب المستمعين، فعفويته وتلقائيته في الكلام كانتا تطرقان آذان المصغين إليه وتؤثر فيهم، وبدا ذلك جلياً بحجم التصفيق الذي رافق انتهاءه من إلقاء كلمته، في ملتقى ذوي الإعاقة، الذي رعاه محافظ القطيف، مساء البارحة، في وسط العوامية، وحمل عنوان “لنشاركهم”.
ولد عيد الشمري في مدينة الدمام سنة 1977م وسط عائلة كبيرة تتكون من 17 أخاً وأختاً.
ولد “رجل في جسد طفل”، يقول الشمري “ولدت مختلفاً عن بقية أقراني، تستهويني الكتابة كثيراً، ويأخذني تحليل ما يُكتب في الجرائد”.
هذا هو الجانب الجيد في طفولته غير أن هناك جانباً آخر، يبدو قاسياً على طفل لم يدرك الحياة بعد، فقد كان الشمري مصاب بطيف التوحد (اسبرجر)، مما سبب له العديد من المشاكل، يقول “كنت في صغري أعاني من فرط الحركة، وتشتت الانتباه، ولم أكن ناطقاً جيّداً، مما سبب لي الكثير من المشاكل، أهمها عدم فهم والديَّ لحالتي، ورفض مجتمعي لي”.
وبتفصيل يبدو عادياً لكنه دقيق جداً بتشخيص طفل عانى من التوحد، يضيف الشمري “كنت أرى أقراني من حولي يلعبون ويمرحون وكنت لا أعرف كيف اُجاريهم ولا أستطيع، حاولت الاندماج معهم مراراً؛ لكني فشلت”.
تأخر تشخيص حالة الشمري كثيراً، فعاش سني طفولته الأولى والثانية والجزء الأول من مراهقته وهو يعامل معاملة أقرب إلى معاملة المتخلفين أومن بهم مس من جنون، وعن ذلك يقول “تم تشخيص حالتي في عام ١٩٩٣م، على أنها حالة توحد (اسبرجر)، مما سهل إدراك تصرفاتي لعائلتي ومجتمعي في ذلك الوقت، أما قبلها فكان الوضع مختلفاً”.
ويكمل “بدأت مشواري التعليمي في الابتدائي، وأصر والدي على دمجي بمدارس الدمج في المدارس الحكومية، وهناك عانيت من التنمر والتقليل من شأني بالرغم من تفوقي الدراسي على أقراني، أما المعلمون فكانوا يرون أني طفل خارج عن المألوف”.
البحث عن الهوية
لم تكن حالة الشمري عائقاً له، لكنه كان في حالة تحد مستمر مع ذاته لإثبات أنه قادر على فعل كل شيء وأن بإمكانه تخطي الصعوبات، لذا تنقل في أعمال شتى باحثا عن الشمري في تفاصيلها، يقول “بعمر ٢٠ سنة استخرجت جواز سفر، وقررت العمل بصيد الأسماك في اليمن”، لم يلبث طويلاً في ذلك، ثم “انتقلت إلى العمل في القطاع العسكري، وبقيت كذلك لمدة سنتين، وبعدها صرت أتنقل من عمل لآخر في محاولة لإثبات أني لستُ عاجزاً أمام أي تحد”.
الآن
حين التقينا به البارحة كان عيد الشمري في أبهى حالة، حيث تألق كما يتألق النجوم، وصعد مسرح مهرجان “لنشاركهم” المخصص لذوي الإعاقة ليكون نموذجاً لإدراك حقيقة مرض التوحد، وكيف يمكن لطفل التوحد أن يصل إلى هدفه وأن يكون عنصراً فاعلاً ومنتجاً في المجتمع، وتقدر نسبة أطفال التوحد في المملكة بين 1.5 إلى 2% من المواليد.
وعن وضعه الحالي يقول الشمري “أنا الآن أعمل كاختصاصي بمركز شمعة التوحد للتأهيل، وأيضاً عضو جمعية أسر التوحد، ومازلت أسعى لتطوير مهاراتي وقدراتي، كما أهتم بمساعدة أصحاب التوحد، وتحسين المفاهيم الخاطئة عنهم، ومحاولة إيصال صوتهم للمجتمع من خلال الواقع الذي أعيشه”.