بوصلة الكفاح " العبيدان والزين نموذجان"

إبراهيم الزين

 

نغتم كثيراً وتعترينا الحسرة والأسف ونحن نلحظ هذا العدد الهائل من الشباب ، سواء من الخريجين الجامعيين وإن اختلف وضعهم، أو ممن انقطعوا عن دراستهم لأسباب مختلفة أكثرها واهية، فصارت الشوارع بيوتهم، والفراغ شغلهم، وقد أصبحوا بلا هوية، ودون هدف أو غاية. وإننا هنا نعذر ونستثني بلا شكٍ الذين كافحوا وأكملوا دراستهم، ولكن لم يحالفهم التوفيق للحصول على الوظيفة، ولهذا هم ينتظرون ما يقابل هذا الجهد بما يناسب مؤهلاتهم، لتحفظ لهم اعتباراتهم المستحقة وهو حق مشروع، ولكننا نقول أن ذلك لا يتنافى مع الإقدام على التجرد من هذه الإعتبارات، والنزول لسوق العمل بأي طريقة يرتئيها من يقرر ذلك، وخوض غمار التجربة والتحدي، وأن يضع شهادته على رأسه تاجاً يزينه تماماً كما يزينه كفاحه.

ولكننا هنا نصوب البوصلة نحو تلك الفئة التي تركت مقاعد الدراسة مع سبق الإصرار والإستخفاف، والتحقت بركب المهزومين من الحياة، الذين يرون العبث والضياع والفراغ هي الحياة التي خلقوا من أجلها ولها ليعيشوها، دون اعتبار لدين أو عرف أو قوامة أو إنسانية، حتى غدوا لا يفقهون من أمورهم شيئاً، سوى الأكل والشرب والنوم والضياع والبحث عن اللقمة بأي طريقة كانت، هذا فضلاً عن اتباع الشيطان وأقرانه، فلا فرق عندهم بين الحلال والحرام، ولا نريد أن نفصل ونزيد أكثر، فاللبيب بالإشارة يفهم.

حتى إذا كبروا ودقت في آذانهم نواقيس الخطر، استيقظ بعضهم، ليكتشفوا أنهم في الطريق الخطأ، وقد تخلى عنهم أهاليهم وأقاربهم، ليبدأوا البحث عن الحياة الحقيقية، والتي فاتهم فيها ما يتمنونه، فإذا هم يبحثون عن مصدر رزق يسد رمقهم، ويحفظ ما تبقى من إنسانيتهم الضائعة.

هل انتبهتم الآن وقد نابتكم الحسرة، وأعترتكم الندامة، وأصبحتم تفتقرون لأدنى متطلبات القبول لعل أحد يحتضنكم ؟

ما نقوله ليس بقصد تحبيط العزائم ولكنها الحقيقة، ولا أقول أن الله عز وجل لا يفتح الأبواب لعباده ليبدأوا من جديد، إنما نحن نضع العبرة هنا حتى يحذر الشاب ويحتاط لنفسه، ويفكر ألف مرة قبل اتخاذ خطوة يندم عليها طوال حياته إن كتبت له الحياة، ونعم وألف نعم، فالله عز وجل يقدر الأقدار، ويفتح الأمل من جديد لمن يريد أن ينوب ويتوب ويعود لجادة الطريق، وينير الدروب لكل ساعٍ لرزقه، والباحث عن كسبه، حين يبدأ الكفاح، ويشمر عن سواعده واضعاً الإعتبارات الشخصية جانباً، ومؤخراً أحلامه وأهدافه حتى حين.

وأمامنا نموذجان نود أن نسوقهما هنا كمثالين للعبرة والفخر:

النموذج الأول هو: الشاب الحبيب الأنيق الأستاذ حسن علي العبيدان، هذا المكافح المبهر، والذي ترك الدراسة ولم يحصل سوى على الشهادة المتوسطة، ولكنه لم ينجرف وراء السراب، حين أدرك أن خطوته لم تكن سليمة، فالتحق بالمعهد التجاري ليلاً، واشتغل نهاراً مع نقليات الخط، حتى تخرج منها، وطارد للخصول على وظيفة أفضل، وهذا ما كان حين أصبح موظف بنك لمدة سبعة عشر عاماً، ولكن ذلك لم يكن كافياً، حيث التحق بالدراسة الجامعية بالبحرين، وكان يذهب لبعض المحاضرات والإمتحانات من وقت عمله أو بعده، لدرجة أنه اختلف مع البنك، واضطر للإستقالة من أجل إكمال دراسته، أو أنه أكملها، وترك البنك للبحث عن وظيفة أفضل، وقد منّ عليه الله تعالى خلال تلك الفترة المنقضية بأن بنى منزله، وأجرَّ بعضه، وصار له مكسب آخر، ولم يطل الأمر به كثيراً حتى حصل على وظيفة حكومية في المدينة، فذهب هناك راضياً، حتى حصلت له فرصة أن ينتقل للعمل جنب أهله هنا في منطقته وهو الآن يعيش حياة كريمة وبمرتب يفوق مرتب وظيفته في البنك كثيرا، فانظروا للفرق بين لو أنه اكتفى بالشهادة المتوسطة، وبين حاله الآن وقد كافح حتى أكمل دراسة البكالريوس وهو على رأس الوظيفة، وعازم على إكمال دراسته والحصول على الماجستير قريباً، فضلاً عن ذلك فهوعضو في مجلس إدارة مضر بالقديح، ولا زال فاعلاً وداعماً للنادي .

الأنموذج الثاني هو الأنيق الآخر ابن العم الأستاذ / أشرف أحمد الزين ، والحاصل على الشهادة الجامعية تخصص “احتياجات خاصة”، وهو تخصص نادر ومن المفترض أن يحصل على الوظيفة مباشرة لندرة من يدرسون هذا التخصص، وقد بقي يبحث عن وظيفة تناسب تخصصه لسنوات، ولكن لم يكتب له التوفيق على مدار هذه السنوات، فقرر أن يمتهن مهنة والده، وأجل تطلعاته، وشمر عن ساعديه، وهو الآن في سوق النفع العام للأسماك، وشهادته على صدره معتزاً بها، وسوف يفتح محليين في السوق قريباً بعد افتتاح المبنى الجديد، إضافة لشراكته مع إخوانه في بعض التطلعات الأخرى، ولا أظنه سوف يتوقف عند هذا الحد، وهو الشاب الإجتماعي المحبوب، وقد جعل من هذه المهنة مهنة رائعة، حيث يلتف حوله الكثير من الشباب، وقد تشجعت بسببه شخصياً على أن أجرب (الحداق) ونجحت ولله الحمد، لأنها في الأساس مهنة آبائي وأجدادي، (وابن الوز عوام) على ما يقول المثل،

الأستاذ حسن العبيدان، والأستاذ أشرف الزين سراجان ينيران دروب التائهين، وأنموذجان نفتخر بهما، ويفترض أن يحتذا بهما، ونتمنى أن لا يضع الشباب العاطل العراقيل أمام أنفسهم ليقولوا أن الدنيا حظوظ، بل نقول لهم أن الدنيا كفاح، ومثابرة وصبر وعزيمة، ولابد في يوم يلتقي فيه الحظ مع الكفاح، لتحصد عندها الغنيمة بلا شك ولا ريب.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×