نحو جيل يدير ظهره لحروب العقائد
منتظر الشيخ
يذهب أهل الدين إلى عدم جواز التقليد في العقائد، كون التقليد اتباعاً أو قبولاً للقول دون بيان الدليل للمقلد، وأن العقيدة لابد أن تأخذ بسماع الدليل وتصديقه، وقد يبدو هذا الأمر في ظاهره يسير جداً، ولكنه كغيره من مواضيع أهل الدين عسير في حقيقة الأمر، فحين الوغول في صراعات أهل الملل، وكيف يبطل أحدهم الآخر، بل ويكفر بعضهم بعضاً بأدلة تكاد مستساغة لذوق كل متلقٍّ، يعيش وسط بيئة توارث عقيدتها من آبائه ومحيطه، ولا يميل في الرأي إلا لما يؤكد أفكاره ومعتقداته التي ورثها من بيئته الأم.
وقد كبرت في زمن كانت أصوات حروب أهل العقائد مرتفعة بمنابر عديدة، فقد أبرزت القنوات الفضائية آنذاك مناظرات وحوارات طاحنة، و الأمر كان أشد في فضاء الإنترنت، بين صفحات المنتديات التي كان يغص بها ذاك الفضاء، أو غرف البالتوك التي كانت تمتلئ بتعصب أشد من الفضائيات والمنتديات.
كان كل هذا يصل إلى أسماعنا نحن الذين لم نكن قد بلغنا أو تقدمنا في شبابنا بعد، كانت أفكار تأسر عقولنا، وتفتح في نفوسنا أشياء كثيرة بعضها لم نكن نقدره، ولا نحسب له حساباً، كانت كل هذه فوضى صنعها أهل العقائد، ولم نكن نعي كيف ستؤثر هذه الفوضى في الترابط الاجتماعي، وفي الصحة العقلية والنفسية في الشباب.
هذه الفوضى أنتجت شباباً متعصباً لعقيدته، كل منه يكفر الآخر، كانت العراق محطة وساحة لهذه الحرب الضروس، انفجارات ومفخخات وتصفيات تزيد من معاناة البشر، نيرانها لم تقف عند العراق بل امتدت لكل المنطقة.
لم تُضِف هذه الفوضى في الحوارات العقائدية سوى المزيد من التوتر والتعصب العقدي، الذي يراد به إشغال الشباب عن المستقبل، لإبقائه في مسطرة الماضي.
إن تراجع الخطاب الديني العقدي وانكماش شعبيته وسط الشباب في أوطاننا مؤخراً، الذي لم نجد لأنفسنا مخرجاً يوماً منه لكبح جماح العنف والتطرف عن عالمنا، ولم نجد سبيلاً لذلك إلا بعصا الدولة، وفرضها لنظام القول والنشر، فما عاد من المسموح والمقبول تأجيج نار هذه الحرب التي تؤثر في تماسك مجتماعتنا، التي لم تكن تعرف طريقاً لهذا التطرف قبل صعود نجم فرسان المناظرات والحوارات العقدية.
و أعتقد أنه بتراجع هذا الخطاب الحاد في لغته، صار لدينا جيل متسامح مع الآخر أكثر، كنت أسأل شباب العائلة الذين يقبلون على الدراسة الجامعية عن الفرق بين السني والشيعي، فكان جوابهم مجتمعين بأن لا فرق سوى في تلك الظواهر العبادية، من صورة الصلاة، حتى الاختلاف في أحكام هلال شهر الصوم وتبعاته، وكأننا مقبلون على جيل أدار ظهره لصراع الماضي، ولا ينظر إلا إلى المستقبل، وعلينا العمل كآباء ومربين على الحفاظ على أبنائنا ليكونوا بعيدين عن مثل هذه الحوارات وما تخلفه من توتر وتعصب عقدي لا فائدة منه على حاضرنا و مستقبلنا.
أحسنت القول