منتدى الثلاثاء يحتفي باليوم الوطني 88

القطيف: صبرة

 أحيا منتدى الثلاثاء الثقافي أمسية وطنية في مشهد ثقافي رائع حمل عنوان “في رحاب الوطن.. تجارب في التعايش والتواصل”، وذلك مساء الثلاثاء 15 محرم 1440هـ الموافق 25 سبتمبر 2018م بحفل متميز تضمن عرضاً ثرياً لتجارب وطنية لعدد من الشخصيات الاجتماعية من مختلف المناطق. كما اشتمل الحفل على معرض تشكيلي للفنانة زينب آل يوسف التي تحدثت عن تجربتها الفنية، وتكريم الدكتورة فاطمة آل قريش الحاصلة على شهادات في طب مخ واعصاب الأطفال وتخصص الصرع وتخطيط الدماغ، ورشحت كأفضل طبيبة زمالة لعام 2016/2017 من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض. وشملت فعاليات الحفل عرض كتاب “الاسلام والتعدد الحضاري” للدكتور عبد الهادي الفضلي.

وبعد مشاهدة الفيلم الخاص بمناسبة اليوم الوطني، افتتح البرنامج عريف الحفل أمين الصفار عضو إدارة المنتدى مرحباً بكافة المشاركين والحضور مشيداً بـما تشهده البلاد في عيدها الثامن والثمانين من تحولات في مختلف الأبعاد. وكانت أولى فقرات الحفل كلمة منتدى الثلاثاء قدمها المشرف العام للمنتدى جعفر الشايب، والذي أشار إلى أن المنتدى ارتأى أن يحتفي بيومنا الوطني عبر ملامسة التجارب الانسانية في التواصل والتعايش بين مكونات المجتمع السعوي ومقاربتها من مختلف الجوانب، موضحاً أن هذه التجارب الجميلة والثرية لم يتم تسليط الضوء عليها. فدائما ما نتغنى بالماضي الجميل الذي كان فيه أبناء الجيل السابق يتواصلون بكل أريحية وعفوية وانسجام، بينما توجد أمامنا تجارب عديدة وثرية من التواصل والتعايش، ينبغي علينا أن نبني ونؤسس عليها كي تكون نماذج ناصعة من التفاعل البيني في المجتمع، داعياً إلى ضرورة توثيق هذه التجارب وبثها بين أبناء الجيل الحاضر، لتكون الدافع لتعزيز اللحمة الوطنية ومواجهة التحديات القائمة، وتحول دون السماح للأصوات المتطرفة بأن تحرف مسار الوحدة الوطنية تحت أي مسمى وشعار، مؤكداً بأن منتدى الثلاثاء الثقافي كان ولا يزال يسعى لتعزيز الحوار والتثقيف حول مختلف القضايا والمواضيع المتعلقة بالشأن الوطني عبر استضافة شخصيات كفوءة من مختلف المناطق والتوجهات.

بعد ذلك تحدث مدير فرع مركز الحوار الوطني بالشرقية الدكتور خالد البديوي، حيث قدم شرحاً موجزاً عن تجربة المركز في تعزيز فكرة التعايش والسلم المجتمعي عبر برنامج “نسيج” والذي يتشكل من ثلاث مسارات: الأول البرنامج الموجه لشريحة الشباب ممن يقل عمره عن ثلاثين عاماً تحت مسمى برنامج الحوار المجتمعي والمعتمد على فكرة سرد الوقائع المعاشة في بعض مناطق العالم كدارفور وراواندا وغيرها مما تعانيه من حروب وتشرذم نتيجة فقدانها لحالة الحوار والتعايش بين مكوناتها القبلية والدينية. والمسار الثاني موجه للكوادر التعليمية لتعزيز دورهم في نشر ثقافة السلم المجتمعي، وقد استفاد من هذا البرنامج حتى الآن 265 تربوي، أما المسار الثالث فهو موجه للأكاديميين والذي يطمح  البرنامج لتنشيط هذه الشريحة التي هي على تماس وتواصل مباشر مع طبقة الشباب وهم الفئة التي يخشى عليها الانجراف وراء دعوات تمزيق النسيج الاجتماعي والوطني.

ثم علت المنصة الدكتورة مريم سعود بوبشيت، المشرف العام على مركز مريم بوبشيت للاستشارات التربوية، وقالت في ورقتها أن نشأتها كانت في مدينة الدمام التي ضمت الكثير من أبناء مناطق المجتمع السعودي بسبب العمل، وأن مجاورتها لمحافظة القطيف شكل في وجدانها مشاعر الأخوة والتعايش، كما أن تجربتها في مجال التدريس الابتدائي والمتوسط في منطقة القطيف عزز لديها تلك الثقافة والمشاعر. واعتبرت أن تلك المرحلة من العمل الوظيفي منحها فرصة التعامل الايجابي والمباشر مع الطالبات وعوائلهم، مما ساعدها على تطوير ونضج تجربتها الإدارية والثقافية، مشيرة أن عهدها الوظيفي الذهبي كان في المتوسطة الأولى بسيهات، حيث خرجت ثلاثة عشر دفعة من خيرة الطالبات خلقاً وعلماً، كما عبرت عن اعتزازها بخدمة الوطن في مجال التعليم في أكثر من مدينة بالشرقية، الذي كشف لها سهولة التلاحم والانسجام بين مكونات الوطن داعية الجميع للإصرار على حالة التعايش لأنه الضمانة الأكيدة للمستقبل الزاهر.

كما كان للشعر صداه الجميل في هذه المناسبة الوطنية، حيث صدح الشاعر الأديب فريد بن عبد الله النمر بمقطوعات شعرية ذات حس وطني عميق، فجاء في قصيدته “يحيرني الكلام”:

الآن أفرغْني بكل خلية حبلى تشير إلى الرؤى

هذا مداك أصالة سمراء تنبت داخلي

حسبي به البحر المغني بثقله

حسبي به تمر المودة بيننا

الآن وحدني على الروح الهيام 

ولكي أراك على صباح مشاعري

لغة تؤازر لحظة العزف الشفيف

أحتاج أن ألج المناطق كلها في روحك الشغفى

لغدٍ يباركه الندى ..

فاشرح لخارطة الهوى لحنا بسرك يُستدام

هذا أنا نخل قطيفي يطيل غنائه

والأرض حب فارع كالبحر في قلبي

إذا تشربك الجمال كما الندامى في العمق

يفصحنا الختام

ما اشهى تربك يا وطن .. وما أغلى ظلك يا وطن

بعد ذلك، قدمت حمدة الغامدي مشاركة صوتية متحدثة عن تجربتها في التدريس بمنطقة القطيف، حيث قدمت إليها وهي لا تعرف عن المحافظة إلاً اسمها، ورغم ذلك عقدت العزم على تحمل الغربة والمسئولية الوطنية في منطقة كانت مجهولة لديها، غير أنها تفاجئت بسرعة الانسجام مع الجميع من طاقم التدريس والطالبات والأهاليز وأشارت إلى أن خلاصة تجربتها الوظيفية والاجتماعية ساعدها على اكتشاف ثروة وجمال التنوع والاختلاف في المجتمعات، واصفة بأن حب الآخر المختلف رقي وحضارة، الأمر الذي شجعها أن تتوسع في علاقاتها الاجتماعية بحضور المناسبات الاجتماعية المختلفة، وهي لا زالت تكن لعشرات الأسماء بالمودة والاعتزاز، مؤكدة أن هذا الوطن قادر على احتضان كافة الأطياف.

وفي صورة وطنية شفافة، شارك الشيخ فرحان الشمري وهو شخصية اجتماعية من منطقة حائل، حيث تحدث مرتجلا بهذه المناسبة عن هذه تجربته في التعايش بالإشارة إلى أن تجربة عمله وانتقاله للمنطقة الشرقية دفعت به للاختلاط بمختلف المكونات المجتمعية من العاملين معه، وسط خلفية وصورة ذهنية سلبية كان يحملها عن المجتمع المحلي وخاصة ابناء الشيعة. وعلى مدى سنوات ومن خلال عدة مواقف وزيارات اتضحت له الرؤية شيئاً فشيئاً وعدم صوابية تلك الخلفية المليئة بالشك والريبة، وذكر الشمري أن من أهم العوامل التي وضعت حداً لتلك الهواجس وعززت لديه روح التعايش والتواصل هو زيارته لبعض اهالي وشخصيات منطقة القطيف. كما عبر عن احترامه وتقديره لدور المنتدى بقوله أنه منحه أفضل فرصة للتعرف على كثير من الأشخاص الذين يتمتعون بوعي وفكر وازن ومعتدل، موجهاً رسالته ونصحه بأهمية الاصرار على التعايش وتحطيم أسوار الهواجس والريبة التي اكتشفها بالمعايشة بأنها أوهام تفصل بين أخوة الدين والدم والوطن.

بعد ذلك كان الحضور على موعد من الفنان والنجم المعروف علي السبع، الذي أضفى على المناسبة روح الفن الهادف ودوره في تعزيز التلاحم الوطني، حيث أمتع الحضور في هذا السياق بمواقف من تجربته الفنية، وكان من أروع ما رواه الفنان السبع لقاءه مع مدير أمريكي تبين له فيما بعد بأنه عربي الأصل غادر وطنه منذ أربعين عاماً وحمل الجنسية الأمريكية. وكانت المفاجأة حينما بث له هذا الأمريكي همه وندمه على ترك وطنه، لما شعر به من فقدان المجتمع هناك لحالة التماسك العائلي والمودة بين أفرادها، مشيراً إلى نعمة العيش في وطن يسوده الأمن وتقارب النسيج الاجتماعي والأسري، كما عاتب الفنان السبع شريحة المعلمين على تقصيرهم في تعزيز حب الوطن لدى أبنائهم الطلبة من خلال الحفاظ على السلم المجتمعي والاهتمام بالممتلكات العامة وعدم تشويهها بالأعمال اللامسئولة.

وكان آخر المشاركين هو محمد العسكر، مشدداً على أن الوطن بخير إذا تم ترجمة الأقوال إلى أفعال، منبهاً الجميع لخطر الفكر التكفيري الذي قد يكون كامناً ومستتراً، مشيداً بأهالي نجران في نهجهم التعايشي، داعياً كافة أطياف المجتمع السعودي على الحرص على تطوير وإعلاء صور التلاحم والتعايش وتعزيزها على مستوى الفعل والواقع وليس فقط على مستوى الكتابة والأقوال. 

وفي نهاية هذا البرنامج الوطني الحافل، قدم ضيف الشرف المهندس عبدالشهيد السني، الدروع التذكارية للمشاركين، داعياً المجتمع لتعزيز مفهوم المحبة بين أطيافه، والذي يعتقد بأنه أوسع وأشمل من مفهوم التعاىيش، قائلاً أن المحبة تحتاج إلى فهم عميق وسيكلوجية مختلفة تؤمن بالتمسك بها، مشيداً بدور منتدى الثلاثاء الثقافي على هذا الصعيد.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×