الفنار الثقافي.. من “الصالون” الشخصي إلى “المؤسسة” الرسمية أكثر من 300 فعالية خلال 32 عاماً من النشاط الثقافي المتنوع
سيهات: شذى المرزوق
32 عاماً منذ ولد منتدى الفنار الثقافي حتى وصل إلى مرحلة النضج والاعتماد النظامي بتسجيله مؤسسة ثقافية نظامية في شهر أبريل من العام الماضي. قد تكون الأولى في المحافظة التي تحمل ترخيصاً رسمياً لممارسة أنشطتها، تحت مظلة وزارة الإعلام.
ولادة الملتقى
رئيس جمعية الثقافة والفنون سابقاً الكاتب عيد الناصر، هو رئيس المنتدى أيضاً، ويذكر أن المنتدى بدأ من فكرة عام 1990 بينه وبين مجموعة من مثقفي المحافظة في مقدمتهم الكاتب والناقد محمد العباس حتى اشتد عود هذا الملتقى، وبرزت ملامح العمل الجاد والمسؤول في برامجه وصولاً إلى عمر 32 عاماً، حيث صدرت الوثيقة التي بها تمكن من العمل بقوة وإصرار وطموح لتقديم رسالته الأدبية والثقافية، وقد مر خلالها بـ 4 مراحل قدم فيها ما يتجاوز عن 300 فعالية بمعدل لقاء كل شهر خلال الـ 3 عقود الماضية.
ومع نموّ المنتدى نشطت عوامل التطور والتغيير فيه وشاركت في صقل الحراك الثقافي في محافظة القطيف، باحتضان مختلف التوجهات الثقافية والأدبية وحتى الفلسفية وتصل بها إلى شرائح متنوعة داخل وخارج المنطقة، متقبلاً الرأي الآخر، وناشراً لثقافة الحوار المفتوح، والطرح المتوازن.
مراحل النمو
وعن تلك المراحل قال الناصر إن “كل مرحلة لها وجوهها الفاعلة والمؤثرة، ظروفها وخصوصياتها، ونحن نعتبرها مسيرة واحدة لأن الفاعلين الرئيسيين موجودين في كل المراحل حتى هذه اللحظة”.
مرحلة الصالون
وأكمل “يمكن القول بأنها بدأت في عام 1990م واستمرت حتى عام 2000م، وهي مرحلة أقرب الى الصالون الفكري، تميزت بطرح برنامج سنوي، كل شهر يطرح موضوع مختلف في الشعر، الرواية، التاريخ، الفلسفة، الموسيقى .. وغيرها.
ومن الوجوه التي ميزت هذه المرحلة هم محمد العباس، عيد الناصر، على عبد الباقي، وفي بعض الأمسيات كان يحضر الشيخ محمد محفوظ (أبو مصطفى) وكذلك الشيخ زكي الميلاد، وتحديداً حين يكون الموضوع له علاقة بالدين، فقد اعتاد الشباب بعد انتهاء الأيام العشرة من محرم أن يناقشوا ما تم طرح على المنابر من مواضيع وما طرح من أفكار مختلفة، وعادة ما يحتد الحوار في مثل هذه المواضيع بين مؤيد ومعارض (حسب العادة) وهناك أسماء كثيرة يصعب تذكرها الآن، فأرجو المعذرة لعدم ذكرها”.
وأوضح “كان الملتقى يستقبل قرابة ال 30 أديب ومثقف وكاتب من أبناء المحافظة شهرياً، حيث كنا نضع برنامجاً لسنة كاملة، يوضع عنواناً عريضاً لكل شهر، مثل “التاريخ” ويعرض على الحضور، ومن يختار هذا الموضوع هو الذي يحدد ما يريد طرحه للحوار والنقاش، قد يكون شخصية تاريخية أو حدث أو مرحلة، وكذلك بالنسبة لباقي المواضيع.”
جمهور أمسية الشاعر حسن السبع في توقيع رواية ليال عنان عام ٢٠١٥
معارض وفعاليات
وأضاف “بالنسبة للتشكيل، أتذكر بأننا أقمنا معرضاً للفنان مجيد الجاروف وصاحبه عرض لمجموعة من الصور التاريخية النادرة عن بدايات شركة أرامكو في الخمسينات وكذلك عن منطقة القطيف، وأقيم المعرض في منزل عبدالله الجفال، الذي فتح أبوابه لإقامة المعرض، أما في الفلسفة أتذكر الحوار في كتاب “الإنسان ذو البعد الواحد” من تأليف هربرت ماركوز، وفي الشعر تمت مناقشة تجربة السياب، وفي الموسيقى قدم المرحوم الفنان أحمد المخلوق أمسية تطبيقية عن المقامات العربية، ففي تلك الأمسية كان يطرح المقام من الناحية النظرية ثم يقدم مثالاً أو مثالين للتطبيق، واستدرك كانت تجربة جميلة جداً.”
مسرحية بتوقيت تاريخي
وأكمل “صادف أن تكون أول مسرحية للمنتدى متزامنة مع تعيين بيل كيلنتون رئيساً لأمريكا عام 1993 م، وحملت المسرحية أسم السجين من تأليف وإخراج محمد العباس وتمثيل عبدالله الجفال”.
رحلات ترفيه
ولفت من باب التغيير بدأنا في إقامة برامج ترفيهية حيث كان جزءاً من نشاطنا الذهاب في رحلات جماعية إلى شاطيء نصف القمر، ويحضر مثل هذه الرحلات أعداد جيدة من المعارف والأصدقاء بما في ذلك الأطفال، وهي رحلات ليس فيها أي طرح ثقافي أو فني، فقط متعة ولعب وأكل وتعارف إنساني.
تجربة لم تكتمل
وأشار “كانت لنا تجربة للأسف لم تكتمل، وأنا كثيراً ما أتأسف عليها، إذ عزمنا على إقامة مهرجان لتجربة الغوص في الخليج العربي، وبالفعل قام الأصدقاء بالإتصال بجيل الغواصين الذين كانوا على قيد الحياة، وسجلوا لقاءات مع بعضهم “بالصوت والصورة”، ولكننا لمن نجد المكان الذي نقدم فيه هذا المعرض أو المهرجان، وبعدها ضاعت أو اختفت كل التسجيلات والتوثيقات التي قمنا بها، في عام 2000م انتهت هذه المرحلة.
عماد بو خمسين أمسية العمارة الروحانية عام ٢٠١٨
مرحلة الرحلات
بدأت منذ 2000م واستمرت حتى عام 2005م، وهي فترة “الرحلات الثقافية”، وفي هذه السنة تم تأسيس أول نادي رسمي للقصة القصيرة في المنطقة الشرقية تحت مظلة جمعية الثقافة والفنون بالدمام، وعين فالح الصغير رئيساً لها.
وأبان خلال لقاءاتنا الشهرية للمشاركة في فعاليات النادي، طرح الأستاذ فهد المصبح السؤال التالي: “يا إخوان كل شهر نحن نلتقي بكتاب القصة والرواية في الجمعية والنادي الأدبي، وهناك كثير من الكتاب ولكننا لا نعرف بعضنا البعض، وهذه مشكلة، لماذا لا يكون لنا نشاط يجمعنا، نشاط ثقافي، فني، اجتماعي؟، وتجاوباً مع طرح أبو أحمد تم اللقاء والتعارف على بعض الشخصيات، وبدأنا التواصل الثقافي في هذا المجال، وولد من خلال هذه اللقاء اتفاق على القيام بنشاط ثقافي يجمع المهتمين بالفن والثقافة والأدب، وبالفعل تم تشكيل فريق عمل لهذه الرحلات، ووضع برامج أول رحلة ثقافية اشتمل على الشعر، والموسيقى والسينما والتصوير والفن التشكيلي.
الفنان سعد الفرج ورئيس مجلس إدارة جمعية الثقافة عام ٢٠١٥
وتابع “وكان للصديق فاضل عمران دور كبير ومتميز في الإدارة والتنسيق والتواصل، وللصديق جعفر الجشي دور مهم في الإدارة المالية، والصديق هاشم أمين في دور المشتريات، وكان الحضور يشكل تنويعة جميلة لتركيبة المملكة، من الأحساء والرياض والخبر ومختلف مناطق الشرقية ومملكة البحرين، وكان للقاص والروائي جبير المليحان والقاص والروائي فهد المصبح (الأمين) دور فاعل وإيجابي ومميز في هذا النشاط، ومن الرياض كان يحضر معنا عبدالعزيز الصقعبي، وأتذكر بأنه عرض أحد أفلامه وكذلك بعض لوحاته التشكيلية، وبرفقته خالد اليوسف، ومن الأحساء كان القاص ناصر الجاسم يحضر بصحبة ثلة من أهل الأدب والفن، ومن الخبر أتذكر المرحوم علي الدميني، و عبدالوهاب الفارس.
من ذاكرة المرحلة
واسترجع “قدمت في الرحلات معارض تشكيلية، و مسرحية من تأليف فاضل عمران، وتمثيل عقيل خميس وإخراج مالك القلاف، وكان للشعر والشعراء، أتذكر بعض الشعراء يلقون قصائدهم، منهم عبدالواهاب الفارس، وحبيب محمود، وأحمد سماحة ألقى قصائد من ديوانه الشعبي، وكان الفنان محمد عبد الباقي وابنه عماد حاضران لتقديم بعض اغانيهما الجميلة، وكان للبيانو أيضاً حضوره المميز عبر أنامل الراحل علي البوري”.
مرحلة الفنار الثقافي
واستأنف حديثه عن المرحلة الثالثة موضحاً “بدأت منذ عام 2014م حتى عام 2020م ، وهي مرحلة “الفنار الثقافي”، مرحلة النشاط الثقافي العام، واستمرت خمس سنوات، وفي هذه المرحلة كان الأب والصديق جعفر النصر (أبو هشام) هو المحرك والدافع الرئيسي لبداية هذا النشاط بالطريقة التي قدم بها للمجتمع، فصار للنشاط اسم (ملتقى الفنار الثقافي) والمكان هو (قبو منزلي)، وبمساعدة كل أعضاء الفنار الحاليين.”
سمات المرحلة الثالثة
عن سماتها قال “تميزت هذه المرحلة عن سابقاتها بفتح دعوات الفعاليات لعموم المجتمع، وركزت الفعاليات على الموسيقى والغناء بشكل رئيسي، الفنان سلمان جهام أفتتح نشاط الفنار الثقافي في أول فعالياته، استضفنا الفنان البحريني أحمد الجميري، والمسرحي الكويتي الكبير سعد الفرج، والشعر كذلك كان له حظ موفور من الحضور، وتغنى الثنائي الفنان شكري عاشور والشاعر مالك آل فتيل بحبهما للقطيف والوطن، وكتاب القصة والرواية أيضا قدموا فعالياتهم في الفنار مثل القاص حبيب محمود الذي أقام حفل توقيع لإحدى رواياته، ربما تكون “زنوبه”، وكان للحوار النقدي مساحة متميزة، حيث كان الكتاب يحدد ثم يعرض للنقاش والحوار بعد فترة لكي يتاح لمن يريد الحضور قراءة الكتاب وتحديد مداخلته وترتيب أفكاره والفلسفة أيضاً كان لها نصيب”.
معوقات العمل
عن أبرز المعوقات التي واجهت العمل الثقافي في المنتدى أوضح” آنذاك لم يكن نظام الجمعيات الثقافية والأندية الأهلية قد أقر بعد مما كان يعرضنا لإحراجات مع الجهات الرسمية كوننا لا نحمل تصريح رسمي لإقامة فعاليات مفتوحة بهذا الحجم ، لذا آثرنا بعد التشاور التوقف تلافياً للإحراج البحث عن مظلة وطنية نتحرك تحتها بشكل قانوني، وكان الخيار أمامنا إما بإنشاء جمعية أو نادي وقدمنا على الجهتين، ولكن الاستجابة السريعة كانت من قبل منصة هاوي كنادي ثقافي وهنا تم الترخيص لنا تحت مسمى نادي الفنار للنقد الأدبي بحيث يكون من السهل علينا إقامة الفعاليات والأنشطة بطريقة رسمية وقد تم اصدار الترخيص في 11 من أبريل 2022م حيث بدأت المرحلة الرابعة من مراحل نمو وتطور المنتدى”.
مرحلة المؤسسة الرسمية
وأكمل “المرحلة التي نعيشها الآن تحت إسم “نادي الفنار للنقد الأدبي لهواية النقد الأدبي” وهي تحت مظلة “هاوي” هي المرحلة الرابعة التي تمت بعد إصدار وزارة الثقافة للقوانين المنظمة للجمعيات والأندية الثقافية، حيث انفرجت الأمور وقدمنا طلباً بالحصول على موافقة لتأسيس منتدى ثقافي بإسم الفنار، وبالفعل تمت موافقة “هاوي” على تأسيس “نادي الفنار” الذي نعمل تحت مظلته الآن بشكل رسمي وقانوني، وهذا رفع عن أعضاء الفنار أي حرج أو خوف من المساءلة، وهي مرحلة نأمل أن تشكل خلاصة متجددة لأنشطة الفنار وفعالياته الثقافية والفنية والإجتماعية.
المرأة في المنتدى
من جانب آخر أجاب الناصر حول موقع المرأة من المنتدى بقوله” المرأة دائماً حاضرة إن لم تكن مقدمة لبرامج فهي ضيفة في الأنشطة والفعاليات التي يقيمها المنتدى، ونلاحظ ذلك في المرحلتين الثالثة والرابعة بشكل كبير حيث كان للحضور النسائي وزنه بين المشاركين والضيوف، كما أن المرحلة الرابعة تحديداً تضم عضوتين من المؤسسات لها هما بدرية السالم وأزهار الرمضان.
أبرز التحديات
وعن أبرز التحديات التي واجهت هذا النشاط الثقافي قال فضلاً عن العمل تحت مظلة رسمية التي أوجدنا لها حلاً مؤخراً بالترخيص النظامي، بدأنا نشاطنا الثقافي في المراحل الأولى بمواجهة تحديات مجتمعية عارضت هذا التوجه وللأسف فقد واجه مثقفي المنتدى و القائمين عليه حملات تشهير وإساءة تجاوزناها بصعوبة نظراً للفكر الذي كان عليه في تلك الفترة حيث كانت شريحة مجتمعية كبيرة ترى في أي حراك ثقافي وأدبي حراك ضد الدين والجوانب المجتمعية”.
وأبان “كل ردود الأفعال والمعارضة التي واجهها المنتدى في بداياته كانت متوقعة، وشخصياً أرى أنها نتاج الاختلاف وعدم التقبل للآخر، وهو جزء من حيوية المجتمع فالمجتمع المنمط غير معتاد على الاختلاف وهو مايجعلنا نطمح إلى العمل بشكل أكبر لترسيخ قاعدة التقبل والحواروإعادة النظر في بعض القناعات والأفكاروأعتقد أن مجتمعنا المسالم قادر على تجاوز الكثير، من خلال الحوار المفتوح وهو ما سيواجهه المجتمع على مراحل قادمة”.
ومن جانب آخر لفت “نطمح أن يكون هنالك مركز ثقافي يضم مختلف الأنشطة الثقافية فالقطيف لديها الكثير من المثقفين، والمسرحيين والفنانين والشعراء والأدباء فلم لايكون هنالك مركزاً يضم كل هؤلاء بأنشطتهم وتوجهاتهم الثقافية”.
تحولات القطيف
وعن التحولات الثقافية في محافظة القطيف بما فيها الاستعدادات لإقامة مهرجان أدبي ثقافي واحتضان الفعاليات الثقافية و إنشاء مركز حضاري علق الناصر لهذه التوجهات أكثر من شق فعلى مستوى البنية التحتية هل القطيف مستعدة لاحتضان مهرجانات وفعاليات أدبية وثقافية.
لافتاً “أي مهرجان يحتاج بنية تحتية واشراك للمثقف فيه، وهذا غير موجود في القطيف، حيث لايوجد حتى مسرح ولاصالات مهيئة لاقامة ندوات بعيداً عن صالات أو قاعات المناسبات والأعراس بل أعني بذلك الصالات التي يمكن فيها إقامة فعاليات أدبية”.
الحركة النقدية مفقودة
وأكمل “مع أن القطيف بها الكثير من المثقفين واعتقد أكثرهم حظاً هم الشعراء إلا أن أي نشاط ثقافي إذا لم يصاحبه حركة نقدية وتقبل الكاتب أو الشاعر له فنحن بذلك نضحك على أنفسنا، ولن أعمم ولكن الساحة الأدبية والثقافية باتت زاخرة بالأسماء والوجوه حتى بات الأمر فيه استسهال كبير لا أعلم سببه فيما كان الولوج لعالم الإبداع الفني والثقافي سابقاً صعباً أصبحنا نجد الآن سهولة في الدخول لعالم الشعر والكتابة والأدب ولعل أحد أبرز الأسباب هو الانفتاح التقني على مستوى التطبيقات التي تسمج لأي كان بأن ينشر في منصته أو حتى يفتح له موقعاً الكترونياً ينشر فيها ما يشاء بلا حاجة إلى الرجوع لا لرئيس تحرير ولا لمثقف أو ناقد، وأعتقد أن مع بعض الاهتمام والانفتاح المجتمعي لتقبل الرأي والتحاور سيفتح المجال للتغير نحو الأفضل”.
الدعم
من جهة أخرى وحول دعم ورعاية الملتقيات والأندية الأدبية قال “الميزانية لمثل هذه الأنشطة الثقافية متوسطة ومحدودة وهنا نقف عند مفهوم عمل الخير فعمل الخير والدعم والرعاية مرتبطة بالمساعدات الخيرية والصدقات للفئات المحتاجة من المجتمع فيما لا تلقى مثل هذه الأنشطة الثقافية الكثير من الدعم والاهتمام، وهذه مشكلة ليت على مستوى المنطقة فقط بل على مستوى المجتمع كاملاً الذي لا يدعم البرامج الثقافية بالشكل المأمول، ولو حصل تغيير فلربما تظهر بوادره بعد عدة سنوات قادمة، حيث من الممكن أن يكون هنالك التغيير في رؤية المجتمع لدعم الشباب في مختلف التوجهات الثقافية والفنية والأدبية لكونها جوانب تنمية تبعد الشباب عن أي توجهات أخرى تضر به.
منتدى الأريحية والعفوية والمواضيع الجيدة …الأمنيات لهم بالتوفيق