[مبصرون 4] حسن الفارس: الكفيف هو الأمّي ولو كان مُبصراً ابن "الخان" علّمته عراقيات.. ودرس في "الكاظمية".. وتخرّج في أمريكا.. وأعجبته "أولاد حارتنا"
القطيف: ليلى العوامي
“الكفيف هو الأمي الذي لا يعي الحياة أكان مبصراً أم فاقداً للبصر”، هكذا وصف حسن سليمان الفارس الإنسان الكفيف من وجهة نظره بكلمات بسيطة، مؤكداً أن فقدان البصر لا يعيق الإنسان إذا أراد أن يخوض غمار الحياة.
زارت “صبُرة” الفارس في منزله الواقع بحي البحر بالقطيف، ليحكي لنا قصته وبدايتها مولده عام 1376هـ في القلعة في حي الخان في منزل جمع الجدان، وجده لأمه محمد صالح الفارس وجده لوالده حسن الفارس الذي توفي قبل أن يتزوج ابنه البكر سليمان.
درس الفارس الإنجليزية طوال خمس سنوات وتخرج بشهادة البكالوريوس، ويقول “الإنجاز الذي أفتخر به هو رؤيتي لتلاميذي حينما أسمع أن منهم من أصبح موظفاً، ومنهم من يحضر للماجستير، ومنهم من يسعى إليه ومنهم من هو في طريقه للدكتوراه، ومنهم من أمتهن التدريس، أو الإشراف على المدارس فهذا هو إنجازي “.
ووصف حسن الفارس حياته بأنها كانت جميلة وسط عائلة أحبته واحتوته وجعلت منه ما هو عليه الآن بفضل والديه وجده محمد صالح ووالدته يقول “كنت ألعب وأسرح وأركض وأتعثر لكنه لم يسبب لي إحباطاً أو انطواءً وردة فعل أبداً” .
وأشار إلى أن جده لأمه كان يناديه حجي محمد حسن بدل حسن، وكان الموجه الأول له نحو التعلم والرقي والحصول على أعلى الشهادات.
وكشف الفارس أن والدته كانت موجهة له، وصارمة حرصاً منها على أن يكون أبناؤها قدوة طيبة، فيما أحاطه والده بالعناية وأرسله للعراق ليحصل على الدراسة الواسعة المفيدة له في مستقبله.
أرسله والده لتدارس القرآن الكريم في الكتَّاب عند المعلم السيد باقر المويلغي، ويقول الفارس حول ذلك “تعلمت قراءة القرآن عند السيد رحمه الله وكان معي آنداك حسن عبدالكريم الزاير، والراحل حسن بن علي بن أحمد الزاير، وعبدالكريم جواد أبو السعود، وعبدالمجيد سهوان، ومجموعة طيبة”. وسماهم جميعاً “إخواني”.
حياته في العراق
كان الحاج سليمان الفارس حريصاً على تعليم ابنه وكان مؤمناً بأن تعليم الكتاتيب لن يتعدى إلا مجالاً واحداً، وهو الخطابة الحسينية لذا أرسل ولده إلى العراق في عام 1367هـ الموافق 1956م، ويضيف الفارس “في العراق التحقت بالمعهد النموذجي للمكفوفين الذي كان له تأثير في حياتي التي كانت بدايتها من المعهد للاهتمام الذي حصلت عليه من مديرها خليل إبراهيم. وبرز هذا الاهتمام في دراستي لدرجة أنه اختارني لإلقاء كلمة كتبها هو لي في نهاية السنة الدراسية الأولى أثناء زيارة وفد من بعض هيئات المكفوفين فألقيتها فلاقت الاستحسان.
ولا أنسى ممن كانت لهم اليد المعطاة لي وهن سلمى سعيد عبدالواحد، سعدية سيد جعفر الهاشمي، رسمية الراعي، رسمية الصفار.
وأضاف “لن أنسى من قلدني وسام الشرف الذي سيبقى حتى بعد موتي الأستاذ حسيب توفيق الذي زين صدري بوسام شرف لا يبلى لأنه أغلى من أوسمة الذهب والجواهر الباقية”.
وبدأ بسرد قصته التي حمَّلته ذلك الوسام الغالي يقول “كنَّا نستنسخ كتاب الدين والتهذيب للصف الخامس ورغم وجود الأصدقاء والزملاء الكرام القادرون إلا أن أستاذ حسيب قال لهم” اذا اختلفتم في شيء فردوه إلى حسن”.
وبعد المعهد انتقل حسن الفارس إلى مدرسة أبي العلاء المعري في الكاظمية لدراسة المرحلة المتوسطة فيها ويتذكر منها مديرها أسعد عبد الحافظ المشهداني، وشمس الدين علي السلطان، والمرحوم السيد صادق السيد شبر، ومرتضى الكتبي، وعبدالحسين الخضير. وحول هذا الأخير يقول الفارس “هو الذي جعل مني معلماً للغة الإنجليزية”.
وحول المرحلة الثانوية يقول الفارس “أنا لا أستطيع إحصاء فضل جميع من في المدرسة عليَّ لما لهم من توجيه على مسيرة حياتي العملية، وأتذكر منهم المدير عبد الصاحب فرمان، والمعاونين والوكلاء عبدالمجيد عبيدة، وسعيد النداف، وموفق الخليل مدرس الاقتصاد .
موقف لا ينساه
وكشف الفارس عن أظرف المواقف التي حصلت له قائلاً “حينما ذهبت في اليوم الأول للمعهد وكعادتهم يوكلون لكل طالب جديد طالباً قديماً يرافقه، ويوجههُ في المعهد. وفي يوم ذهبت معه إلى مطعم المعهد، وحين دخلنا المطعم للغداء بحثت عنه فلم أره، وبقيت جالساً حتى بعد الثانية والنصف ظهراً، وفجأة سألتني إحدى الاختصاصيات الاجتماعيات سألتني: ماذا بك؟ فأخبرتها باختفاء رفيقي.. فأخذت بيدي ودلتني على طريقي”.
وأوضح الفارس أنه سكن في الكاظمية طويلاً، مع وجود السكن في القسم الداخلي بالمعهد، وكان بعد الانتهاء من اليوم الدراسي وأداء واجباته يخرج مع رفقائه لأخذ قسط من الراحة. ومن أصدقائه في العراق أبناء العمران وفايز المسلم الذي استمرت علاقته به حتى بعد عودتهم من العراق.
العائد من العراق
ثم عاد الفارس إلى القطيف في 4 نوفمبر 1968م.. يقول “مرحلة الطفولة انتهت وتقدمت للوظيفة وحصلت عليها وباشرت العمل مدرساً في معهد النور في شهر صفر 22 أبريل 1970م الموافق 1390هـ. حينها كان مدير المعهد حمد عبدالعزيز الحميد، وهو مؤسس المعهد، ولم أعمل تحت إدارته مدة طويلة، فبعد الاختبارات انتقل الحميد إلى مدينة الرياض، ثم جاء أحمد حسين الجار وبقيت معه حتى انتقل من المعهد وجاء بعده الأستاذ عبدالرؤوف أحمد العبدالواحد ثم محمد عبدالعزيز العمير وهو آخر مدراء معهد النور قبل إغلاقه ودمجه.
زملاء معهد النور
وأشار الفارس إلى أن إبراهيم سعد البدنه من الزملاء الذين لن ينساهم، وكان له دور كبير بتوجيهاته في حياته، وباقي الأخوة ـ كما يصفهم ـ كانوا متعاقدين من أمثالهم راشد عبدالرحيم عوض، سليمان خضر العليان، محمد محمود حمدان.
يضيف “توظفت أنا والمرحوم إبراهيم سعد البدنه وآخرين. وفي عام 1394 هـ جاء من المدرسين الجدد شاكر عبدالله الخنيزي، المرحوم عبدالله عبدالكريم أبو السعود، حسين عبدالله الأحمد، وبقينا كأسرة طيبة وكنا أخوة.
الدراسة في أمريكا
توجه الفارس لأمريكا لدراسة البكالوريوس خمس سنوات.. يقول “بقيت في أمريكا لدراسة اللغة الإنجليزية في أمريكا من 1399 هـ حتى 1404هـ بدأت من مدينة ليتل روك عاصمة ولاية أركنسا بمركز لتأهيل المعوقين ثم انتقلت إلى أورغن مدينة كورفاليس بجامعة أوريغون، وقضى السنتن الأخيريين في جامعة سان فرانسيسكو، حتى عاد وهو يحمل البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، واستأنف التدريس في معهد النور مرة أخرى عام 1984م 1404هـ حتى تقاعد في 2006م 1427هـ.
حصاد التجارب
وحينما سألناه ماذا حصدت من تجارب في حياتك كمعلم في معهد النور؛ قال “كسبنا رضا الطلبة ومحبتهم ولا تزال صلتنا ببعضهم طيبة جداً ومنهم من تخرج وزاملنا مثل فالح الهاجري، ومحمد الرميح، وهناك من تخرج وتوظف.
وعن مواد التدريس التي يدرسونها يقول “درست اللغة العربية والإنجليزية، والتربية الإسلامية، والاجتماعيات حتى بعد عودتي من أمريكا كنت “كوكتيل”، ويضيف “ندرس الطلبة بطريقة برايل المعروفة وندرس المواد جميعها، وكل واحد وحسب تخصصه، وكنا ندرس تدريس عام ومن يبدع في مادة يكلف بتدارسها “.
في جمعية مضر
تم اختياره كعضو في جمعية مضر عن طريق الدكتور ناصر بن علي الموسى عضو مجلس الشورى ورئيس اللجنة التعليمية في المجلس، وحول ذلك يقول “لن أنسى حينما قال لهم “عليكم بحسن الفارس” ثقة منه ومحبة رشحني إلى أن أكون عضواً فكان لي شرف المشاركة، ومنذ تأسيس المركز عام 1428 -2007 م وأنا عضو في لجنة التعليم والمتابعة نقدم دورات متنوعة وبعض الشباب قدموا دورات الكترونية ودورات في برايل وشاركت في تدريس اللغة الإنجليزية في المعهد”.
شارك الفارس في سباقات الجري لذوي الاحتياجات الخاصة كما حصل على دبلوم في الحاسب الآلى عام 2000م باجتهاد شخصي في الولايات المتحدة مركز ليثل روك عاصمة ولاية أركنسا لمدة 5 أشهر”.
يقتني الكتب والروايات وقاموس القرآن الكريم من الكويت ومجموعة قصص لسناء الخراز ومن القاهرة اقتنى كتاب الأيام والوعد الحق لطه حسين، وبعض كتب نجيب محفوظ كخان الخليلي وأولاد حارتنا، واللص والكلاب.