التسول من الشارع إلى الجوال.. هاتِ فلوسك يا مغفل..! صراع العقل والعاطفة يفتح المحافظ.. ويشجّع على الجريمة
القطيف: أمل سعيد
صورة أولى: الوقت عند زوال الظل تماماً، في يوم من أيام شهر يوليو، الحرارة تقترب من الـ50 درجة مئوية أو تتعداها قليلاً، تتداخل الصور في عينيك لشدة وهج الشمس، وفجأة تجد امرأة تجلس على قارعة الطريق بجانب صراف آلي لأحد البنوك، وفي حضنها طفل يكاد لا يبلغ العام من عمره، تستعطفك بسؤالها بعد أن يكون منظرها وطفلها قد أثرا فيك أبلغ الأثر، فيرق قلبك وتخرج من محفظتك ما تجود به نفسك.
صورة ثانية: تدخل إلى أروقة منصات التواصل الاجتماعي من أجل المتعة والتسلية أحياناً، وأحيانا يحركك الفضول أو ابتغاء الفائدة، وأياً كان هدفك فلا بد أن ترى تلك الرسائل المتوشحة بذل الحاجة، فتوجعك وتضغط على إنسانيتك بقوة، فهذا أب عاجز ولا يستطيع توفير حاجات أولاده الصغار، وتلك أرملة تريد أن يسدد أحدهم عنها فواتيرها، وثالث ورابع، وهكذا.
هاتان الصورتان وشبيهتاهما كثيراً ما تجعلنا في صراع حاد بين العقل والعاطفة. عقلك يريد أن تحسب المخاطر وراء بَذْلك الذي قد يكون في غير محله، وعاطفتك تحرك فيك رغبة تفريج كربة إنسان ربما لم يجد له سبيلاً غير أن يستعطف الناس، ويسألهم حاجته..
فما هي الطريقة المثلى للتعامل في مثل هذه المواقف، لتجنب أن نؤثم أو نعطي أموالنا لمن لا يستحق؟
ما هو التسول؟
التسول في اللغة هو السؤال والاستعطاء، وأطلقت الكلمة على الشحاذة باعتبارها إلحاحًا في طلب العطايا، وقد أثبتت المعاجم الحديثة هذا الاستعمال ونصت على أنه مولَّد.
أما في معناه القانوني فيقول المحامي ثامر المحيسن إن “المتسول في النظام هو من يستجدي للحصول على مال غيره دون مقابل أو بمقابل غير مقصود بذاته نقداً أو عيناً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الأماكن العامة أو المحال الخاصة أو في وسائل التقنية والتواصل الحديثة، أو بأي وسيلة كانت”، ويضيف “التسول ببساطة هو أي طريقة يطلب فيها الشخص المال تحت مسمى المساعدة سواء كان نقداً أو بطلب تحويلات مالية من آخرين وسواء كان ذلك في المرافق العامة أو في العالم الإلكتروني”.
يجمعون المال.. من العواطف
جرمية التسول
كثير منا، وبدافع من إنسانيتنا، يستنكر معاقبة المتسول سواء بتغريمه أو بسجنه، أو حتى بمنعه من طلب حاجته، ولا يجد لذلك ما يبرره، ولكي تكون الصورة واضحة في أذهاننا لابد من الاقتراب منها إلى حد التعرف على تفاصيلها الغائبة غالباً عن الأنظار..
في مراجعة سريعة لصفحة وزارة الداخلية على تويتر أو الأمن العام نجد الكثير من الأخبار التي تخص القبض على متسولين، وفي الخبر نفسه إيضاح بجنسية المتسول وجنسه وعمره.
والملاحظ في كل تلك الأخبار أن معظم المتسولين ليسوا من الجنسية السعودية، والملاحظة الأخرى أن أغلبهم ينتمون إلى إحدى الفئات الثلاث:
- مخالفي نظام العمل والإقامة.
- المتخلفين في مواسم الحج والعمرة.
- المتسللين من الحدود.
أما النسبة الأقل فهم من المواطنين السعوديين، دفعتهم الحاجة والبطالة إلى التسول، جهلاً منهم بالطرق السليمة لمعالجة أوضاعهم.
نضيف إلى كل أولئك من استمرأ التسول ووجدها طريقاً سهلا لكسب المال من غير كد ولا تعب.
لذلك صدر الأمر الملكي بتاريخ 17/2/1443هـ
وتنص المادة الخامسة في نظام مكافحة التسول على:
ا. يُعاقب كل من امتهن التسول أو حرض غيره أو اتفق معه أو ساعده بأي صورة كانت-على امتهان التسول بالسجن مدة لا تزيد على (ستة أشهر، أو بغرامة لا تزيد على (خمسين) ألف ريال، أو بهما معاً.
- يُعاقب كل من امتهن التسول أو أدار متسولين أو حرض غيره أو اتفق معه أو ساعده بأي صورة كانت على أي من ذلك ضمن جماعة منظمة تمتهن التسول؛ بالسجن مدة لا تزيد على (سنة)، أو بغرامة لا تزيد على (مائة) ألف ريال، أو بهما معاً.
- يبعد عن المملكة كل من عوقب من غير السعوديين – عدا زوجة السعودي أو زوج السعودية أو أولادها وفقاً الأحكام الفقرتين (۱) و (۲) من هذه المادة بعد انتهاء عقوبته وفق الإجراءات النظامية المتبعة، ويمنع من العودة للمملكة باستثناء أداء الحج أو العمرة.
٤. تجوز مضاعفة العقوبة في حالة العود، بما لا يتجاوز ضعف الحد الأقصى المقرر لها.
التسول الإلكتروني
الناس متفاوتون في قدرتهم المالية، ولا يخلو مجتمع من الفقراء والمحتاجين الذين يريدون سد حاجتهم والوصول إلى حد الكفاية، ويؤكد المحيسن “تنتشر حالات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي لأناس يريدون مساعدة في ترميم منزل مثلاً، أو كفالة أيتام، أو تسديد فواتير، وفي كل هذه الحالات على القارىء أن لا يضعف لطلبهم، وأن لا يجعل عاطفته تقوده.
وفي الجانب الآخر على المحتاج التوجه إلى الجمعيات الخيرية، وهي بحمد الله منتشرة بطول البلاد وعرضها، وهي جهات مرخصة تقوم بمساعدة الأفراد، وسد حاجاتهم”، ويكمل “وللإحاطة فإن الأشخاص الذين يستقبلون الأموال بشكل مستمر، ومن مصادر مختلفة، دون مسوغ، فإن ذلك يشكل مسؤولية قانونية، وعليه تقوم النيابة العامة بدورها بالتحقيق في مصدر الأموال وسبب التحويل، والتأكد من أن الشخص الذي يقوم بجمع الأموال مرخص له بذلك، وهل يجمع المال من أجل المساعدة أم أن هناك أهداف أخرى”.
عتق رقبة
وهذه إحدى الحالات التي يتكاتف المجتمع بكل طبقاته للمساهمة في إنهائها، لكن حتى هذه الحالة لم تترك دون تنظيم، كي لا يستغلها ضعاف النفوس في ابتزاز الناس، يقول المحيسن ” فيما يتعلق بجمع التبرع من أجل عتق الرقبة فعلى المعنين بالأمر اللجوء إلى الجهة المختصة بطلب فتح حساب لجمع التبرعات، وهي هنا وزارة الداخلية فقط، فهي المعنية في تنفيذ الأحكام الجنائية، ويتم جمع التبرعات بشكل رسمي وليس عن طريق الأفراد”.
بادر بالإبلاغ
التسول آفة متنامية تسري في المجتمعات دون أن يدرك الناس حجم الخطر المترتب عليها، يضيف المحيسن “حين تعطي أموالك دون أن تتحقق من استحقاق السائل فأنت تعين المجرمين على تدمير مجتمعاتنا، فقد تستخدم أموالنا في تمويل الإرهاب أو في تجارة المخدرات أو في إخارجها من البلد وزعزعة اقتصاد الدولة، وفي غيرها من الشرور. لذا أنشأت إدارة مكافحة التسول، التي تقوم بعمل حثيث من أجل تخليص المجتمع، وتدارك التبعات الجسيمة جراء تمكين الناس للمتسولين من أموالهم”.
مكافحة التسول
وتهدف إدارة مكافحة التسول إلى تحقيق أسس التوجيه والإصلاح السليمة للمتسولين السعوديين حيث يوجه ذوو العاهات والعجزة إلى دور الرعاية الاجتماعية للاستفادة من خدماتها، ويحال المرضى إلى المستشفيات المتخصصة حيث تقدم لهم الرعاية الصحية المناسبة دون مقابل أما المحتاجون مادياً فتصرف لهم المساعدات المالية من الضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية بعد دراسة حالتهم، كما يحال الصغار والأيتام الذين تنطبق عليهم لوائح دور التربية إلى هذه الدور حيث توفر لهم الإقامة المناسبة والتنشئة الاجتماعية السليمة، أما المتسولون الأجانب الذين يشكلون نسبة عالية من المتسولين فإن مهمة متابعتهم وإنهاء إجراءات ترحيلهم تعنى بها الجهات الأمنية المختصة.
وأخيراً.. ليكن هذا خيارك، بادر بالإبلاغ عن المتسولين عبر الرقم 911 في مناطق مكة المكرمة والرياض والشرقية، و 999 في جميع مناطق المملكة.