قتيلة التيزاب.. عانقت والدها في المنام قبل يوم من وفاتها رفضت الزواج لتسدّد دينه.. وساندت أخواتها وأخواتها بموقف رجل

القطيف: أمل سعيد

رأته في المنام في الليلة السابقة لوفاتها، مرتدياً البياض، فعانقته عناق بنت لأبيها. لم تُخف فرحتها بالرؤيا.. قصَتها لأخوتها عبر منصة واتسب، كما نشرت عبر حسابها في سناب شات صورة أب يحتضن ابنته، ودونت أسفل الصورة “واغفر لأبي” يارب.. لا معجم يفسر معنى “أب” كما تفسرها الحياة، ظل وارف ومتكأ، وإن غاب: لا ظل ولا متكأ“.

هاتان الرسالتان هما خاتمة ما بثته “قتيلة التيزاب” لأخوتها وصديقاتها، وبعد أن انتشر خبر وفاتها أثارت الصورة التي كانت عادية قبل ساعات عواطف الناس ودموعهم، فقد وجدوا فيها أنها كانت تنعى نفسها وتشير إلى رحيلها المبكر، فبكوها بحرقة الميتة الفاجعة التي تعرضت لها.

غادرت الحياة وهي بعد لم تكمل عامها الـ 33، وفي عز شبابها تركت الدنيا متعجلة اللحاق بأبيها.

وفاة الأب

تخرجت “قتيلة التيزاب” من جامعة الدمام عام 1431هـ قسم دراسات إسلامية، ولم تلتحق بوظيفة، إلى أن توفي والدها قبل 6 سنوات تقريباً، وكانت متعلقة به كثيراً، وبعد أن توفي الأب الذي كانت تجده “المتكأ” وجدت نفسها مكانه فلابد لها أن تكون هي العائل والسند لأسرتها، ولأنها في ذلك الوقت لم تكن تعمل، فكرت في أن المتجر الإلكتروني سيكون هو الأنسب لها، حيث تستطيع من خلاله العمل وفي نفس الوقت تظل مع أسرتها في البيت أغلب أوقاتها.

وبالفعل أصبحت تبيع حاجيات النساء كالحقائب والأكسسوارات والنظارات والساعات.. وغيرها

كل هذا لتساهم في إعالة أسرتها، وأيضا لتسدد الدين الذي تركه أبوها رحمه الله معلقاً في ذمته، ولم يمهله القدر أن يسدده، فبذلت ما تستطيع، وعملت بجد وجهد كي تتمكن من ذلك.

إلى جانب هذا وقفت المرحومة مع أخوتها وقفة الرجال تماماً، لتدعمهم مادياً ومعنوياً، وهم يبدأون حياتهم الزوجية، فقبل قرابة شهر من وفاتها، شهدت زفاف أخيها، وزفت أختها التي تصغرها إلى عريسها.

الصدقة الخبيئة

رغم حالتها المادية المتواضعة جداً، التي كانت تعتمد بشكل أساسي على عملها البسيط في المتجر الإلكتروني ومشاركتها في أنشطة الأسر المنتجة إلا أنها كانت، بحسب من عرفنها وعاشرنها، دائمة الصدقة، فإن لم تستطع بالمال تصدقت ببعض بضاعتها، ولشدة حيائها لم تكن تعطي الفقراء بيدها، بل تعطي من تثق فيهم ليوصلوا صدقاتها، وتوصي بألا يُعرف مصدر الصدقة، وكانت تؤثر الأيتام من المحتاجين بصدقاتها.

وصدراً يتسع

رفضت المرحومة الزواج خوفاً على مستقبل أخوتها إن غادرت المنزل، من سيعيلهم ويهتم لأمرهم؟، ومن سيقضي الدين عن والدها إن ارتبطت بحياة أخرى؟.

الفتاة كانت محبوبة في مجتمعها. وصِيتها الحسن وأخلاقها يسبقانها في مجتمعها الصغير، كانت أيضاً بلسماً يداوي وصدراً يتسع، فتستمع لمن يشكو إليها همومه، وتجزل في الحب والنصيحة، فلا يغادرها إلا وقد أعطته من سكينتها وروحها.

هكذا عاشت الشابة، أو هكذا تماهت حياتها في حياة من حولها وسعادتهم.

خبر التيزاب

في البلدة الصغير حملت الريح فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي خبر وفاة الشابة، وتناقل الناس القليل من المعلومات الصحيحة، عن الحدث المأساوي الذي وقع صباح الخميس من الأسبوع الماضي، والكثير من الاستنتاجات والتأويلات والإشاعات، لكن الشيء الصادق جداً فيما حدث هو مقدار تعاطف الناس مع المرحومة، وحبهم لها.

الكثير الكثير من الاتصالات والرسائل نزلت تهدر في جوالات أهلها وصديقاتها، إلى الحد الذي صعب عليهم مجاراة أصحابها، وإجابتهم، واختلط المعزي بالمعزى في سيل دموع لا يركد حتى يعاود جريانه من جديد، أما أخواتها فقد ضعف تجلدهن بحجم الكارثة التي نزلت بهم، فقد الأخت الحنونة بميتة بشعة، وإصابة الأم بحروق بليغة، فدخلت الأخت التي تصغرها مباشرة، والمتزوجة حديثاً، إلى المستشفى إثر معرفتها بما حدث.

صدقة جارية

رحلت “قتيلة التيزاب” وفي ذمتها مبالغ بسيطة لأشخاص كانت تتعامل معهم باستمرار بحكم تجارتها، وحين أراد أحبتها إعادة المال إلى مستحقيه رفض الدائنون ذلك وأسقطوا دينها وأبرؤوا ذمتها.

وأكثر من ذلك، حيث جمع محباتها من الصديقات والمعارف وغيرهم مبالغ مالية لتصرف في عمل يكون صدقة جارية لروحها.

والمدهش في الأمر أن المرحومة لم تكن من النوع الاجتماعي، فرغم حبها للناس وأعمالها الخيرة، إلا أنها لم تكن تخالط الناس بكثرة، لكن ما حدث بعد وفاتها يثير الدهشة، وكأن القلوب قد سُخرت لها، دموع ممن عرفها ومن لم يعرفها، ديون أُسقطت، صدقات جُمعت باسمها وأغلب المشاركين ليسوا ممن عرفها ولا علاقة لهم بها، ولم يطلب منهم ذلك.

كرامة لها

“نحسبها في رحمة الله” كانت هذه الجملة هي الترياق الذي يتشافى به محبوها بعد حديثهم عما نزل بها، ولكن تبقى لديهم أمنية أخيرة لها، هي أن تتسارع الإجراءات الرسمية كي يتمكنوا من مواراة جسد فقيدتهم، ودفنها فـ “إكرام الميت دفنه”، وهي جديرة بالإكرام.

اقرأ أيضاً

حروق تيزاب تُنهي حياة شابة شمال غرب القطيف

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×