قتيلة التيزاب.. كيف يموت إنسان بماء النار..؟ الكيمائي الجارودي: مادة للتعذيب والتشوية.. وقد تقتل في حالة الانغماس

القطيف: شذى المرزوق

بعد مضيّ أكثر من أسبوع على وفاة شابّة تقطن إحدى بلدات شمال غرب القطيف حديث الناس في بلدتها. خاصة أن جثمانها لم يُسلّم بعد، وسط أسئلة كثيرة، أهمّها كيف توفيت الفتاة بمادة قاتلة..؟ مادة التيزاب..؟

فهل يعقل أن تفنى روح ويموت الجسد بماءٍ غير مشتعل؟ وهل يمكن لمادة سائلة أن تتسبب في قتل نفس؟

هناك الكثير من القصص التي تنشرها الصحافة العربية والعالمية عن جرائم يقف “التيزاب” وراءها، وكثيرٌ منها يكون هدفه تشويه الضحية، بالذات الأنثى، لأسباب انتقامية في الغالب، والغريب أن المادة الخطيرة مادة منزلية، يمكن الحصول عليها بسهولة، واستعمالاتها تكاد لا تتجاوز التنظيف والتسليك وإذابة ما يسدّ شبكة الصرف الصحي المنزلي.. فكيف يمكن أن تقتل مادة منزلية..؟

ومن أجل فهم الصورة من الناحية العلمية ـ النظرية ـ حملنا أسئلتنا إلى الكيميائي الدكتور سعيد الجارودي، الذي يحمل الدكتوراه في الكيمياء، ويعمل في شركة أرامكو ليشرح لنا طبيعة المادة الخطيرة، ويجيب عن أسئلة خطرها التي قد تصل إلى حدّ الوفاة. وقد جاءت إجابات الدكتور الجارودي بعيداً عن الحدث في ذاته.

اعتداءات عنيفة 

الغريب أن هذا السائل الكيماوي لا يقتل بسهولة، بل هو أحد الأساليب للاعتداءات العنيفة التي يلقي فيه المعتدي مادة حامضة حارقة على الضحية بهدف تشويهها بشكل دائم، أو تعذيبها وقد تصل للموت في حالات مستثناة.

ويذكر الكيميائي الجارودي “أن ضحية مادة التيزاب تموت فعلاً إذا تعرضت مساحة كبيرة من أسطح الجلد في جسدها للماء الحارق، حيث يتعرض جسد الضحية بشكل كبير الى الماء الحمضي الحار، أو عند ابتلاعها للماء أو تعرضها للمادة بشكل يغطي أكثر من 50٪؜ من مساحة أو سطح جسدها (انغماس، او رمي في ماء النار)، وعدا ذلك فهي لاتصل إلى مرحلة الموت لمجرد تعرضها للمادة الحارقة الكيماوية. 

الصورة من الإنترنت ولا علاقة لها بالفتاة

عواقب بعيدة المدى

الجارودي يعمل في شركة أرامكو ويحمل الدكتوراه في الكيمياء من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهو يؤكد أن هذه المواد الحامضة تسبب حروقًا بالغة بالجلد، وتشوهات دائمة في الوجه والجسم وقد تصل إلى العظام وتذيبها، ومن الممكن أيضاً أن تؤدي إلى العمى والوفاة، بالإضافة إلى عواقب بعيدة المدى لهذه الإصابة ومنها الصعوبات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.

المساحة والتركيز 

وأكمل عند إصابه الجلد بمادة الأسيد المركزة؛ فإنها تعمل على حرق الجلد والخلايا، فتقوم بسحب الماء من الخلايا، موضحاً أن الجرعة  القاتلة من مادة الاسيد تبلغ من 4-5 سنتمتر مكعب، بعد أن ينغمر الجسد بشكل كلي أو شبه كلي في المادة، ومع زيادة التركيز وطول المدة المتعرضة لها تنتج عن الجرعة صدمة عصبية ودموية لما سببته من ألم، وحروق وتشوه جسم الأنسان.

مدى الضرر

وعن حروق المواد الكيميائية قال “تشمل جميع المواد الكيمياوية الحامضية سواء كانت كحمض الكبريت وحمض الآزوت. إذ تحدث معظم هذه الحوادث بصورة عرضية إثر انسكاب المادة الحارقة على الجسم، وقد تكون اجرامية ولغاية الإيذاء أو الانتقام، وقد شاهدنا عدة وقائع من النوع الأخير حيث سكب الجاني مادة حمض الآزوت (تعرف محلياً بالتيزاب)، أو حمض الكبريت على الوجه أو الصدر وتتوقف مظاهر الأضرار المسببة عن هذه المواد على درجة تركيز المادة ومدة تعرض الجسم لها”.
وأوضح “كلما كانت درجة التركيز عالية، وملامستها للأسطح والجلد كبيرة، ومدة التعرض لها طويلة فهي بذلك تزداد سوءا ً وتتسبب بالوفاة”. 

جداول حارقة 
و أردف “ينتج عنها تلف الملابس والجسم وتتلون المناطق المصابة بألوان تختلف تبعاً لطبيعة المادة فتكون بلون أسمر ضارب الى السواد بعد التعرض لحمض الكبريت، وبلون مائل الى الصفرة عند التعرض لحامض الآزوت، وبلون مائل الى الحمرة بعد التعرض لحمض الهايدروكلور، وبلون مُسمرّ ضارب الى الحمرة بعد التعرض للقلويات. وتسبب المادة الكيماوية تقرحات في النسيج تنتشر على شكل جداول تمثل طراز انسكاب المادة، وتمتاز الحوامض بكونها ذات فعل مُخثّر فتسبب مناطق تلف نسجي جافة متصلبة وتترك وراءها تندُّبات وتجعُّدات مشوهة.

خطر في المنزل

وأبان أن توفر مثل هذه المواد الكيماوية الحمضية في المنازل يحتاج للعمل بمحاذيره والتثقيف الكافي لمخاطره وما يتسبب به
مبيناً بعضاً من مظاهر استخداماته في سوائل بعض المنظفات، كما يوجد في بطاريات السيارات، و يستخدم كمادة مؤكسدة يمكن استعمالها في تسليك المجاري. 
وأردف “حدث أن تسببت هذه المادة في حوادث انتهت بخسائر بشرية مؤسفة، نتيجة الاستخدام الخاطئ لمادة “التيزاب”، أو ما يعرف عموماً بحمض الأسيد أو ماء النار الذي يستخدمه البعض في تنظيف منازلهم أو تسليك مصارف المياه دون معرفة كافية بمدى خطورة المادة ومضاعفاتها القاتلة، وهو ما يستدعي المطالبة بضوابط تحد من بيعها المفتوح وتضبط استخدامها”.

ضحايا الأسيد

وعرّف حمض الأسيد “المادة القلوية المركزة التي ارتبطت بالعديد من الحوادث المأساوية والحزينة، و ذهب ضحيتها العديد من الناس، فسقوط قطرات منه على الجلد قد يتسبب بحروق من الدرجة الثالثة والخطيرة، بحيث تخترق الجسم وتؤدي إلى تشوهه، ومن هنا فإن التعامل مع هذه المادة خطير جداً، خاصة إزاء نقص التحذيرات الكافية على العبوات في ما توفره الأسواق من هذه المادة”.

وأضاف “رغم التعليم وثقافة الأمهات والآباء، إلا أن نقص الوعي وتجاهل بعض الأمور يجعل أولياء الأمور يتغاضون عن خطورة استخدام بعض المواد الحارقة وغيرها من المواد السامة بتوفيرها في أركان المنزل وجعلها قريبة من متناول أيدي أطفالهم، منها منظفات الحمامات الشديدة التركيز”.

الصورة من الإنترنت ولا علاقة لها بالفتاة

أنواع الحروق

وعن الحروق الكيماوية أبان “توجد 3 أنواع أولية للحروق، وهي الأولى والثانية والثالثة، في حين أن الدرجة الرابعة تشمل جميع أعراض الدرجة الثالثة، ويمتد إلى الأوتار والعظام، ويمكن أن تؤثر الحروق الكيميائية في الجسم من الداخل، حتى في حالة وجود تلف بسيط في الجلد، ولذلك فهي تحتاج إلى رعاية طبية بشكل سريع.”
و أضاف “يعتمد الشفاء من الحروق على السبب ودرجة الإصابة، وبصفة عامة فإن الحروق الأكثر خطورة تحتاج إلى رعاية فورية، بهدف تجنب المضاعفات التي ربما سببت الوفاة للمصاب”.

معلومات عامة

التيزاب أو حمض النيتريك أو حمض الآزوت أو ماء الفضة وصيغته الكيميائية HNO3 هو حمض غير عضوي قوي، شديد التآكلية، و يعتبر مادة سامة، غير مشتعلة، مادة شديدة التأثـر بالماء، له القدرة على إحداث حروق مؤلمة خطيرة ،سائل عديم اللون (شفاف) ذو رائحة خانقة، يتحول إلى اللون الأصفر إذا تم حفظه في قوارير غير محكمة الإغلاق. وذلك بسبب غاز ثاني أكسيد النيتروجين الناتج من تحلل الحمض، المادة غير مشتعلة ولا تشتعل ولكن تتحلل بالحرارة وينتج عنها أبخرة آكلة وسامة وقد تتولد حرارة عالية تعمل على زيادة تركيز الأبخرة في الهواء. و يتسبب في حدوث تولد لغازات مهيجة وسامة مما يتسبب في تهيج الأنسجة وتآكلها أو تسممها. (يسبب حروقا شديدة).

اقرأ أيضاً

حروق تيزاب تُنهي حياة شابة شمال غرب القطيف

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×