عني سأطرح هذه الأرض
محمد الماجد
الأرض
عني سأطرح هذي الأرض عن كتفي
مللتُ يا ريحُ ملّ الطين فانصرفي
ما عاد عندي من خيل أعتقها
ما لي وللخيل ما شأني وما كلفي
خمسٌ وخمسون ظلَّ العمرُ يصرفها
صرف الأباطيل بالتلفيق والزلف
خمسٌ وخمسون سرجاً كاد يقتلني
حزني عليها وحرّ الآه وا آسفي
فما السروج وقد ذلَّت أعنّتها
وما السروج وهذي الخيل من خزف
إليَّ يا أنت يا ليلاً أراقبه
يعوي كما صرصرٍ بالجن مكتنف
قالوا سمنتَ، ولم تشبع مقامرةً
حتى ملئت جيوب الفحم بالصدف
ونذرتَ كأسيَ، كأساً كنت أطرقها
طرقَ الغبوق، لصبح بائس خرف
حتى أتيت على كرمي وخمرتها
حنى مشيت بدل الوادع الترف
أنبيكَ يا هيه ما زلّت مراشفها
عن سالكٍ علَّها إلا إلى لصحف
أنفاسها من نبيّ كان يعصرها
ثم اعتراها وليٌّ بعده وصفي
أفياء مكة أفياها وأسفلها
في القدس يمشي وأعلاها من النجف
ولن ترى ظلها إلا رذاذ سناً
فالشاربون أضاءوا والسّقيم شُفي
الجواميس
ترجّلْ
عليكَ من الشِّعر ما تستحقُ ترجّلْ
فهذي القصيدةُ منذ البسوس
ولا خيلَ فيها
وهذي طرائدُها في الجبال
ولا ذئبَ إلا أخوك المهلهلْ
ترجّلْ
وقُل للقصيدة
يا أختُ ماذا على الجَمْر
إن مسّه طارقُ الريح ليلاً
وماذا عليَّ وقد هاجني مطرٌ:
دونكَ البابُ، بابُ القصيدةِ، فادخل مُطِرتَ
وعرّج على نار ليلى
تعللْ
ألا قيسَ في الدارِ؟
لا شِعْرَ تحت الخباء؟
ويا ليلُ .. يا ليلُ
إني حملتكِ والشِّعرَ حمْلَ الهوادج
وارتبت في النوق
حتى لوين ذراع العشيِّ
وأردفنَ جمراً
وكنتِ على الجَمْر
أمضى من النار نصْلاً
وأعجَلْ
فهلّا شهرتِ لنا مطلعاً من الشِّعْر نغمد فيه الكلامْ
وهلّا نصبتِ لنا شَرَكاً من يمامْ
وطار اليمامْ
غناءً يهيج حتى رخام المقابر
طار اليمام
تحدث أبوك السحاب
-وماذا أقول؟
-قصيدةُ عشقٍ
دِلالٌ من الشِّعر
إمّا جرت في عروق الربابة
فاض (الحجازُ) على ضفتيها
فأبكى وأثكَلْ
مطالعُ تضربُ أوتادها في العراء
ومسرى ضباءْ
غيومٌ تعاودني كلّما
كسرتُ جراري على بئر ماء
بروقٌ تئنّ
وعشقٌ مزمّلْ
كأن شتاءَ القصيدة باكَرنا بالبديع
وأنّ جناساً أتانا محمّلْ
———
وإني اعتمرت سحاباً
ودحرجت برقاً على مفرق الليل
علّي أرى
فرأيتُ:
رأيتُ مسيلَ الدخان
وريشَ اليمام
وناياً تغنّي
وصوتَ امرؤ القيس عريانَ أعزلْ
وطار اليمامُ
غناءً يهيّج حتى رخام المقابر
طار اليمام
اتّئد يا امرؤَ القيسِ
حَسْبُك هذا الغناء المعمّرُ
حسب الأغانيْ
وحسبكَ هذي النساءُ اللواتي احتطبتَ
خلعن بجمرة أكبادهنَّ سماء اليمامة
سقفاً فسقفاً
وهنَّ حريقٌ بدومة جندّلْ
فماذا فعلنَ
لتحملهنَّ على هودج الليل هذا
وماذا ستفعلْ؟
بشِعْرٍ يمسّد أوجاعَهنَّ
ويطوي المخادع طيَّ الملولِ
بـــــــ (حرٍّ) و(مُرسَلْ)
وماذا ستفعلْ؟
وهنَّ نخيلُ القصيدة
أعلى من الليل كعباً وأطولْ
ولا بابَ لليل
لا بابَ يدخلُ منه النهارُ سوى حائط من بغال وثيرانَ
فاكتب لِكلِّ غزالاتِ قلبكَ أنْ يطّرحن النهار
وقل للمساء تفسّح قليلاً
لكيما يمدّدن أطرافهنَّ
وراقب مساءك
راقب
تأملْ
فلا شمسَ تفضحُ غاباتِ أسرارهنَّ
ولا ظلَّ يفلي رؤوسَ مناماتهنَّ صباحاً ليسألْ
تمازحهنَّ بِشَهدٍ يسيلُ فصيحاً على شفتَيك
وتعضِلهنَّ
بمرٍّ وحنظلْ
وتنهبُ حتى يفزَّ السُّليكُ
وتبذِلُ حتى يفزَّ السَّموألْ
——
فممَّ؟
وكيفَ؟
وحتامَ تلحن في نطق اسماءهنَّ؟
وهنَّ الخبيئاتُ تحت لسانكَ
ينتفن ريشَ الحروفِ
ويسلخنَ جلدَ القصيدة
حتى تنزَّ ديوكاً
فتهتاجُ كلُّ الحضائرِ:
هيّا بنا يا ديوكُ
بنا يا إوزُّ
بنا يا جِراءُ
بنا يا سمندَلْ
قبيلاً قبيلاً
دروعاً من الأبجدية نهوي
ندافع عن سور هذي القصيدة
عن أرضها أو نموتُ
كحَبِّ حصادٍ على حدّ منجلْ
نقصُّ أبانا الذي كان يوماً
يقصّ لها أثرَ النائمات
على ركبتَيها بـــــ (دارة جَلجَلْ)
فيعقر يوماً
ونعقر يوماً
وهنّ على الماء:
سربٌ يغطُّ
وسربٌ يطيرُ
وسربٌ يُؤلْ
وطار اليمامُ
غناءً يهيّج حتى رخام المقابر
طار اليمام
ويمضي الحريقُ بهنَّ بعيداً وتمضي
فإما انطفأن سكبتَ عليهنّ زيتاً:
“فمثلكِ حُبلى قد طرقتُ ومرضعٍ”
وقلّبتهن صفيفَ شواءٍ
بمدٍّ رقيقٍ
وضمٍّ رفيقٍ
وشدٍّ صفيقٍ
ومَيل بغنّى
فلا أنتَ أنتَ
ولا هنَّ هنَّ
وأنتَ تجوس خلال المثنى
فهات الصفيفَ وقد خرَم السَّمنُ أذنَيهِ
ذابت يداهُ
وأولِم
تمنى:
حييٌّ تمشّى كمشي السحاب
وأخرى لعوبٌ
كُمثرى مُبلّلْ
مساءُكَ عرسٌ إذن يا مرؤ القيس
عرسٌ يليق بأبهى أميرٍ
حريقٌ من الفاتناتِ
رمادٌ يضيء
ولكنّ صُبحَكَ مازال أرملْ
فممَّ الحريقُ؟
انطفئ يا صديقي
انطفئ أو تحوّلْ
أتحسبُ هذا الذي بيننا محضَ شِعْر؟
كلامٌ يعيد الذكورَ لأحضان زوجاتهم دون أسلحة
سعداءَ
ودودينَ
متّكأينَ على أمل في المجازْ
وبحرٍ طويلٍ
تنام على ضفتَيه بناتُ الحجازْ
أتحسبُ هذا الذي بيننا محضَ فاصلة؟
ليكن
ولتكن فرسٌ أزرقٌ
ريشةٌ من جناح القصيدة
تلك التي سوف نحمل أوزارها من عكاظَ إلى ذي المجازْ
وماذا ستحسبُ أيضاً لتحسبَ:
حَبُّ القرنفلِ
عِلكُ اللِّبان
وخوف النعام إذا ما عبرن هزيعَ النفوذ إلى حلم بازْ
أتحسبُ هذا الذي بيننا محضَ صيدٍ؟
أعمُّ من الصَّيد
أدهى وأنكلْ
فهيّا تعالَ
تعالَ هزيماً من الرّعد
سيلاً من اللعناتِ
ووفّر يدَيكَ لِسَوط ومعولْ
كلانا سيضرب أنفَ القصيدة حتى تفئ إلى مطلعٍ
بين أم الرباب وأم الحويرث
بين (الهجيني) وبين الغناءْ
كسولٍ
كحناءَ تمشي على سُلَّم أبيضٍ في المساء
قطاةٌ تفلّي قطاةً
وضبيٌ تناور ضبياً
وسهمٌ نبيلٌ
ومرمى سفرجلْ
وطار اليمامُ
غناءً يهيّج حنى رخامَ المقابر
طار اليمام
وعاد عليَّ امرؤ القيس
عاد بجَمْرٍ ومنقلْ
فأوقد ناراً
وأشعلَ بيتاً كذيل الثّريا
أضاءَ صدورَ المطيّ لنا
ثم أكملْ
فهبّت علينا نؤومُ الضحى
هودجاً هودجاً
ورويّاً
رويّاً
وثنّى بأخرى
فكبّر فينا بعيرٌ وهللْ:
-سلامٌ
-سلاماً
-“أمِن أمِّ أوفى ..؟”
-وحِرنا قليلاً
فكفكف طيراً على منكَبَيه
وعضَّ لِجامَ النَّسيم فأقبلْ:
ياطيب طاريه من يسري أشمّن وعِل
جلوة رياحين طبها الذيب وجفلة وعل
ياليت ساريه كود اللّيت تنفع وعَل
يطبقني راحات وبقلبي يجر سامره
بردانه لدفوف وبحضان الجمر سامره
عافن هوا البيض وصاحن حيل يلسامره
جلهن نثايا وما بيهن خلافَك وعِل