“أبانا” الذي في الشعر
جاسم الصحيح
إلى الصديق والشاعر الكبير الشيخ عبد الكريم الزرع:
تَشِفُّ مِثل تَجَلِّي الوحيِ بالمَدَدِ
كأنَّما أنتَ مخلوقٌ بلا جسدِ
فيا (أبانا) الذي في الشعرِ.. معذرةً
إنْ لم يَسَعْكَ جمالًا خاطرُ الوَلَدِ
نهواكَ نهواكَ حتى نستحيلَ هوًى
يُروَى كـمَتْنِ حديثٍ مُوثَقِ السَّنَدِ
يكادُ كلُّ (مُريدٍ) بين أَظْهُرِنا
يصيحُ : لولاكَ لم أعثرْ على (وَتَدي)!
فإنْ تهيَّأتُ للنجوى، وطَهَّرَني
حبرُ الوضوءِ، وقد شمَّرتُ عن عَضُدي
ما جئتُ أنسجُ من معناكَ قافيةً
وإنَّما لتُصَلِّي في هواكَ يدي!
فما القصيدةُ باسمِ الحُبِّ نكتبُها
إلا الصلاةُ لوجهِ (الواحدِ الأحدِ)
*****
يا شاعرَ (الخَطِّ).. يا مُهدي شواطئِها
من النوارسِ أسرابا بلا عَدَدِ
ويا (أبا بحرها) الثاني.. وبينكما
قُربى من الموجِ لا قُربى من الزَّبَدِ
هذي هِيَ (الخَطُّ) صاغتْ منكَ حنجرةً
للبحرِ، فيها غناءُ المُبحِرِينَ ندي
تلبَّسَتْكَ القوافي كي تخيطَ لها
لباسَها من حريرِ الخُلدِ والخَلَدِ
فما برحتَ مع الفصحى تُفصِّلُها
على رؤاكَ فلم تُنقِصْ ولم تَزِدِ
وتجتليها عروسًا في مباهجِها
ريفيَّةً ترتدي فستانَها البلدي
وصوتُكَ الهمسُ يحكي في سكينتهِ
عن شاعرٍ بشفاهِ الوحيِ مُتَّحِدِ
والشعرُ دربُكَ; ما شَحَّتْ إضاءتُهُ
من فَرطِ ما تلتظي عيناكَ بالسَّهَدِ!
دربٌ سلكتَ سلوكَ الناسكينَ بهِ
حتى تغشَّاكَ نورُ المطلقِ الصمدِ
****
كنزٌ بـ(تاروتَ) لم تنفدْ لآلئُهُ
ولا المدادُ تشكَّى قِلَّةَ المَدَدِ
منذُ التقينا معًا في دربِ فكرتِنا
لقاءَ حُبٍّ وأحلامٍ ومُعتَقَدِ
كانت تعيشُ قوافينا رضاعتَها
ملفوفةً في قماطِ الشعرِ، والمَهَدِ
رُحنا نُوَحِّدُ في مجرَى حناجرِنا
صوتَ الحياةِ بصوتِ الشاعرِ الغَرِدِ
قصائدٌ قد أناختْ في الجذورِ بنا
وأطلقتنا غصونًا باتجاهِ غدِ
ذابَ المدى واتَّحدنا في مصائرِنا
توائمًا كاتِّحاد الروح بالأبدِ
نسري مع الشعر (سيَّابا) و(نابغةً)
ما بين (جيكور) و(العلياء فالسندِ)
نسترشدُ التيهَ في بحر الخيال، ومَنْ –
يسترشدُ التيهَ لا ينوي على الرَّشَدِ!
ما مِنْ فراشةِ وَعْيٍ لا تُطاردُنا
إلى حقولِ الرؤى بحثًا عن الشَّهَدِ
ومحنةُ الغيبِ تَقرينا ولائمَها
من الهواجسِ والأوهامِ والعُقَدِ
مُبرمجونَ على الأحزان، يُسلِمُنا
قديمُهُنَّ إلى أحزانِنا الجُدُدِ
فما عرفنا نهارًا غيرَ مُلتَبِسٍ
ولا سهرنا بلَيلٍ غيرِ مُتَّقِدِ
هِيَ (الثلاثون) فيما بيننا ركضتْ
ونحنُ في شوطِها خيَّالةُ الجَلَدِ
نحن الندامى/القُدامى في محبَّتِنا
من قبل أنْ يهجسَ الإنسانُ بالحسدِ
ونحنُ رحَّالةُ الأعماقِ، نذرعُها
ذَرعًا، لنفهمَ سرَّ الجوهرِ النَّكِدِ
فكمْ فتحنا على الأرواحِ نافذةً
وكمْ طرقنا على بوَّابةِ الجسدِ
وكمْ بحثنا عن المعنى وتاهَ بنا..
لا (الريلُ) عادَ ولم نعثرْ على (حَمَدِ)!
والشعرُ لم يُبقِ منَّا غيرَ أوردةٍ
(أخنَى عليها الذي أخنَى على لُبَدِ)
لعلَّ مَنْ خَلَقَ الإنسانَ في كَبَدٍ
قد زادَ من حِصَّةِ الفنَّانِ في الكَبَدِ!