زينب في “فتاة القمر”.. وجع 21 سنة مع الـ “سيكلسل” في 246 صفحة أسرة الدبيسي تدرّبت على التضحية.. وجرّبت العزلة.. ووصلت إلى رفوف المكتبات

القطيف: شذى المرزوق 

“لا أعلم أي عبارة أرسلها للجميلة ابنتي زينب، فهي من كانت تثق في أن روايتي رائعة، وتستحق النشر، أهديك جميلتي روايتي الأولى”..

زهرة الدبيسي كتبت هذه الكلمات في مقدمة إصدارها الأول، في صورة إهداء. كأنّها تعلم يقيناً أن الصفحات الـ 246 التي ضمتها دفتا الرواية المطبوعة، لم تكن مجرد أحرف في صفحات كتاب، يروي حكاية خيالية، يُضاف إلى صفوف الكتب في المكتبات ودور النشر، بقدر ما كانت عرضاً لما أنتجته تجربة شخصية، وحصيلة تكاتف عائلي قوي حظيت به أسرة زهرة، وتجسدت أبعاده مع رحلة علاج طويلة، عاشتها الأسرة مع زينب المصابة بفقر الدم المنجلي، ليأتي الإهداء وكأنه تتويج لأمومة زهرة، واعتزار ببقية الأبناء. 

تجربة المرض، ومن بعدها تجربة العلاج، التي عاشت زهرة (40 عاماً) تفاصيلها، جعلتها تفكر في تأليف قصة أخرى، تتناول فيها أمراض الدعم الوراثية، وآلية العلاج، ستطلق عليها عنوان “اليوم صفر”.

حصيلة العزلة

تذكر زهرة، وهي من سكان مدينة القطيف، أن الحكاية التي كتبتها في وقت عزلتها في مدينة الرياض مع ابنتها المريضة زينب، كانت تسيطر عليها مشاعر الوحدة التي تمر بها، بالإضافة إلى مشاعر الحنين والشوق إلى أفراد الأسرة، وهم يعيشون تحت سقف واحد، ومشاعر الخوف والقلق على الابنة المريضة، وأختها التي تصاحبها رحلة العلاج.

فتاة القمر

وأوضحت زهرة أن الحكاية التي كتبتها كانت خيالية، وتحمل اسم “ايكيز”، ما يعني “فتاة القمر”. وتقول “هذا النوع من الحكايات يستهوي ابنتي زينب، ولأجل تسليتها، عملت على كتابة هذه الحكاية خلال ما يقارب 45 يوماً”.

وأكملت “حين أردت طباعة القصة، وجدت تشجيعاً من بناتي على ذلك، مع بقية أفراد أسرتي الكبيرة؛ عمل أخي على تصميم الغلاف، باستخدام صورة لابنته فاطمة، وقطة بيضاء تشبه القطة التي اشتريتها لابنتي زينب”.

وأردفت “كل ما يدور حول هذه الحكاية الخيالية، يرتبط بواقع عائلتي الحانية، التي دعمتني وساندتني خلال فترة علاج زينب من آلام فقر الدم المنجلي، بدأت الآلام مع ابنتي منذ الأشهر السنة الأولى من عمرها، حتى بلوغها سن الـ21 عاماً، وبعد هذا العمر انتهت معاناتها الصحية، بدعم أختها الصغرى جنان، التي تبرعت لها بالخلايا الجذعية، لتقف حداً أمام كل ليالي السهر التي كانت تمكث فيها بجانب أختها، وهي تسمع أنينها وصراخات الألم منها”. 

10 أيام

وتُكمل الأم متذكرة بعض التفاصيل “مرحلة العلاج بينت تطابق وقابلية تبرع جنان لأختها بالخلايا الجذعية، كما بينت أن نسبة نجاح عملية الزارعة مبشرة بالخير، وهو ما جعلنا أكثر حرصاً على أن تمر تلك الفترة دون أي عدوى تسبب في انتكاسة الحالة”.

وتابعت “دخلت زينب وجنان في مرحلة العزل لمدة 10 أيام، حيث كان جسد جنان مستسلماً لأبر تغذيها بخلايا أكثر، تعمل على تقوية مناعتها، تفادياً لأي عدوى ممكن أن تصيبهما قبل العملية الجراحية”.

تذكر الأم “لم يكن الأمر سهلاً أن أترك ابنتي زينب (20 عاماً) وجنان (19 عاماً) في قسم الوحدة المعزولة في  مستشفى في الرياض، وأعود إلى منزلي في القطيف دونهما، فالأمر كان صعباً، وبقدر صعوبته، بقدر الدروس والعبر التي استفاد منها الأبناء”.

وأكملت “عندما تمت عملية التبرع من جنان، ذهبت وأعدتها معي إلى المنزل، فيما بقيت زينب هناك شهراً كاملاً، حتى أصبح عدد كريات الدم البيضاء لديها مقبولاً، وتفاعل جسدها مع الخلايا الجذعية، فاتصلت لي بصوتها الهادئ المتعب لتخبرني بإمكانية خروجها من المستشفى، ولكن بشرط أن تبقى في سكن قريب معزول، إلا من مشاوير المتابعة اليومية للمستشفى، بالفعل تركت أخوتها، وسافرت متلهفة للاطمئنان عليها، وبقينا هناك تقريباً شهر ونصف الشهر، في الوقت الذي كانت فيه جنان تتحمل كل مسؤولية البيت، من ضمنها، مسؤولية طفلين عمريهما 3 و4 سنوات”. 

الخلايا الجذعية التي تبرعت بها جنان لمساعدة أختها

وحدة العزل

وأكملت “اهتمام جنان بشقيقها، بلغ ذروته، حتى أنها أقامت حفلة بسيطة لأخيها، تحتفل بعيد ميلاده وقتها، وأرسلت لي صور الاحتفال، وكم كان شعوري متأرجحاً بين فخري بها، وقلقي وخوفي عليهم جميعاً، بالإضافة إلى كل مشاعر الحنين للبيت، وخلال هذه العزلة، كتبت روايتي الخيالية، وعدت بإصرار من ابنتي زينب، على طباعتها ونشرها”. 

زينب في وحدة العزل الصحي

الأم المكافحة

عن نفسها قبل هذه التجربة، تحكي زهرة “أنا أم لـ6 أولاد؛ 3 بنات، ومثلهن أولاد، 3 منهم مصابون بفقر الدم المنجلي”.

وتتابع “تزوجت بعمر 17 سنة، تحديداً عندما كنت في الصف الثاني الثانوي، وأنجبت زينب، وكان عمري 18 سنة، وكنت حينها في المرحلة الثانوية، وتركت الدراسة بسبب وضع زينب الصحي، وبقيت معها بسبب دخولها المتكرر إلى المستشفى”. 

وتقول “أحببت دائماً أن أتعلم وأطور نفسي، وأنمي قدراتي، فدخلت في منتدى صحي، وكنت أشارك فيه بالتوعية بالأمراض الوراثية والأمراض النادرة، من واقع تعايشي مع مرض ابنتي، وبقيت في المنتدى نحو 7 سنوات، وبسبب حبي للمنتدى ورغبتي بالتعريف بالمرض وشرحه، تعلمت التصميم باستخدام برنامج الفوتوشوب، وشاركت بتصميم حملات توعوية”. 

فتى الميلاد

وأضافت زهرة “كرست وقتاً كبيراً للتعلم الذاتي، فتعلمت برامج الأدوبي، وبرامج الميكروسوفت أوفس، وبرامج المونتاج، وفكرت أن استثمر ما تعلمته، وأعمل على إيجاد مصدر دخل لنا، ففتحت مشروعاً منزلياً بسيطاً، عبارة عن “تصميم وطباعة حرارية”، ثم بدأت بتعلم شيء جديد، وهو فن تشكيل البالونات، وبالفعل تعلمت أن أعمل أشكال مختلفة بالبالونات، مثل الأقواس، والشخصيات المختلفة، وفساتين وقبعات البالونات، وأيضاً دخلت بشغف جديد، وهو التعليق الصوتي، فكان لي عدة فيديوهات منتجتها بصوتي”. 

طموح لاينتهي

واسترسلت زهرة “في العام الماضي، قررت أن أكمل دراستي في المرحلة الثانوية، وأن أنجح بتقدير يعكس طموحي، والحمد الله نجحت وبتقدير ممتاز ونسبة عالية، وحالياً أطمح بدراسة الأمن السيريالي، وإن شاء الله سأحقق طموحي”.

اليوم صفر

عما تنويه بعد هذا الإصدار، قالت زهرة “اعتزم العمل على تأليف كتاب آخر، تحت عنوان “اليوم صفر”، يتكلم عن التعايش مع مرض فقر الدم المنجلي، وتأثيره النفسي والاجتماعي، وتأثيره أيضاً على العائلة، وأتطرق فيه إلى رحلة العلاج بزرع الخلايا الجذعية، واخترت عنوان اليوم صفر، لأن يوم التبرع بالخلايا يسمى اليوم صفر”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×