زهراء.. وثقت في “نصّاب”.. فورّطها في جريمة “غسيل أموال” "استثمار" وهمي.. فـ "مدير أعمال" استغلّ رصيدين.. فالشرطة.. فالنيابة.. فالمحكمة

القطيف: أمل سعيد

“لقد اسودت الدنيا في عينيّ، ماذا أفعل وكل هذه الاتهامات توجه إليّ، كيف أدافع عن نفسي؟، هل يكفي أن أقول إنني كنت ساذجة وغبية..؟ نعم كنت غبية.. كيف أُمكِّن أحداً من حساباتي البنكية..؟ كيف أثق في أحد لم ألتقِ به ولا أعرفه وأكشف له كل معلوماتي البنكية..؟ إنها الحقيقة وليتها تفيدني.

كلنا يعرف أن القانون لا يحمي المغفلين، ولقد استغفلني الرجل، نعم لقد استغفلني وحريٌّ به أن يفعل، فثقتي المفرطة في كل الناس، أعطته الضوء الأخضر كي يفعل”.

هذه القصة تجاوز فيها النصاب الحد الشائع الذي اعتدنا معرفته، فلم يكن هدفه أن يحتال على ضحيته ليسلبها مالها فقط، وإنما جرها لما هو أخطر دون أن تشعر بشيء، لقد ورطها في قضية غسيل أموال، وقضايا نصب واحتيال، فكيف تم له ذلك؟

هذا ما قصته لـ “صُبرة” زهراء الأربعينية التي تعمل لتعيل أهلها وأبناءها في غياب العائل الرجل..

تقول “بدأت حكايتي عام  2019 ، كنت أتصفح برنامج إنستقرام، فقرأت الإعلان التالي:

تعلم كيف تدخر وتستثمر أموالك.. استشارات مجانية.. فقط سجل معلوماتك وابدأ معنا“..

تكمل “وما إن أكملت تسجيل بياناتي العادية: الاسم والبريد الإلكتروني ورقم الهاتف؛ حتى اتصلت بي فتاة، وعرّفتني بنفسها قائلة: معك سارة الـ…… ، وسألتني بلهجة جداوية جميلة عن سبب تسجيلي فأجبتها بأنني أريد أن أعرف كيف أستثمر، وأريد أن أسجل في الدورة المجانية”. تستدرك زهراء “كنت أظن أن الاستشارة عبارة عن دورة، لكنها قالت لي: هذه ليست دورة، وأخذت وقتاً ليس بالقصير تسرد لي مزايا مؤسستهم، وأعمالهم الكثيرة في مساعدة أبناء الوطن، وأنهم كفريق يسعون إلى مساعدة الشباب في الوصول إلى أهدافهم، عبر استثمار المال معهم”.

تضيف زهراء “ولأني سمعت الكثير عن حكايا نصب بدأت باستثمار؛ قلت لها: لا لا.. أنا لا أرغب في الاستثمار ولا أريد أن أدخل في دوامات.. فردّت عليّ الفتاة: ابدئي فقط بمبلغ بسيط وبعد ذلك يزيد المبلغ، لكنها عادت وأكدت لي أن الاستثمار معهم مضمون، فقط مبلغ صغير لمرة واحدة وإن شاء الله ما راح تخسري، وأكدت أن شركتهم معروفة، وأعطتني اسم واحدة تعمل معهم في مؤسسة النقد العربي السعودي اسمها فايدة …. …..، وحسابهم في بنك …..”.

بهذا فقط استطاعت صاحبة اللكنة الجداوية أن تُشعر زهراء بالطمأنينة وأن تجر رجلها إلى أول خطوة، ولم تحتج إلى مزيد من المحاولات، فطلبت منها تحويل 2000 ريال ليبدأوا استثماره وتحقيق الأرباح لها.

تكمل زهراء “حولت لها المبلغ وانتهت علاقتي مع سارة التي أبلغتني بأن مدير أعمالي هو من سيتواصل معي ليشرح لي كيف يمكنني أن أدير أموالي”.

أحمد الحاج

“بعد فترة بسيطة جاءني اتصال من شخص خاطبني باسمي مُرحّباً، ثم عرّف بنفسه بأنه أحمد الحاج المسؤول عن متابعة استثمار أموالي في الشركة وهو مدير أعمالي الخاص، شعرت حينها بحظوة وأنني قد وُفِّقت بضغطة الزر التي قادتني إليهم، فليس كل أحد يمكنه أن يحصل على مدير لأعماله دون أن يدفع مبالغ طائلة، خاصة أنه سيشرح لي بالتفصيل كيف يتم الاستثمار، وبعدها أدخلني على منصة للتداول وأخذ يتحدث عن الأسهم، ماهي الأسعار الجيدة للشراء، ومتى نبيع، واستمر هكذا لمدة شهر تقريباً، لم يطلب خلالها أي مال إضافي”.

تكمل زهراء  “قال لي على سبيل المشورة: عندي لك شغلة أخرى تضمن لك أموالك وأرباحك ستكون أكبر، قلت له لا بأس إذا كانت شرعية ونظامية وتتماشى مع القانون، فأعاد عليّ نفس كلام سارة …..، وبالغ في أنهم لا يقومون بأي عمل مخالف للأنظمة وأنهم أناس يخافون الله، وهدفهم إفادة الناس، وأن حساباتهم صريحة في البنك …..، وتعاملاتهم مع مؤسسة النقد العربي، وقال بلهجته الشامية (نحنا مش تبع الشركات النصابة)”، وتعطف على كلامها “وافقت على اقتراحه وليتني لم أفعل”.

حركة المال

طلب منها أحمد الحاج أن تعطيه الرقم السري لحسابها في البنك الأهلي، بحجة أنه سيدير لها أموالها دون الحاجة إلى إزعاجها كلما أراد الدخول في عمليات البيع والشراء، ولأن هذا الحساب تقريبا هو حساب مهمل تقريباً عندها وليس فيه أموال وافقت على ذلك..

تقول زهراء “في البداية كانت تأتيني حوالات واردة بمبالغ صغيرة 300 ريال أو 500 ريال بشكل يومي ولا تلبث أن تتحول إلى حوالات صادرة، إلى أن وصلتني حوالتين الأولى بـ14 ألف ريال والثانية بـ19 ألف ريال، عندها سألته عن هذه المبالغ، ولمَ تدخل حسابي وتخرج منها..؟ فأخبرني بأن هذه عمليات بيع وشراء أسهم، واستثمار، وأنهم يسيرون في طريق الربح”.

بعد ذلك انتقل معها إلى مستوى آخر، إذ أخبرها أنه يحتاج إلى حساب آخر لإدارة المال فأعطته حسابها الآخر في بنك ……، ورقمها السري، وهو الحساب الذي ينزل فيه راتبها.. “بعد أن أعطيته رقم حسابي، بدأ يُطمِعُني في مزيد من الربح، وقال علينا أن نفتح مؤسسة باسمك، ولكي نفعل ذلك لابد من أن يكون عندك في الحساب 150 ألف ريال، وحين أبلغته بأني لا أملك هذا المبلغ، طلب مني أن آخذ قرضاً من إحدى شركات التمويل”.

وتستدرك “لقد رحمني الله إذ إني لم أوفق في أخذ القرض، وفوجئتُ بعد فترة بسيطة بحوالة واردة بمبلغ 50 ألف ريال، ثم حوالة أخرى في نفس الوقت بمبلغ 50 ألف ريال، واتصل بي وقال لي: شوفي وحدة من صاحباتك نقدر نحول عليها 100 ألف ريال، وبكل سذاجة كلمت صديقتي وقلت لها الحكاية وسألتها إذا بالإمكان تحويل مبلغ 100 ألف ريال على حسابها، فصُعقَت حين سمعت كلامي، وأسمعتني كلاماً كأني أعرفه لكنه كان غائباً عني، وحذرتني من التمادي معهم، فهم على حد تعبيرها نصابين ومحتالين”.

لحظة الحقيقة

لم يكن الكلام الذي دار بين زهراء وصديقتها إلا رحمة أخرى من الله بها كي تستفيق مما كانت فيه، وتنجو مما تورطت به دون قصد سوى ظنها الحسن بالآخرين، ومحاولة منها كي تحصل على كسب حلال عن طريق الاستثمار، يعينها في إعالة أطفالها وأهلها. لكن ما حدث يدلّ على غير ذلك، وبدأت الغشاوة تنزاح عن عينيها..

تقول “اتصلت به وقلت له، أنا لا أجد معنى لكل هذه الأموال التي تدخل في حساباتي وتخرج منها، وأراد أن يبرّر كما كان يفعل دائماً، لكنني لم أعطه فرصة لذلك، وحذرته من استخدام حسابي مرة أخرى في أي تحويل مستقبلي”.

بعد هذا الحوار مع أحمد الحاج قام الأخير بتحويل الـ100 ألف من حسابها، ولم تمر إلا أيام حتى فوجئت بأن البنك أوقف حسابها، وحينما راجعته لمعرفة السبب أخبروها بأن الحساب مشبوه، وتتم فيه عمليات غير مفهومة، وكأنه يُستخدم في عمليات غسيل الأموال..

تقول “حين سمعت ما قاله موظف البنك أسقط في يدي ولم أعرف كيف أتصرف، فأخذت أبكي من الخوف، ونصحني الموظف بالذهاب إلى مركز الشرطة وتقديم شكوى مع تقديم كل المستندات التي تدل على العمليات التي كانوا يقومون بها، بالإضافة المراسلات التي كانت بيني وبينهم على واتسب، ثم كتبت تعهداً للبنك بألا أسمح لأحد باستخدام حسابي، وأن لا أتعامل مع جهات مجهولة، وخرجت من البنك بعد أن أعطوني كشفاً لحسابي”.

شرطة عسير

“ذهبت إلى مركز الشرطة في مدينتي في وقت متأخر، فطلب مني الضابط مراجعتهم والاتصال به في اليوم التالي، وأعطاني رقمه بعد أن أخذ جميع المستندات مني، وعلى الموعد اتصلت به كثيراً لكنه فلم يجبني، وتزامن ذلك مع إعادة فتح حسابي في البنك، ولأني كنت خائفة جداً من الذهاب إلى الشرطة، سكتُّ ولم أراجعهم.. وظننت أن الأمر انتهى.

مضت 4 أشهر على ذلك.. ثم تلقيت اتصالاً من شرطة عسير يُخبرني بأن هناك دعوى نصب واحتيال مرفوعة ضدي، فسألت محدثي: نصب واحتيال؟ نصبت واحتلْت على من؟ فرد عليّ نصبتِ على شخص وذكر اسمه وأخذت منه 100 ألف ريال.. وما إن سمعت هذه الكلمات حتى قصصت عليه حكايتي كلها، فحاول الرجل تهدئتي بعدما رآني شبه منهارة، ووصفني بالضحية، وأن المحتال الحقيقي استخدمني لإتمام عملياته، وأخبرني بأن الملف سيحول على شرطة مدينتي ـ في محافظة القطيف ـ لاستكمال الموضوع”.

النيابة العامة

بعد أسبوعين من اتصال شرطة عسير اتصل بها مركز الشرطة في المدينة التي تقطنها، وذهبت إليهم، وكما حدث مع محادثها في شرطة عسير حصل مع الذي كان يحقق معها هنا، وأعادت عليه سرد حكايتها من ألفها إلى الياء، بكل تفاصيلها، فهي لا تنتظر السؤال لتجيب، ولم يسمح لها وضعها بأن تتجمل في الإجابة أو تختصر أو تداري، فقد بلغ الذعر منها مبلغه، وأحاط بها الخوف من كل مكان..

تقول “بعد أن حققوا معي أحالوا القضية إلى النيابة العامة، وتحدد موعد الجلسة بعد شهرين، وهناك طال التحقيق كثيراً.. قال لي المحقق: ورطتِ حالك يا زهراء، أصبحت متهمة، وكل هذه الأموال، رغم أنك لم تأخذي منها شيئاً، لكن في النظام أنت من أخذها، لأنها تحولت إلى حسابك”..!

تكمل زهراء “كنت أحاول أن أتمالك نفسي، لكني كنت أفشل في ذلك، وللصدق فقد عاملوني في النيابة بكل رقي واحترام، لكنهم رجال قانون ويجب أن يقوموا بعملهم. استأنف المحقق حديثه معي بعد أن أعطاني وقتاً أجمع فيه شتات نفسي، وسألني هل تعرفين الحسابات التي تتحول إليها الأموال التي تدخل في حسابك، أجبته نعم فهي دائماً تُحول إلى شخص واحد وهو خالد إبراهيم …، وبعضها يُحول إلى مؤسسة اسمها …..، وانتهى التحقيق ورجعت إلى البيت”.

لا أحد يعلم

لم تُطلع زهراء أحداً على قضيتها سوى المحامي، وصديقة واحدة، أبقت على مخاوفها داخلها، ولم تخبر أحداً من أهلها بما يجري، كانت خائفة من الفضيحة، خائفة أن يتهمها الناس بالنصب والاحتيال، وأن يقرّعها الأقربون ويلوموها على ما فعلت..

تقول “رجعت من النيابة وحبست نفسي في البيت، كنت أعيش أشد أنواع تأنيب الضمير ولوم النفس، لكن ذلك لا يجدي، ولن ينقذني مما أنا فيه، تقطعت بي الحبال ولم يبق سوى الحبل المتين الذي لا ينقطع، توجهت لله أن يتلطف بي وبأولادي، عاهدته بألا أثق في أحد بعدها، دعوته أن ينجيني من البلاء الذي أوقعت نفسي فيه”.

وفي انتظار الحكم في قضية الـ 100 ألف ريال، اتصل مركز الشرطة مرة أخرى بزهراء وأحالوها إلى المباحث الجنائية للتحقيق معها بخصوص الأموال التي دخلت في حسابها ومجموعها 39 ألف ريال، ومن هناك أحيلت إلى النيابة العامة..

تقول زهراء “في النيابة العامة كان واضحاً لديهم أني لم أستفد من أي تحويل وصل إلى حسابي، فقال لي المحقق أنا أجدك ضحية تم التلاعب بها، واستخدامها كجسر لكل تلك العمليات المشبوهة وغسيل الأموال، لكن ذلك لا ينفي أنك مخطئة وهذا لا شك فيه، فتمكينك أي أحد من حساباتك البنكية مخالف للأنظمة وعليك تحمل مسؤولية ذلك، فأنت لا تدرين ماذا فعلوا بالأموال التي عبرت حسابك، فربما ذهبت لتمويل الإرهاب أو استخدمت في أمور غير أخلاقية”.

انتهى التحقيق مع زهراء وعادت إلى بيتها محملة بمخاوف تكفي لأن تسلب منها الراحة وتحرمها النوم .. تقول “عدت إلى البيت وصليت ركعتين، وقلت: خلاص الأمر بيدك يا رب، ولن يكون إلا ما تريد، وظللت تلك الليلة مؤرقة، وفي الصباح وصلتني رسالة مكتوب فيها لقد تم حفظ القضية، ورأساً اتصلت بالمحامي وأبلغته وطمأنني إلى أن ذلك يعني انتهاء القضية”.

تنفستْ الصعداء فور سماعها كلام المحامي، لكن فرحة زهراء لم تدم طويلاً فبعد شهر واحد جاءها اتصال من الشرطة يخبرونها بأنها مطلوبة في الرياض للتحقيق معها..

تقول “ابتدأ التحقيق معي في الرياض، وحكيت التفاصيل التي تعبت من تكرارها، وفي كل مرة أعيد الحكاية أتيقن أكثر أني كنت مغفلة وأن الأمور واضحة فكيف لم أنتبه؟!”..

تأخذ نفساً ربما لتخفف به من وطأة لومها لنفسها وتكمل “أخيراً حكموا عليّ بغرامة مالية، قلت لهم وإذا دفعتها تنتهي القضية؟ كنت أبحث عن الخلاص مما أنا فيه، أجابوني نعم، لكن الحكم حتى يأخذ صفته القطعية عليك انتظار شهر قبل دفع الغرامة، بقيت أعد الأيام حتى أفيق من الكابوس الذي لازمني قرابة السنتين، لكن وقبل انقضاء الشهر وصلني اعتراض المدعي العام على الغرامة”.

إلى هنا انتهت القصة التي تحكيها زهراء لنا، ومازالت معلقة بخيط الأمل والرجاء في أن تتجاوز الحفرة التي وقعت فيها، والتي وقع فيها الكثير غيرها، وربما كانت الثقة في غير محلها والطمع في الكسب السريع أهم دعائمها.

تنويه:

تحتفظ الصحيفة بالوثائق والمعلومات الخاصة بقضية المواطنة

اقرأ أيضاً

في ضربتين.. حراميّان يستوليان على 78 ألف ريال من حساب رضي اللاجامي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×