التجربة الجمالية قائمة على الإعجاب بدلا من الرغبة لماذا نقدر الجمال والفنون
محمد حسين آل هويدي
بسم الله الرحمن الرحيم: … «126» وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا «127» … صدق الله العلي العظيم – النساء.
ما الفرق الأكبر بين لوحة رائعة وإعلان عن الملابس الداخلية الرجالية؟ تم إنشاء كلاهما بعناية فائقة وصمما ليكونا جذابين بصريًا قدر الإمكان. لكن في حين أن كلاهما يهدف إلى إرضائنا، إلا أنهما يثيران ردود فعل مختلفة في أدمغتنا.
هناك نوعان من أنظمة المكافأة المتميزة في دماغ الإنسان. أحدهما مسؤول عن الإعجاب والآخر مسؤول عن الرغبة. نظرًا لأننا عادة نرغب فيما نحبه وما نريده، تميل هاتان الشبكتان إلى العمل معًا. ولكن عندما يتعلق الأمر بالتجارب الجمالية، مثل الاستمتاع بالفن، هاتان الشبكتان تنفصلان. وتتميز الشبكتان بالناقلات العصبية التي نستخدمها؛ وكلاهما يجعلنا نشعر بالسعادة، ولكن على أنواع مختلفة.
على سبيل المثال، تتدخل المواد الأفيونية عندما نعجب بالأشياء، بينما يلعب الدوبامين دورًا عندما نريد شيئًا ما. غالبًا ما تتعاون هذه المواد الكيميائية، كما هو الحال عندما تحب الآيس كريم وبالتالي تريد تناوله.
لكن عندما يدخل الفن في المعادلة، تتغير الأشياء. الاستمتاع بالفن يعني الإعجاب دون الرغبة، وهو أحد الجوانب المحددة للتجربة الجمالية. عندما تستمتع بمتحف اللوڤر، لن يخطر ببالك مطلقًا محاولة شرائه أو امتلاكه.
يشير هذا إلى إحدى سمات الفن الخاصة: ليس لها أي غرض يتجاوز إرضاءَنا وإشراكنا. هذه الملاحظة المثيرة للاهتمام ليست مجرد نتيجة لعلم الأعصاب الحديث – فقد وصفها بالفعل الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط منذ مئات السنين، والذي كتب في كتابه نقد الحكم الذي نُشر عام 1790م، بأن التجربة الجمالية هي تجربة “اهتمام غير مهتم”؛ بما يعني، اهتمام دون رغبة.
بعبارة أخرى، نحن مهتمون لأننا نستمتع بالفن، لكننا غير راغبين في تملكه. عندما ننظر إلى الأعمال الفنية، فإن تخيلاتنا وأفكارنا تلعب بحرية، دون الحاجة إلى الامتلاك أو الاستهلاك.
أعطها وقتً لتنضج.. وحينها سأعجب أكثر.. وسأرغب أكثر وأكثر [أتحدث عن الماديات والمقتنيات] وحتى اللوحات الفنية.. سأعلقها في المكتبة بالمنزل أو مكتبي في شركتي لأكحل عينيّ بمحياها كل صباح، ثم اكتشفت أني دخلت عالم روتين رتيب، فاللوحة كما الجدار، لم تعد تستوقفني في معناها إلا حين أحاكيها أو يحاكيني فيها زائر جديد.. حتى مدير مكتبي اقترح تدويرها مع لوحات أخرى لعلها زاوية الضوء من سيبعث فيها الحياة مجدداً!!
والآيسكريم في مخروط البسكويت أو الوافل مع مكسرات البيكان في شهر ديسمبر تسايل له لعابي.. أعجبني جداً ورغبته واشتريته واستمتعت به، ولكن…معقولة كل يوم آيسكريم بالبيكان؟!
والمجبوس أياً ما يكون مع الدجاجـ أو اللحم أو الربيان أو السمك.. انطبع في ذاكرتي عشقه منذ الصغر.. دمت يا والدتي.. يا أحلى قمر، ولكن مو كل يوم مجبوس!
وكذا المقالة واللوحة والمنحوتة.. أتركها ساعة وارجع من جديد، وستنقح فيها..
ونم ليلتها وانظر اللوحة مع خيوط الصباح وستغير الريشة وتضيف درجة وتخفي ظلاً..
والمنحوتة لم يأتي وقتها بعد.. لا زالت تنمو وتتبلور.. استشعرها لامست مشاعري.. تحاكي حياتي.. تهمس في أذني.. ألهبت قريحتي..
فهل كل ذلك إعجاب، أم إعجاب ورغبة، ويتطور إلى نزوة عابرة أم حب التملك والانفراد إلى ما شاء؟!!
أسأل نفسك هذا السؤال أول الصباح حين تستجمع قواك الحسية والذهنية والعقلية وحتى قبل النهوض من الفراش، هل حقاً وصلت إلى مرحلة من الاطمئنان والسكينة أن هذا المبتغى بكل ما فيه [إعجاب وإطراء ورغبة وعاطفة] يدعوني للإنتماء!!