[الدّرّاسون 5] أسدية المسجّن.. صوت القرآن الهامس في “جراري” القطيف تهجّأت الحروف على يد زهراء آل رقية.. وختمت المصحف مع أم علي الزاير
القطيف: ليلى العوامي
لأن “دراسة القرآن” يكاد يكون عادة قطيفية متأصلة، لا فرق فيها بين رجل وامرأة سعيا وراء الثواب من الله، والتذاكر في المجالس، خاصة في شهر رمضان المبارك، لذا نجد انتشاراً كبيراً لهذه العادة الأصيلة وحرصا كبيراً على الانضواء تحت أجنحتها بين الجميع بمختلف فئاتهم وأعمارهم.
ضيفة “صُبرة” هذا اليوم، مثال واضح على الالتزام وترسيخ القدوة القرآنية النقية حفظاً وتلاوة وذكراً، ونموذج للمرأة الحريصة على تعاليم دينها الحنيف ونشره في مجتمعها بكل إخلاص لا يبتغي إلا وجه الله ورضاه وثوابه.
إنها الحاجة أسدية حسن أحمد المسجن، أو كما عُرِفَتْ بين نساء القطيف باسم “أم علي المسجن” شخصية ورعة.. خاتمة للقرآن، وإضافة لكونها خطيبة حسينية، يلحظ كل من يقترب منها أنها تتسم بالتواضع والهدوء، وعندما تسمعها يجبرك صوتها الشجي الحزين على الاندماج معها دون ملل.
القرآن لايفارقها
الحاجة أسدية (74 عاما)، من حي الجراري بالقطيف، ولدت عام 1369هـ.، بدأت تعلم القرآن صغيرة وعمرها أقل من 10 سنوات، من أبجد هوز حتى ختم القرآن كاملاً، ثم وفاة النبي، وهو ما كانت تتعلمه ” الوليدات ” قديماً، وتدرجت حتى أصبحت “درَّاسة” منذ أكثر من 27 عاماً، وقد ختمت القرآن على يد الخطيبة زهراء ناصر آل رقية ـ رحمها الله ـ التي تعتبر من المَعَلْمَات الأوائل للقرآن الكريم في محافظة القطيف اللاتي ساهمنْ في تعليم المرأة قراءة القرآن هجاء ونحواًً، وقد تعودت المسجن منذ أن كان عمرها 47 عاماً على تلاوة القرآن وختمه طوال العام وفي شهر رمضان المبارك تقضي معظم وقتها في تلاوته.
عن تدارس القرآن الكريم في شهر رمضان، تقول “أم علي المسجن” إنها من العبادات التي مازال المجتمع يحافظٍ عليها وفي إزدياد مستمر ، وتختصر رحلتها بالتأكيد على أنها وِلدتُ لتكون خادمة للقرآن، وأهل البيت عليهم السلام، وتضيف بثقة: “كرَّست جُلَّ حياتي على تعلمه”.
بين الأمس واليوم
تقارن الحاجة أسدية تدارس القرآن في المجتمع النسوي بين الأمس واليوم، فتوضح أن “الدرّاسة: كانت في الماضي تلبس “مشمرها” (رداء من القماش الملون تلبسه المرأة القطيفية) أو “مقنعتها ” (وهي حجاب يشبه البخنق سادة أو ملون من القطن الناعم) تلبسه المرأة لتستر نفسها ويصل للصدر . وتأخذ لها جانباً من المنزل مخصص للصلاة ودراسة القرآن، وفي تلك الأثناء يعمُ الهدوء أرجاء المكان فالأطفال يخرجون للعب والرجال لمجالس القراءة، أما اليوم أصبح تدارس القرآن منتشراً ففي الحي الواحد يكون هناك ثلاثة منازل أو أكثر تجتمع فيهم النسوة لقراءة جزء من القرآن وتجويده بحضور درَّاسة ممن أتقنوا قراءته.
وتعود الحاجة أسدية بذاكرتها للوراء قليلاً قائلة “في زمننا كان هناك الكثيرات في القطيف يُعلمن القرآن منهم “زهراء الحداد أم تركي الجرشة، وأم علوي زوجة سيد باقر، وأم سيد ماجد الخباز خديجة الحداد، و أم عبد الشهيد خضر ، وأم فاطمة أسدية زوجة عبدالحسين أبو ذيب “
رحلتي مع القرآن
وعن رحلتها مع القرآن الكريم، تقول ” تعلمت القرآن هجاء، ونحواً عند معلمتي زكية زوجة سعيد ملا حميد آل جواد ” نصف جزء فقط، وخرجت من عندها ،ثم أرسلتني جدتي آمنة بنت الجنيبي إلى زهراء ناصر آل رقية ـ رحمها الله ـ وكانت دقيقة، وشديدة في تعليمنا ولا ننتهي حتى نكون متقنات لقراءة القرآن. فختمت القرآن و الفخري والوفاة لمدة عشر سنوات وكنت أقرأ معها وعمري 9 سنوات، رافقتها إلى بلدة البحاري للقراءة في مأتم بيت آل رقية، بعدها اتجهت لقراءة القرآن وختمه في منزلي، وعمري 47 سنة، وزاد تعلقي بالقرآن في شهر رمضان المبارك.
وتضيف “أختم القرآن طيلة العام، ولكن في شهر رمضان يزداد عدد طالبي الختمة لأمواتهم لذا يكون جلوسي للدرس أكثر من أي وقت آخر.. جُلَّ وقتي فقط للدرس حتى أنتهي من جميع الأسماء المسجلة عندي وأهبهم الختمة.
وعن بداياتها في تدارس القرآن قالت بدأت بِمُجَالسة الملاية معصومة الزاير، المعروف بـ “أم علي أبو السعود” ـ رحمها الله ـ حيث كانت تجلس في فواتح موتى المؤمنين وكنت أجلس بجوارها وأراقبها كيف تقرأ؟ فطلبت مني أن أدرس معها كمساعدة لها وكانت دائماً تقول لي أنا أثق في قراءتك فهي صحيحة، ومنها عرفني المجتمع بالخطيبة وقارئة القرآن “أم علي المسجن”.
تدارس القرآن قديماً
ولأن شهر رمضان يتميز بالروحانية، لذا فإن تدارس القرآن موجود منذ القدم، ولكل زمنه طقوسه.. تشرح لنا أكثر بأنه مع بداية شهر رمضان “ومنذ اليوم الأول نَبدأ بقراءة القرآن، وقراءة دعاء الشهر، والسبحانية، والجوشن ، ونهاية الشهر حينما نختم القرآن نقوم جميعنا بعمل حركة تسمى بـ”البحبوحة” وطريقتها نجلس على الكرسي ونضرب بأرجلنا الأرض مرددين “سوو ليي بُحْبُوحه في الجنة ” أي نطلب من الله العيش الرغد، والواسع في الجنة، وفي يوم الأربعاء نقرأ المساية.
وعن وقت الذهاب لبيت المعَلمة في شهر رمضان تقول ” نبدأ من بعد صلاة الظهر ونقرأ الأدعية والقرآن، ونعود لمنازلنا عند الثالثة عصراً.. وتتنهد قليلاً وتضيف “قديماً كان اليوم طويلا وبه بركة.. الحمد لله”.
وطوال الشهر تدرس المعّلْمَة القرآن مع “أوليداتها” أما في شهر رمضان فيزيد تدارس القرآن وختمه.. نختم أكثر من ختمة ونقضي يومنا وليلتنا على تدارسه، والختمة كانت بـ 50 ريالا والمأتم بعشرة ريالات.
طقوس رمضان
وعن كيفية قضاء يومها في شهر رمضان توضح “ما أن أنتهي من الصلاة ووجبة الإفطار أبدأ من السابعة بدرس القرآن متخذة لي مكانا في المنزل للقراءة حتى السحور، وبعد صلاة الفجر أقرأ جزئين ثم أخلد للنوم، ثم أعود للقراءة بعد صلاة الظهر وحتى وقت إعداد طعام الإفطار.. ووصفت يومها بـ”الممتع” و”المريح” حيث لا تشعر بالتعب أبداً، وتشرح لنا أكثر بقولها: “إذا تأدبنا في قراءة القرآن حرفاً حرفا بعلاماته الإعرابية، تشعر بطمأنينة النفس وهدوئها خاصة إذا جاءت ليلة العيد، ومع قراءة دعاء ختم القرآن تشعر بقشعريرة في جسدك وتبكي وتفرح بقوة الإنجاز فترتاح فالهدية وصلت للموتى والبركة حلت بالدعاء.
وعن اهتمام الناس بقراءة القرآن تؤكد الحاجة أسدية أن الناس مازالوا مهتمين كثيراً بتدارس القرآن.. الجميع يقرأ ويختم في رمضان لأهله أو للأموات.. وتضيف: “اليوم لايوجد بيت إلا وبه درس للقرآن فالقرآن له فضل عظيم والحمد لله مجتمعنا متمسك بهذه العبادة”.
وتختتم “أم علي المسجن” حديثها بشرح كيفية وقت التلاوة، إذ توضح أنها نصف ساعة للجزء بالترتيل، أما الختمات فأنواع، هناك ختمة فردية تهبها للمتوفيين المسجلين لديّها وعندها ختمة للمنقطعين وأخرى للمؤمنين، مشيرة إلى أن ختمات القرآن تزيد في شهر رمضان، معتبرة أن بالوقت بركة كبيرة لا يشعر بها إلا قارئ القرآن .
الحاجة أسدية في سطور:
– من مواليد حي الجراري بالقطيف (1357هـ).
ـ بدأت تعلم القرآن صغيرة وهي في سن العاشرة، حتى ختمته كاملاً.
ـ من المَعَلْمَات الأوائل للقرآن في محافظة القطيف اللواتي ساهمنْ في تعليم المرأة قراءة القرآن هجاء ونحواً.
ـ عُرِفَتْ بين نساء مجتمعها باسم ” أم علي المسجن ” الخاتمة للقرآن.
ـ إضافة لكونها خطيبة حسينية، اتسمت شخصيتها بالهدوء، ويجبرك صوتها الشجي لسماعها دون ملل.
ـ اتجهت لقراءة القرآن وختمه في منزلها، منذ كان عمرها 47 عاماً.
ـ درَّاسة منذ أكثر من 27 عاماً، وختمت القرآن على يد الخطيبة زهراء ناصر آل رقية رحمها الله.
الله يعطيها الصحة والعافية وطولة العمر وجعله الله في ميزان حسناتها وجزاها ألف خير الجزاء على خدمه كتاب الله تعالى